شريفة فاضل.. «أم البطل» وآخر عناقيد المرحلة الذهبية للفن المصري
شريفة فاضل.. «أم البطل» وآخر عناقيد المرحلة الذهبية للفن المصري
بدت على المسرح بفستانها الأنيق وشموخها النادر وحزنها النبيل، كأنها زعيمة أمة ستتلو على الجماهير العريضة بيان الانتصار العظيم، وقد كان بالفعل، ولكنه انتصار من نوع خاص، انتصار الأم على حزن مقتل ابنها أثناء أداء واجب لا مناص منه وهو واجب حماية الوطن، بدأت البيان بكلمات "ابني حبيبي يا نور عيني، بيضربوا بيك المثل، كل الحبايب بتهنيني.. طبعا ما أنا أم البطل"، ولم يكن هذا ادعاء، فقد كانت سلطانة الطرب شريفة فاضل بالفعل أم بطل قتل في حرب 1973.
استيقظ المصريون على خبر وفاة سلطانة الطرب الأشهر في خمسينيات القرن الماضي شريفة فاضل عن عمر ناهز الـ85 عاما وبعد مسيرة طويلة من الأعمال الفنية، تربعت من خلالها على عرش قلوب المصريين، ليس فقط لأنها اكتوت بنار الفقد ككثيرين منهم، ولكن لأنها جزء من تاريخ الفن المصري في مرحلته الذهبية، لموهبتها العظيمة وأغانيها التي يعيد كبار المغنيين غناءها إلى اليوم مثل محمد منير.
ابتعدت عن الأضواء منذ سنوات طويلة، بل إنها كانت في أيامها الأخيرة غير قادرة على التواصل بحكم السن والمرض، إلا أن وقع خبر وفاتها كان صادمًا بشكل كبير، رحيل السلطانة يعني فقد المصريين جزءا كبيرا من تاريخهم الفني، ورمزًا من رموز الفن الجميل.
علامة في تاريخ الفن المصري
رحلت بعد رحلة حياة زاخرة بالفن والطرب والأحداث الفنية والإنسانية، وبعد أن أهدت الوطن قطعة من قلبها فصارت أم البطل الشهيد، وسجلت اسمها في وجدان الملايين بأعمالها الخالدة التي ستبقى على مر الأجيال.
وفقًا لمعلوماتها الشخصية، حققت شريفة فاضل نجاحات كبيرة وقدمت العديد من الأعمال، التي تعتبر علامات في تاريخ الطرب، ومنها "فلاح كان فايت بيغني، حارة السقايين، آه من الصبر وآه، أمانة يا بكرة، آه يا المكتوب، الليل، مبروك عليك يا معجباني"، وغيرها من الأغاني الشهيرة التي حققت نجاحا وانتشارا واسعين، كما قامت ببطولة عدد من الأفلام، ومنها: "أولادي، وداعًا يا غرامي، حارة السقايين، مفتش المباحث، ليلة رهيبة، اللعب بالنار، في مهب الريح، فاتنة الجماهير، غازية من سنباط، سلطانة الطرب"، ووصل رصيدها إلى 20 فيلما، 15 منها كممثلة، و5 كمطربة، وتعاونت مع كبار الملحنين ومنهم رياض السنباطي ومحمد الموجي ومنير مراد وبليغ حمدي، وحازت لقب سلطانة الطرب لجمال صوتها وأدائها شخصية منيرة المهدية، التي أسندها لها مخرج الروائع حسن الإمام.
الحق لأهله
يتعرض الفنانون أيضًا لمحن وكوارث ربما دمرتهم، ولكن الحق دائمًا لأهله، وهذا ما حدث مع سلطانة الطرب.
ففي منتصف السبعينيات أسست شريفة فاضل كازينو الليل، ونفت في حوار لإحدى وسائل الإعلام المصرية، أن يكون مجرد ملهى ليلي، ووصفته بأنه مطعم ومسرح منوعات، قائلة: "كنت عاملة كازينو الليل للعائلات، مطعم ومسرح فايف ستارز، وكنت حاطة شروط علشان يكون مكان لائق ومناسب للعائلات، كان ممنوع ستات يدخلوا لوحدهم، وكان بيسهر فيه ناس راقية من نجوم الفن والمجتمع والسياح العرب، وكان موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب بييجي علشان يسمع أحمد عدوية".
وشهد الكازينو الذي حظي بمكانة فنية وسياحية كبيرة بدايات عدد من النجوم، ومنهم عدوية ومدحت صالح وخالد عجاج وفيفي عبده وسعد الصغير وغيرهم، وكان ملتقى سهرات كبار النجوم، ومنهم فريد شوقي وعبدالوهاب وعادل إمام.
ومع بداية التسعينيات ووقوع حرب الخليج الثانية، شهدت كازينوهات شارع الهرم كساداً، وتزامن ذلك مع إصابة شريفة فاضل ببعض الآلام بالكلى، وتزايدت هذه الآلام حتى سافرت الفنانة الكبيرة للخارج وأجرت جراحة استئصال لإحدى الكليتين، وبعدها فكرت في تأجير كازينو الليل، ولكن بعد تأجيره حدثت أزمة بينها وبين المستأجرين الذين ادعوا أنهم قاموا بتأجير المحل لمدة 5 سنوات ودفعوا قيمة الإيجار، وهو ما نفته الفنانة الكبيرة، وتم تداول القضية في المحاكم لعدة سنوات مع تمكين المستأجرين من إدارة المحل، ولكن حدث ما لم يخطر ببال، حيث ذهب أحد المستأجرين لأداء العمرة، وبعد عودته ذهب للفنانة الكبيرة وزوجها وطلب منهم السماح واعتذر لهم وتنازل عن الكازينو.
وفي عام 2002 باعت شريفة فاضل الكازينو، وذلك بعد إصابة زوجها اللواء علي زكي بجلطة، فتفرغت الفنانة الكبيرة لرعايته وابتعدت عن الأضواء.
لقاء الوداع
حرص عدد من الفنانين على وداع الفنانة شريفة فاضل بكلمات مؤثرة بعدما فارقت الحياة عن عمر ناهز الـ85 عاما، بعد مسيرة طويلة من الأعمال الفنية التي عاشت في وجدان الجميع.
وكانت البداية مع الفنانة فيفي عبده التي حرصت على نعي الفنانة الراحلة شريفة فاضل عبر صفحتها الشخصية على إنستجرام، حيث نشرت صورة الفنانة الراحلة وعلقت قائلة: "إنا لله وإنا إليه راجعون، توفيت إلى رحمة الله المطربة القديرة شريفة فاضل حبيبة قلبي الغالية أم البطل، ربنا يرحمها ويجعل مثواها الجنة، ويصبر أهلها وأحبابها يا رب، برجاء الدعاء لها بالرحمة والمغفرة".
وفي تصريحات إعلامية، نعت الفنانة صفاء أبوالسعود رحيل شريفة فاضل قائلة: "الفنانة الكبيرة شريفة فاضل واحدة من أشهر أيقونات الفن في العالم العربي، وشاركت بأعمالها في إثراء حياتنا الفنية بعشرات الأفلام والمسرحيات والأغاني التي ما زالت تتردد بنجاح كبير حتى اليوم، رحم الله سلطانة الطرب وأم البطل شريفة فاضل".
كذلك نعى الموسيقار عاطف إمام رحيل شريفة فاضل وعلق قائلا: "البقاء لله وحده وإنا لله وإنا إليه راجعون، شريفة فاضل لها العديد من الأعمال التي تعيش في الوجدان، ومنها أغنية تم البدر بدري، وأم البطل، ومبروك عليك يا معجباني يا غالي، وفلاح كان فايت بيغني، وحارة السقايين، وآه من الصبر، وآه وآه يا المكتوب، والليل وأمانة يا بكرة، ودور دور وغيرها".
وتابع قائلا: "شريفة فاضل الفنانة الراحلة، أهدت الوطن أغلى ما تملك ومنحته قطعة من قلبها، فهي أم البطل الشهيد سيد السيد بدير، الذي استشهد في حرب الاستنزاف، فغنت أمه لأمهات الأبطال بدمها ودموعها، لتشد من عزائمهن ومن عزائم الأبطال المحاربين بأغنيتها الشهيرة أم البطل حين تحقق النصر".
وأضاف بكلمات مؤثرة: "قامت شريفة فاضل ببطولة فيلم سلطانة الطرب عن قصة حياة الفنانة منيرة المهدية من إخراج حسن الإمام، وغيرها من الأفلام، وندعو الله أن يتغمدها بواسع رحمته، وأن يدخلها فسيح جناته، ويلهم محبيها وأسرتها الصبر والسلوان".