لا إسراف ولا تخزين.. غلاء الأسعار يغيّر العادات الاستهلاكية للمغاربة في رمضان
لا إسراف ولا تخزين.. غلاء الأسعار يغيّر العادات الاستهلاكية للمغاربة في رمضان
- رئيس جامعة حقوق المستهلك: غلاء الأسعار دفع المغاربة إلى تغيير عاداتهم خلال رمضان
- الملك محمد السادس يطلق عملية "رمضان 1444" لتقديم مساعدات غذائية لـ5 ملايين شخص
- رئيس جمعية حماية المستهلك: السلطات تقوم بعمل جبار لضبط حالات الزيادة في الأسعار والاحتكار
- خياط أزياء: تراجع الإقبال على اقتناء الأزياء التقليدية خلال الأيام الأولى من رمضان
سامي جولال- المغرب
حل شهر رمضان هذا العام على المغاربة في أجواء يطبعها غلاء الأسعار، الذي يأتي في سياق الأزمة الاقتصادية التي يشهدها العالم كله، ما أثر على موائد المغاربة، ودفعهم إلى تغيير عاداتهم الاستهلاكية خلال هذا الشهر، ودفع الكثيرين للتوقف عن التبذير والإسراف في المواد الغذائية، والعدول عن اقتنائها بكثرة، كما أثر على إقبال المغاربة على اقتناء وخياطة أزياء تقليدية مغربية جديدة خلال هذه المناسبة الدينية، في الوقت الذي تقوم فيه السلطات المغربية بمراقبة الأسواق، لضبط ومحاربة حالات الزيادة في الأسعار والاحتكار، بحسب شهادات استقتها "جسور بوست" من الشارع المغربي.
وفي هذه الظروف، أطلق الملك محمد السادس العملية الوطنية "رمضان 1444"، لتقديم المواد الغذائية لـ5 ملايين شخص، ورفع عدد المستفيدين من الدعم الغذائي في هذه المبادرة من 600 ألف عائلة في النسخة الماضية إلى مليون عائلة في النسخة الحالية.
رمضان في ظروف خاصة
وقال رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك (غير حكومية)، الدكتور بوعزة الخراطي، إن "شهر رمضان حلَّ في ظروف خاصة تتمثل في ارتفاع الأسعار على الصعيد العالمي، ما أثَّر على بعض الدول، خاصة غير المنتجة للبترول، التي شهدت ارتفاعا في الأسعار، وإن هناك وسطاء تسببوا في ارتفاع الأسعار، وهو ما دفع المغاربة في ظل هذه الظروف، إلى تغيير عاداتهم الاستهلاكية خلال شهر رمضان المبارك".
تغيير العادات الاستهلاكية
وأضاف الخراطي، في حديثه مع "جسور بوست"، أن "المغرب كان تقريبا استثناءً في ما يخص وفرة المواد الغذائية في الأسواق، إلَّا أن الأسعار جعلت المستهلك المغربي يغير عاداته الاستهلاكية السيئة، المتمثلة في التبذير والإسراف في المواد الغذائية، وبدأ يحسن تدبيرها، واتجه نحو العدول عن اقتناء المواد بكثرة، وغيَّر كيفية الطهي والاستهلاك"، موضحا أن "المغربي يستهلك مثلا 33 كيلو غراما من السكر للفرد الواحد خلال السنة، بزيادة قدرها 10 كيلوغرامات مقارنة مع المعدل الدولي، الذي يبلغ 23 كيلو غراما زيادة".
الدكتور بوعزة الخراطي
وأبرز الخراطي أن "العادات الاستهلاكية للمغاربة خلال شهر رمضان الحالي تغيرت أولا على مستوى الاقتناء، إذ لوحظ أن هناك نقصا في الكميات، التي يشترونها من السوق، نظرا لغلاء أسعار المواد، فبدل أن يقتنوا كيلوغراما، أو كيلوغرامين، أو 5 كيلوغرامات، من منتج معين، أصبحوا يقتنون نصف أو ربع كيلوغرام، التي تكفي احتياجاتهم اليومية".
وكشف المصدر نفسه أنه "خلال الأيام الأولى من شهر رمضان الحالي، قامت الجامعة المغربية لحقوق المستهلك (غير حكومية)، التي يرأسها، بتحريات مع جامعي النفايات، ولوحظ غياب رمي العجائن، والخبز، والمواد الغذائية، في قمامة النفايات مقارنة مع السنوات الماضية"، مبينا أن "المستهلك المغربي باستهلاكه وحسن تدبيره للمواد الغذائية، أصبح واعيا بأن وقت التبذير قد ولى، وأنه قد حان الوقت لحسن التدبير".
واعتبر الخراطي أن "هذا التغير في العادات الاستهلاكية للمغاربة، له تأثير إيجابي، لأن التبذير والإسراف من عمل الشيطان، ولأنه يؤثر سلبا على القدرة الشرائية للبيت، وعلى التعامل التجاري للبلد، نظرا لأن المغرب اضطر، وفق الخراطي، هذا العام وخلال العام الماضي، إلى استيراد القمح، والسكر، وعدة مواد، ودفع أموال طائلة بالعملة الصعبة تذهب إلى دول أخرى".
ومن جانبه، قال رئيس الجمعية المغربية لحماية المستهلك (غير حكومية)، عبدالناصر لميسي، إن "الجمعية المغربية لحماية المستهلك تتابع عن كثب ما يقع على مستوى السوق الداخلي في ما يتعلق بالارتفاع الصارخ للأسعار، وإن هناك مجموعة من التجار، الذين يقومون بالاحتكار".
السلطات تراقب الأسواق
وأوضح لميسي، في حديث مع "جسور بوست"، أن "السلطات المحلية، والعمال، والولاة، على مستوى جميع الأقاليم، يقومون بعمل جبار في ما يتعلق بضبط حالات الزيادة في الأسعار، والتجار الذين يقومون بالاحتكار، والادخار، ما يؤدي إلى الزيادة في الأسعار والتلاعب بها، وأن الملك محمد السادس أصدر في فبراير الماضي تعليماته السامية لتشديد المراقبة في ما يخص تموين السوق الداخلي، وحماية الأسر المغربية من الزيادة في الأسعار، وأن الجمعية المغربية لحماية المستهلك تتابع ذلك، وتتوفر على تقارير تفيد بأن هناك انخفاضا تدريجيا في أسعار الخضر والفواكه، ما يدل، بحسب لميسي، على المراقبة الصارمة الموجودة في السوق الداخلي".
عبد الناصر لميسي
دعوة للمقاطعة
وفي ظل هذه الظروف، دعا لميسي المغاربة إلى "تغيير نمط الاستهلاك خلال شهر رمضان، من خلال القيام بالترشيد الاستهلاكي الأمثل، والاستهلاك السليم، ومقاطعة الخضر واللحوم التي ترتفع أسعارها، حماية للحقوق الاقتصادية والقدرة الشرائية للمستهلك، ما سيؤدي، بحسبه، مباشرة إلى انخفاض تدريجي في أسعارها"، موضحا أن "المغاربة لديهم تجارب سابقة مع مقاطعة المنتجات، التي ترتفع أسعارها، ما أدى إلى انخفاض تدريجي في أثمنتها".
تراجع الإقبال على الأزياء التقليدية
ولم يؤثر غلاء الأسعار فقط على موائد المغاربة، وعلى عاداتهم الاستهلاكية الغذائية خلال شهر رمضان الحالي، بل أثر أيضا على عاداتهم المتعلقة باقتناء أزياء تقليدية جديدة جاهزة، أو خياطتها عند الخياط، خلال هذه المناسبة الدينية، بحسب ما أوضحه عبدالمالك الكَناوي، خياط أزياء تقليدية مغربية في العاصمة المغربية الرباط، لكنه أوضح في المقابل أنه "رغم ذلك، فإن المغاربة رجالا ونساءً وأطفالا سيقتنون ويخيطون الأزياء التقليدية المغربية خلال الأيام القادمة من شهر رمضان، لأن ذلك يعتبر عادة ضرورية في المغرب في هذه المناسبة".
وقال عبدالمالك لـ"جسور بوست": “إن هناك مشكلة كبيرة تخص غلاء الأسعار هذا العام، وإن الناس تضررت كثيرا من ذلك، وإن هذا الغلاء أثر على الصناعة التقليدية، وتحديدا الجلباب المغربي، إذ لا يوجد حتى الآن، إقبال كبير على اقتناء الأزياء التقليدية خلال شهر رمضان الحالي”.
عبد المالك الكَناوي
وفي المقابل، بيَّن عبدالمالك أنه "رغم الغلاء، وبأي شكل، فإن المغاربة البسطاء العاديين، رجالا ونساءً وأطفالا، من الضروري أن يتجهوا إلى الخياط لعمل الجلباب المغربي التقليدي، بهدف ارتدائه في ليلة القدر، وفي عيد الفطر"، مبرزا أن “الإقبال على ذلك يظهر ابتداءً من يوم 26 في شهر رمضان، وأن من أراد أزياءً مغربية تقليدية بأسعار رخيصة سيجدها، ومن أرادها بأسعار مرتفعة سيجدها”.
دعم الفئات الهشة
وأشرف الملك محمد السادس، مرفوقا بولي العهد الأمير مولاي الحسن، الجمعة، بمدينة سلا (مجاورة للعاصمة الرباط)، على إعطاء انطلاقة العملية الوطنية "رمضان 1444"، التي تنظمها مؤسسة محمد الخامس للتضامن (تحظى بصفة النفع العام، ويرأس الملك محمد السادس مجلس إدارتها، وتحارب الفقر والتهميش الاجتماعي، وتعمل من أجل إدماج اجتماعي اقتصادي أفضل للمحرومين) بمناسبة شهر رمضان، ويستفيد منها هذه السنة 5 ملايين شخص.
وتنفيذا للتعليمات الملكية السامية، تتميز عملية "رمضان 1444"، التي رصد لها غلاف مالي بقيمة 390 مليون درهم مغربي، برفع عدد المستفيدين من الدعم الغذائي من 600 ألف عائلة في النسخة الماضية إلى مليون عائلة، يتوزعون على 83 إقليما بالمملكة، حيث يعيش 77 بالمئة من هذه الأسر المستفيدة بالوسط القروي.
وأعطى الملك محمد السادس، بمناسبة النسخة الـ24 لهذه العملية، تعليماته السامية لتعزيز المحتوى المقدم للأسر بمواد غذائية إضافية، لا سيما الأرز والحليب.
وأضحت هذه العملية، المنظمة بدعم مالي من وزارة الداخلية ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، موعدا سنويا هاما يهدف إلى تقديم المساعدة والدعم للفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة، لا سيما النساء الأرامل، والأشخاص المسنين، وذوي الهمم، وتنسجم مع البرنامج الإنساني لمؤسسة محمد الخامس للتضامن، الرامي إلى تقديم الدعم للأشخاص الأكثر حاجة، والنهوض بثقافة التضامن والتكافل.