دور الدبلوماسية والقيادات الروحية السعودية والإماراتية في بناء الجسور وفضّ النزاعات!

دور الدبلوماسية والقيادات الروحية السعودية والإماراتية في بناء الجسور وفضّ النزاعات!

نشاط مهم قامت به قيادات دبلوماسية وروحية في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، من أجل تعزيز الحوار بين الثقافات المختلفة، ونزع فتيل النزاعات المسلحة والمواجهات التي تتم في عدد من البلدان.

أهمية المشاريع التي جرى العمل عليها خلال الأسابيع المنصرمة، أنها تأتي ضمن "الدبلوماسية العامة" المستمرة للرياض وأبوظبي، لإيمان العاصمتين بأن الدول تقع عليها مسؤولية في ترسيخ قيم التسامح والتعايش السلمي، ومواجهة الخطابات العنيفة والعنصرية.

الأمين العام لـ"رابطة العالم الإسلامي"، الدكتور محمد العيسى، زار مقر "هيئة الأمم المتحدة"، والتقى أمينها العام أنطونيو غوتيريش، مقدماً مبادرة: "بناء جسور التفاهم والسلام بين الشرق والغرب"، التي أطلقها العيسى من مقر الأمم المتحدة، وذلك بمشاركة رئاسة المنظمة الدولية وأمانتها العامة، والممثل السامي لتحالف الحضارات، ووسط حضور رفيع لكبار القيادات الأممية والدينية والسياسية والفكرية، وفق ما نقلته صحيفة "الشرق الأوسط".

من جهة أخرى، قدمت الإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة، في مجلس الأمن الدولي، مشروعاً مشتركاً، أثمر القرار الرقم (2686) حول "التسامح والسلام والأمن الدوليين"، وهو "أول قرار يعترف بأن العنصرية وكراهية الأجانب والتمييز العنصري والتمييز بين الجنسين يمكن أن تؤدي إلى اندلاع النزاعات وتصعيدها وتكرارها".

التحرك هذا يدل على أن السعودية والإمارات، معنيتانِ مباشرةً بتعزيز السلم الدولي، ومواجهة خطابات الكراهية، كونهما دولتين تعيشان وسط منطقة فيها العديد من النزاعات الأهلية، وشاهدتين على مجموعة من عمليات الإرهاب والتفجير التي طالت الأبرياء، وأثارت النعرات الطائفية، وأضرّت بالمصالح التنموية؛ فضلاً عن استهداف السعودية والإمارات بهجمات ومخططات إرهابية قامت بها عناصر تابعة لجماعات متشددة، تناصب الرياض وأبوظبي العداء، كون العاصمتين وقفتا بوضوح ضد مشروعات الإسلام السياسي والميليشيات المسلحة في الشرق الأوسط!

بالعودة إلى الجهود التي يقوم بها الشيخ محمد العيسى، نرى أنها تتواكب من جهة مع ما يقدمه من خطاب في الفضائيات العربية، يسعى من خلاله لترسيخ رؤية دينية تقوم على التسامح ونبذ التكفير، ومن جهة أخرى، ما يمارسه من نشاطات وزيارات متواصلة يسعى عبرها لبناء تفاهمات مع مختلف المؤسسات المعنية بتكريس التفاهم والحوار بين الحضارات.

بالعودة إلى مبادرة "بناء جسور التفاهم والسلام بين الشرق والغرب"، فقد تحدث الشيخ محمد العيسى، في الأمم المتحدة، مؤكداً أهمية "تعزيز التفاهم والتعاون بين الأمم والشعوب واستلهام مواعظ التاريخ التي تؤكد خطورة الصدام الحضاري"، كما حث "الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لتبنّي اقتراح على الجمعية العمومية لتخصيص يومٍ عالميّ للتحالف الحضاري بين الشرق الغرب"، مقترحاً على الدول الأعضاء "تعزيز قيم السلام والوئام بين الأمم والشعوب في مناهجها التعليمية".

العيسى أيضاً عقد لقاءً واسعاً "بحضور أكثر من 30 مركزاً ومعهداً بحثياً وازناً، ومستشاري صناعة السياسات في الكونغرس الأمريكي"، وفق ما جاء في موقع "رابطة العالم الإسلامي".

الدكتور العيسى تحدث في اللقاء عن "وثيقة مكة المكرمة"، مبيناً أنها "استطاعت لأول مرة الحصول على إجماع مفتي وعلماء الأمّة الإسلامية بمختلف مذاهبهم، على أبرز وأهم القضايا المعاصرة، التي اقتضت مسائلها العالمية المُلِحَّة رؤية موحدة".

ليس ببعيد من هذا الجهد الدؤوب، عقد "الملتقى التشاوري لعلماء الساحل والسودان"، والذي نظمه في العاصمة نواكشوط "المؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم"، و"المؤتمر" هو ثمرة تعاون بين دولتي الإمارات العربية المتحدة والجمهورية الإسلامية الموريتانية، يُراد من خلال هذه الشراكة تعزيز قيم السلم الأهلي ونبذ العنف.

"الملتقى التشاوري" ركز تركيزاً رئيسياً على ضرورة وقف القتال الدائر في السودان، ساعياً من خلال القيادات الروحية المشاركة إلى العمل الجماعي في مساعي الإصلاح والإغاثة الإنسانية، وحث الأطراف المتنازعة على وقف إطلاق النار.

المتشاورون، في البيان الختامي للقاء، اقترحوا “تشكيل فرق عمل لمتابعة الوضع في الدول المعنية، والسهر على تنفيذ مخرجات هذا اللقاء التشاوري، وتطوير ما قدم فيه من أفكار وتصورات”، كما حثوا "القيادات الدينيّة على القيام بالتوعية بأهمية تحقيق السلم ونبذ خطاب الكراهية والاقتتال ونشر دعوة المصالحة بين الناس، ودعوة الأطراف المتصارعة إلى تغليب المصلحة العامة والحفاظ على الأوطان".

الشيخ عبدالله بن بيه، وفي كلمته في "الملتقى التشاوري لعلماء الساحل والسودان"، أكد أن "هدفنا وأمنيتنا أن يسهم هذا الملتقى في إطفاء نيران الحروب المشتعلة، وإيقاف دوامة القتل المستشرية، والصلح بين الأطراف المتنازعة".

من جهته، قال "سفير الحريات الدينية بالولايات المتحدة الأمريكية" رشاد حسين، إن "بلاده تدعم دعماً قوياً وواضحاً "العمل الجبار" الذي يقوده "المؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم"، وذلك "في سبيل تحقيق السلام".

المساعي المبذولة من المشاركين في "الملتقى"، تمثل إضافة معنوية وروحية مهمة، للجهود الدبلوماسية التي تنشط فيها دول من أجل السلام في السودان، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية التي عملت بدءاً على الإجلاء الإنساني لمواطني العديد من الدول الذين كانوا عالقين في السودان، ثم باستضافة ممثلين عن الأطراف المتنازعة في مفاوضات من أجل هدنة مؤقتة، تم تمديدها لأكثر من مرة، بهدف الوصول إلى أرضية توافقية صلبة، تمهد لوقف دائم وشامل لإطلاق النار، وعملت مع الولايات المتحدة على مراقبة التزام الأطراف السودانية بـ"الهدنة"، وأصدرت بيانات حددت فيها المسؤولية، وكررت فيها الدعوة إلى تغليب المصلحة العامة للشعب السوداني، ورفع معاناته الإنسانية، فضلاً عن حملات الإغاثة التي أمر بها الملك سلمان بن عبدالعزيز، عاجلاً للمتضررين من الحرب.

ما سبق من معطيات، يشير إلى أن السعودية والإمارات، لديهما القدرة الدبلوماسية على العمل من أجل السلام، ويمتلكان أيضاً قوة "روحية" يمكنها المساهمة في تعميم ثقافة الحوار والتعايش السلمي، من خلال شخصيات مثل الدكتور محمد العيسى والشيخ عبدالله بن بيه، والمؤسسات التي يعملون ضمنها، والفريق الذي ينشط معهم.. وهذه الفعالية ستكون أكبر في حال وجود "مشاريع مشتركة" بين هذه المؤسسات، خصوصاً أن لديها تصورات وأسساً متشابهة عدة، هي بمثابة القاعدة الصلبة للانطلاق من أجل سلامٍ إقليمي يُصنع بوعي وحكمة في الخليج من أجل خير البشرية.


كاتب المقال

صحفي سعودي وباحث متخصص في القضايا السياسية والفكرية والاستراتيجية

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية