بثمانية ملايين أوكراني.. خارطة أوروبا للاجئين تتغير والتداعيات خطيرة
بثمانية ملايين أوكراني.. خارطة أوروبا للاجئين تتغير والتداعيات خطيرة
مع دخول الحرب الروسية- الأوكرانية عامها الثاني، تواجه أوروبا أكبر حركة لجوء منذ الحرب العالمية الثانية، لا سيما مع فرار نحو 8 ملايين أوكراني منذ بدء العملية العسكرية الروسية قبل عام.
ومع توطين أكثر من نصف اللاجئين في دول أوروبية، يشير الوضع إلى تغير خارطة اللاجئين في أوروبا بعد عام من اشتعال الحرب.
ووفق صحيفة "لوموند" الفرنسية، فإنه منذ بداية الغزو الروسي في 24 فبراير 2022 غادر أوكرانيا أكثر من 8 ملايين شخص، وفي غضون بضعة أشهر سلكوا طريق الهجرة عبر أوروبا، وهذه هي أكبر حركة للاجئين في القارة منذ الحرب العالمية الثانية.
وبالمقارنة مع حالات أخرى، فإن 6.8 مليون سوري و4.6 مليون فنزويلي و2.7 مليون أفغاني هم لاجئون في جميع أنحاء العالم، وفقًا لتقديرات مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين.
وسبق أن أعلنت الأمم المتحدة، أن الحرب الروسية على أوكرانيا تسببت في زيادة عدد النازحين داخل بلادهم والمهجرين خارجها قسراً حول العالم إلى أكثر من 100 مليون شخص، وذلك للمرة الأولى على الإطلاق.
وقالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إن الحرب في أوكرانيا كانت أحد العوامل التي دفعت ملايين الأشخاص إلى الفرار، مضيفة أن الصراعات التي طال أمدها في أماكن مثل إثيوبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية كانت من العوامل الأخرى وراء هذه الأعداد الكبيرة.
ووفق دراسة نشرتها جامعة إستونيا، فإن 74% من اللاجئين الأوكرانيين هم من النساء من بين نحو 4,2 مليون لاجئ منذ بدء الحرب في أوكرانيا.
فمنذ فرض الأحكام العرفية في أعقاب الهجوم الروسي في أوكرانيا، مُنع الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و69 من مغادرة البلاد.
وطلبت الأمم المتحدة نهاية الأسبوع الماضي، مبلغ 5,6 مليار دولار لتلبية الحاجات الإنسانية لنحو 11,1 مليون شخص في أوكرانيا و4,2 مليون لاجئ والمجتمعات المضيفة في أوروبا.
وتضمن بيان لمدير العمليات الإنسانية في الأمم المتحدة مارتن غريفيث أنه "بعد قرابة السنة تستمر الحرب بحصد القتلى وإلحاق الدمار والنزوح يوميا وعلى نطاق هائل".
ووفقًا لكريستين جوير، نائبة ممثل المفوضية في بولندا، البلد الذي يستضيف أكبر عدد من النازحين الأوكرانيين (1.5 مليون)، "أثار المنفى الأوكراني تدفقًا غير مسبوق من الترحيب من دول المقصد؛ إنها حركة تضامن فريدة من نوعها لا تزال قائمة بعد مرور سنة".
"جسور بوست"، تناقش كيف تغيرت خارطة اللاجئين في أوروبا بعد عام من الحرب الروسية الأوكرانية.
دعم جيد
تغيرت خارطة اللاجئين بزيادة عددهم في أوروبا بفعل الحرب، ورغم ذلك كان هناك تضامن وصفه الخبراء والمحللون بـ"الجيد".
حيث استقبلت ألمانيا 1.02 مليون لاجئ أوكراني، وجمهورية التشيك أكثر من 480 ألف لاجئ، وفقًا لتقرير المفوضية الأوروبية الصادر في 14 ديسمبر 2022.
وفي هذا الإطار، يواصل 74% من المواطنين الأوروبيين الموافقة على دعم الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا.
وأفادت لوموند بأن "هذا الدعم برز بشكل خاص في اعتماد أعضاء المجلس الأوروبي بالإجماع في 4 مارس من العام الماضي لقرار يهدف إلى منح حماية مؤقتة فورية وجماعية ومتناسقة للأوكرانيين الفارين من الحرب، وتبعا لذلك وفي نهاية 2022 استفاد 4.7 مليون منهم من التوطين في أوروبا.
ووفقًا للصحيفة الفرنسية، هذا الإجراء تم تطويره في 2001 وصمم في الأصل للسكان الفارين من النزاعات في يوغوسلافيا السابقة، ولم يتم تشغيله مطلقًا، ومع ذلك فقد أتاح للأوكرانيين الحرية الكاملة في الاستقرار والإقامة في حالات الطوارئ، وقبل كل شيء الحصول على تصريح إقامة مؤقت يتيح الوصول الفوري إلى سوق العمل والخدمات الصحية وتعليم الأطفال والإسكان.
ويختلف مدى تطبيق هذه التدابير من بلد إلى آخر، لا سيما في ما يتعلق بالحصول على دورات اللغة أو بدل الإقامة أو المزايا الاجتماعية، وقدر بنك التنمية التابع لمجلس أوروبا تكلفة دعم اللاجئين من أوكرانيا بما يتراوح بين 30 مليار يورو و43 مليار يورو لعام 2022.
وجاء في التقرير أن "سمات هؤلاء اللاجئين غير نمطية، حيث إنّ 90% منهم من النساء والأطفال والرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و60 عامًا لا يحق لهم مغادرة البلاد بسبب الأحكام العرفية".
وأوضح التقرير أنه "من المرجح أيضًا أن يكون هؤلاء اللاجئون قد حصلوا على تعليم عالٍ بنسبة 71% وفقًا لبيانات من وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، مقارنة بالتدفق الآخر للاجئين وحتى مقارنة بالسكان الأوكرانيين.
تداعيات خطيرة
يرى الخبير الاقتصادي وعميد كلية الاقتصاد في جامعة، الأزهر الأستاذ الدكتور محمد يونس، أن الدول الأوروبية اضطرت منذ بداية الأزمة لاتخاذ إجراءات سريعة تتعلق باللاجئين الأوكرانيين وبشكل متسارع، ورجح أن الدول الأوروبية ستعاني على المدى البعيد صعوبات وأزمات في ما يتعلق بتنظيم الوجود وإدارة شؤون اللاجئين مستقبلًا، خاصةً أن أوروبا تعاني منذ سنوات من تدفقات الهجرة التي زادت لحد غير مسبوق منذ عام 2011.
وأوضح أستاذ الاقتصاد في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست"، أن الأعداد التي تم الإعلان عنها من جانب مفوضية اللاجئين تشير إلى أن موجة الهجرة من أوكرانيا كانت تجاوزت أضعاف المهاجرين إلى أوروبا على مدار السنوات الماضية، وهو ما يعني أن الأمر ستكون له تداعيات خطيرة مستقبلًا.
وتشير التقديرات إلى أن الإجراءات السريعة لا تمكن الدول في الغالب من فحص ملفات اللاجئين وبعضهم كان يصل دون أوراق، وربما سيسبب ذلك مشكلات أو حدثت بالفعل، والذي يدعو إلى القلق أن الاتحاد ليس لديه أي استراتيجية في التعامل مع أوضاع اللاجئين، وظل منقسمًا على نفسه لسنوات مضت بخصوص هذا الملف، مشيرًا إلى أن الأزمة تشهد تفاقمًا كبيرًا منذ عام 2015، ولا تزال قائمة حتى اليوم في ما يتعلق بإدارة شؤون اللاجئين وتوزيعهم.
رغم الحرب وكوفيد-19
وقال أستاذ الاقتصاد، إيهاب الدسوقي، إن هناك دولا أوروبية كان لها مواقف مشرفة في تعاملها مع الأزمة ومنها ألمانيا، التي ورغم تأثر اقتصادها بسبب الحرب ومن قبلها "كوفيد19"، فإنها فتحت أبوابها أمام اللاجئين الأوكرانيين بشكل كبير منذ بداية الأزمة، في إطار استراتيجية شاملة لدعم أوكرانيا سواء في مجال الدفاع أو على المستوى الدبلوماسي والإنساني.
وأكد الدسوقي في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست"، أن ثمة تناقضًا في مواقف بعض الدول مثل الموقف البريطاني الذي اتسم أيضًا بالقوة في تعزيز الموقف الأوكراني ودعمه، لكنه رفض استقبال اللاجئين بأعداد كبيرة.
وأشار الخبير الاقتصادي، إلى أن ذلك ربما رجع إلى تضخم الاقتصاد الأوروبي وتأثره بالحرب بشكل لم تشهده القارة العجوز منذ قرون.