حياة وسط الركام والدمار.. نساء غزة يعشن على حافة الانهيار

حياة وسط الركام والدمار.. نساء غزة يعشن على حافة الانهيار
منى عرفات، سيدة فلسطينية

دمرت القوات الإسرائيلية أكثر من نصف المنازل في قطاع غزة منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر 2023، ما أدى إلى تشريد مئات الآلاف من العائلات، واضطرار الكثيرين للعيش في العراء، أو تحت الخيام، أو حتى بين أنقاض منازلهم المهدّمة.

وسط هذا المشهد الكارثي، برزت ظاهرة لافتة، وهي لجوء نساء كثيرات، مثل منى عرفات، إلى السكن وسط ركام منازلهن رغم الخطر الداهم، لتوفير نوع من الاستقرار لعائلاتهن في ظل انعدام البدائل، بحسب ما ذكرت وكالة أنباء المرأة، اليوم السبت.

منى، وهي أم لطفلين، عادت إلى ركام منزلها بعد نزوح قاسٍ إلى جنوب القطاع، متحدية رائحة الغبار، ومشاهد الخراب، والخوف من سقوط السقف في أي لحظة، لتصنع من أنقاض بيتها ملجأً بديلاً عن "جحيم الخيام"، على حد تعبيرها.

من الحلم إلى الردم

تحكي منى عرفات، وهي تقف وسط الحجارة التي كانت ذات يوم غرفتها، كيف كانت تعيش في شقة سكنية جديدة في حي الزيتون، غرب مدينة غزة، ضمن عمارة من ثلاث طوابق تسكنها عائلة زوجها بأكملها. 

لم يمرّ سوى أشهر على تشطيب شقتها قبل اندلاع الحرب، وقد اضطرت لبيع مصاغها الشخصي لإكمال تجهيزها، "لكنه حلم لم يصمد أكثر من ثانية"، تقول منى، إذ سقط صاروخ دمّر كل شيء في لحظة واحدة.

"كنت أقول لنفسي إن الجميع يبالغ، وسأعود لأجد البيت كما تركته"، تضيف منى. لكنها صُدمت حين شاهدت أطلال منزلها بعينيها للمرة الأولى، وانهارت بالبكاء، قائلة: "لا بيت، لا ملابس، لا أثاث، لا مطبخ.. لا شيء، وما لم يُقصف سُرق".

بمساعدة زوجها وبعض الأصدقاء، أزالت الركام الذي كان يسدّ المدخل، وبعد شهرين من العمل اليدوي، تمكّنت من تنظيف مكان الغرفة وتحويله إلى مأوى مؤقت، مستخدمة بعض الحاجيات المتواضعة التي أحضرتها معها من الجنوب: فراش، أرفف خشبية، أوانٍ، حبال. "لا يليق أن نسمّيه بيتاً، لكنه على الأقل سقف وجدران"، كما تقول.

"سأموت بين هذا الركام"

بعد يوم شاق من التنظيف، وقبل أن تلتقط أنفاسها، جاءها زوجها ليخبرها بأن القوات الإسرائيلية أصدرت أمر إخلاء جديد للمنطقة. فرفضت بحزم، وقالت له: "سأموت بين هذا الركام، لا أريد النزوح من جديد، تعبت من الموت المتنقّل".

رغم قساوة العيش بين الحطام، فإن منى تفضّل هذا المصير على الخيام التي لا تقي حرّ تموز ولا برد الشتاء. وتقول: "الخوف دائم، لا أسمح لأطفالي بالحركة كي لا يقع أحدهم في حفرة، أو يجرح قدمه بجدار مكسور. أشعر أنني أعيش في سجن، لا منزل".

أما جلب الماء فهو مهمة شاقة؛ يُسكب نصفه قبل الوصول. وتروي منى كيف كادت تُدفن حيّة حين جاءت آليات إزالة أنقاض لتزيل بقايا العمارة المجاورة، فظنت أنهم سيهدمون فوق رأسها، فالتقطت طفليها وهربت للشارع.

أعباء الحياة وسط العجز

تواجه غالبية العائلات الغزيّة وضعًا مأساويًا، إذ تضاعفت إيجارات البيوت بشكل جنوني بعد الحرب، وباتت الشقة الواحدة تُؤجَّر بألف دولار شهريًا، بعد أن كانت تراوح بين 100 و400 دولار فقط. هذا الواقع دفع آلاف العائلات للاختيار القاسي بين النزوح إلى الخيام أو السكن وسط ركام المنازل المهدّمة.

منى واحدة من مئات بل آلاف النساء في غزة اللواتي يرفعن راية الصمود اليومي، ويقدن عائلاتهن وسط انعدام الأمن، والكرامة، والمأوى. تحوّلت منى، دون أن تدري، إلى أيقونة للمأساة الفلسطينية في نسختها المعاصرة: أمّ تقاتل للنجاة على أنقاض وطن محطم.

وفي ظل هذا الواقع، تتزايد المطالبات الدولية بإعادة إعمار القطاع وفتح الممرات الإنسانية بشكل دائم، لكن حتى اللحظة، لا شيء يبدو في الأفق سوى المزيد من الركام، والمزيد من الحكايات المنسية تحت الردم.

تبقى منى عرفات، وأمثالها من نساء غزة، شهادة حية على قدرة الإنسان على النجاة رغم الموت المحيط، والتمسّك بالحياة في وجه أنقاض تتناثر فوق الأحلام. ولا تزال جدرانهم المتهالكة تحلم بعودة العدالة.. وعودة البيوت.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية