رغم الأجواء الديمقراطية.. صحفيو العراق يواجهون العنف والملاحقات القانونية
على هامش الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة
العراق- عبد الرشيد الصالح
إعلامي عراقي: العمل بمهنة الصحافة مقيد وخطر جداً
مدير جمعية الدفاع عن حرية الصحافة: إقليم كردستان سجل أخطر الانتهاكات بحق الصحفيين
خبير قانوني: هناك الكثير من القوانين التي تقمع حرية التعبير في قانون العقوبات
مراسل صحفي: هناك جملة من المعوقات الأمنية والقانونية تواجه العمل الصحفي الميداني
مذيع عراقي: القوانين التي يفترض أن تؤمّن الحماية لعمل الصحفي لا تزال قاصرة وتضاف لها تشريعات جديدة
أساتذة إعلام: البيئة الصحفية تعاني العشوائية وغياب المعايير المهنية في العمل
يمثل العراق واحدا من أكثر البلدان خطورة على الصعيد العالمي بالنسبة لسلامة الصحفيين، فبيئة الإعلام وحرية التعبير لا تزال هشة رغم النظام الديمقراطي والفيدرالي الذي يتمتع به العراق، الذي من المفترض أن يضمن هامشا مريحا للحريات.
وحل العراق في المرتبة الخامسة على مستوى العالم في مؤشر الإفلات من العقاب، وفق آخر تصنيف للجنة حماية الصحفيين الدولية (مقرها نيويورك) لعام 2022، ويعتبر الثالث من مايو من كل عام اليوم العالمي لحرية الصحافة، وفقا لاتفاقية الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1993، ليكون فرصة للاحتفاء بالمبادئ الأساسية لحرية الصحافة، وتقييمها في كل أنحاء العالم.
500 صحفي قتلوا خلال عقدين
يقول مقدم البرامج عمار برهان، لـ"جسور بوست"، إن "هناك فجوة بين العمل الصحفي في العراق والحريات وحق الحصول على المعلومة"، مؤكدا أن "العمل بمهنة الصحافة مقيد وخطر جداً في العراق، لأن الصحفيين غالباً ما يتعرضون للانتهاكات والتهديد المباشر".
وشدد برهان على ضرورة استحداث قوانين جديدة تتناغم مع العمل الصحفي في العراق، توفر بيئة آمنة وتسهل من إمكانية الوصول إلى المعلومات من مصادرها الرسمية".
وكان نحو 500 صحفي قد قتلوا في العراق على مدى أقل من عقدين من الزمن بطرق مختلفة، وفقًا لنقابة الصحفيين العراقيين، وقد أكدت جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق في شهر مارس الماضي، أنّ الأجهزة الأمنية تقوم بعمليات تضييق شديدة على الصحفيين، خصوصا الأجانب القادمين إلى البلاد، عبر فرض سلسلة إجراءات معقّدة من قبل هيئة الإعلام والاتصالات ومركز العمليات الوطني وقيادة العمليات المشتركة.
388 انتهاكاً خلال 2022
وسجل عام 2022 حالات انتهاك صريحة تنافي المادة 38 من الدستور وبأشكال مختلفة، في حين بلغت الانتهاكات 233 حالة في عام 2021، منها 40 في إقليم كردستان، وذلك وفقا لجمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق.
وكشفت المدير التنفيذي للجمعية ريا فائق، بالأرقام عن ارتفاع مؤشر الانتهاكات خلال عام 2022 خاصة بعد توثيق 388 حالة انتهاك صريحة بحق صحفيين عراقيين"، مشيرة إلى أن "صحفيين اثنين تعرضا للتهديد بالتصفية الجسدية".
وأضافت فائق لـ"جسور بوست"، أن "إقليم كردستان (شمال العراق) سجل أخطر الانتهاكات، بحق الصحفيين، عبر سجنهم وإسناد اتهامات باطلة لهم كالتجسس وتخريب النظام أو التآمر على الحكومة"، مشيرة إلى أن "إحصائية الانتهاكات في العراق تؤشر إلى عدم خلو أي محافظة من تسجيل حالة تضييق أو تجاوز أو تهديد لتتصدرها العاصمة بغداد بـ80 حالة انتهاك، تليها أربيل بـ75 حالة".
ريا فائق
وأشارت المدير التنفيذي لجمعية الدفاع عن حرية الصحافة، إلى "وجود توافق للحد من حرية العمل الصحفي، وفقاً لارتفاع أعداد الانتهاكات لا سيما في بغداد وإقليم كردستان، رغم أن الأخيرة تتمتع بقوانين تخدم حرية العمل الصحفي كقانون حق الحصول على المعلومة".
وجاء الاعتداء بالضرب ومنع وعرقلة التغطية من قبل القوات الأمنية الرسمية، أكثر أنواع الانتهاكات شيوعا، حيث سجلت 254 حالة في عام 2022، و60 حالة اعتقال واحتجاز دون مذكرات قبض، و12 حالة مداهمة وهجوم مسلح لمؤسسات إعلامية ومنازل صحفيين، فضلاً عن 9 دعاوى قضائية رفعت بحق صحفيين ومؤسسات إعلامية، و9 حالات إصابات أثناء التغطية، وحالتي تهديد بالقتل والتصفية الجسدية، و28 حالة تقييد جاءت نتيجة كتب رسمية صادرة من مؤسسات حكومية.
قوانين تقيد الحريات
تثير مواد قانون جرائم النشر ضمن قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 الموروث من النظام السابق قبل عام 2003، لغطا كبيرا، حيث إنه تسبب بتضييق مساحات حرية العمل الصحفي في مختلف مناطق العراق، وفقا لما يرى مراقبون.
من جهته، قال الخبير القانوني فيصل ريكان لـ"جسور بوست"، إن "حرية التعبير مكفولة بالدساتير والقوانين العراقية منذ عام 1925"، مبينا أن "العديد من القرارات صدرت بعد عام 2003 لضمان الحريات في الرأي والتعبير".
وأوضح ريكان، أن "الأمر 65 الذي أسس هيئة الإعلام والاتصالات أشار إلى حرية إصدار الصحف دون الحاجة إلى تراخيص، أما المادة 38 من الدستور فقد أشارت إلى حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل وحرية الإعلام والطباعة والصحافة مكفولة للجميع".
فيصل ريكان
ولفت إلى أن "هذه المادة كانت خطوة جيدة لتعزيز حرية الرأي والتعبير في العراق، لكنها غير كافية لعدم وجود تشريعات قانونية تدعم ذلك، ولذلك حصلت العديد من الخروقات والاعتداءات والتجاوزات بحق الصحفيين، وإغلاق وسائل إعلام".
وبين الخبير القانوني، أن "المادة 38 لا تشكل لوحدها ضمانا حقيقيا لحرية الصحفيين والصحافة، وهناك الكثير من القوانين السابقة التي تقمع حرية التعبير في قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969".
دعاوى قضائية تلاحق الصحفيين
المراسل محمد عواد، روى لـ"جسور بوست"، "جملة من المعوقات الأمنية والقانونية التي تواجه العمل الصحفي الميداني في العراق، التي كان أبرزها هو عدم قدرة الصحفي على التقصي والوصول للمعلومات من مصادرها الرسمية"، مؤكدا أن "بعض المؤسسات الحكومية والأهلية، تمارس انتقائية في منح وكشف المعلومات ولا سيما تلك المتعلقة بملفات الفساد التي غالباً ما تحاول التدليس عليها".
وأضاف، أن "دخول الصحفي للمؤسسات الحكومية يحتاج إلى سلسلة موافقات من قبل الجهات المعنية، قبل البدء بكتابة أي مادة صحفية"، مشيرا إلى أن "البيئة الصحفية في العراق بحاجة إلى ترصين حقيقي، عبر قوانين ساندة للحريات توفر الحماية وتحفظ الحقوق".
وأكد أنه "غالبا ما يواجه الصحفي دعاوى قضائية من قبل جهات لها علاقة بملفات الفساد التي كشف عنها، لكن غالباً ما ينصفه القضاء الذي كان سنداً لكثير من الصحفيين".
أما المذيع عباس ستار، فقد أكد أن "القوانين التي يفترض أن تؤمن الحماية لعمل الصحفي ما زالت قاصرة"، مضيفاً أن "الحاجة ملحة الآن لإعداد قوانين ببنود توفر حماية كاملة للصحفي العراقي، لتكون سنده الداعم في إبراز الحقائق وكشف ملفات الفساد".
وأشار ستار لـ"جسور بوست"، إلى أنه "قد تطرأ على عمل الصحفيين تحديات جديدة تضاف على الموجودة على أرض الواقع، عبر قوانين جديدة يراد منها تقييد العمل الصحفي، منها قانون حرية الرأي والتظاهر السلمي الذي يحاول مجلس النواب تشريعه خلال الفترة الأخيرة".
باحثون عن الشهرة
من جانبه، قال الأستاذ الجامعي د. مسلم عباس في حديث لـ"جسور بوست"، إن "البيئة الصحفية تعاني العشوائية وغياب المعايير المهنية في العمل، وهذا كان سبباً بدخول أشخاص طارئين على المهنة، باحثين عن الشهرة عبر إثارة عواطف الجمهور بأساليب غير مهنية".
عباس نوه إلى أن "الجامعات العراقية وكليات الإعلام، فشلت بتخريج صحفيين مهنيين قادرين على سد الثغرات الموجودة في مهنة الصحافة، عازياً ذلك إلى "افتقارها للأساليب التي تواكب التطورات المتسارعة في تقنيات الإعلام، ما جعلها بعيدة عن الواقع وخريجيها يطردون من أبواب المؤسسات الإعلامية".
أما من الناحية العلمية فوصف الأستاذ الجامعي، المناهج بـ"الجامدة وغير الواقعية التي لا تصلح لتدريب الطلبة على مهنة الصحافة".
ولفت إلى أن "الجامعات تفتقر أيضا لمراكز التدريب المهني القادرة على تمكين طلبتها من أدوات الصحافة، لا سيما بعد التطور التقني الهائل الذي يتطلب تدريبات أكثر تخصصا وعمقاً".
وتابع: "تحاول السلطات في العراق وبكل الوسائل التضييق على حرية الرأي والتعبير والنشر الصحفي، إما من خلال القوانين المشرعة في زمن النظام الديكتاتوري مثل قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، أو عبر تشريع قوانين جديدة كقانون جرائم المعلوماتية الذي بإقراره ستقتل الحريات الصحفية بشكل كامل".
وعن الواقع الصحفي في العراق تحدث أستاذ الإعلام د. عدنان الجياشي، قائلا، إنه "ليس هناك واقع محدد يمكن تقييمه في العراق، كونه لا يتسم بالنظام، ويعد فوضوياً عشوائياً، لأن الخارطة الإعلامية مقسمة حسب أجندات واتجاهات سياسية".
د. عدنان الجياشي
ورهن الجياشي، "تضييع الفرصة على الدخلاء الذين يؤثرون على مهنة الصحافة، بدعم جامعات وكليات الإعلام بأدوات ووسائل تعزز من مخرجاتها بصورة ترتقي للواقع".
وأشار إلى أن "رغم محاولات الجامعات العراقية، الارتقاء بالواقع التعليمي، إلا أن مشاريع التطوير غالباً ما تكون بلا فائدة، لأنها تستخدم مفردات وأدوات جديدة، دون تعزيز الكوادر التدريسية بآليات وأساليب علمية حديثة، مضيفاً أن "التراكمات والمشكلات لا تنتهي بتغيير المناهج".