"بلا اسم وبلا هوية".. نساء "المعاودين" في إيران ضحايا للنفي والإقصاء

"بلا اسم وبلا هوية".. نساء "المعاودين" في إيران ضحايا للنفي والإقصاء
النساء في إيران - أرشيف

في ظلال الجغرافيا المعقدة والتاريخ الممزق بين العراق وإيران، ووسط قرى نائية في محافظات كرماشان وإيلام، تعيش آلاف النساء بلا أسماء رسمية، بلا أوراق ثبوتية، بلا صوتٍ يُسمع ولا قانونٍ يحمي. 

هنّ "المُعاودات" أو بنات المُعاودين، فئة بشرية تَحوّلت بفعل قرارات الدولة وتقلبات السياسة إلى كائنات غير مرئية على الخارطة القانونية الإيرانية، بحسب ما ذكرت وكالة أنباء المرأة، اليوم السبت.

قصة "المُعاودين" ليست مجرد فصل من فصول الهجرة أو العودة القسرية، بل هي حكاية تشظٍّ إنساني مزمن، بدأ بعودة قسرية من العراق إلى إيران في خمسينيات القرن الماضي، وتحوّل مع الوقت إلى واقع بائس تعانيه أجيال لاحقة، خصوصًا النساء، حيث يجتمع الإقصاء القانوني والتمييز الذكوري والفقر والجهل في معادلة مدمرة.

عودة من العمل إلى النفي

منذ خمسينيات القرن الماضي، بدأت موجة ترحيل جماعية لعشرات آلاف العمال والمهاجرين الإيرانيين من العراق، معظمهم من سكان المناطق الحدودية مثل كرماشان وإيلام. 

وكان هؤلاء قد هاجروا إلى العراق بحثًا عن عمل، ليعودوا إلى إيران في ظروف قهرية دون وثائق قانونية، رغم أن كثيرين حصلوا على أوراق هوية مؤقتة أو بطاقات مدنية ناقصة الصلاحية.

ومع بزوغ فجر الثورة عام 1979، تجددت موجات العودة القسرية، وهذه المرة هربًا من القتال والحروب المتلاحقة، لتبدأ مرحلة جديدة من الإقصاء القانوني، ومعظم العائلات العائدة، وخاصة من لم تكن عقود زواجهم مسجلة في إيران، واجهت صعوبات في تسجيل مواليدهم أو استخراج شهادات ميلاد، مما أنتج جيلًا كاملاً من الأشخاص "غير المعترف بهم" رسميًا.

حكايات نساء بلا هوية

قالت مريم، المقيمة في مدينة إيلام، واحدة من آلاف النساء اللاتي يعشن هذا الوضع: "ولدت في الرمادي بالعراق، وعندما عدنا عام 1991 كنت في الرابعة من عمري. حاول والدي تسجيل ولادتي رسميًا لكن قيل لنا إن الزواج لم يكن موثقًا قانونيًا في إيران، ولذلك لا يمكن إصدار شهادة ميلاد لي".

وبعد سنوات من المحاولات، لم تحصل مريم سوى على "ورقة ثبوتية مؤقتة"، مكنتها فقط من الدراسة في محو الأمية حتى الصف الخامس. واليوم، لا تستطيع فتح حساب مصرفي، أو الحصول على رخصة قيادة، أو حتى زيارة المستشفى إلا بشق الأنفس.

ولا يقتصر التمييز الذي يواجه هؤلاء النساء على فقدان الخدمات الأساسية، بل يمتد إلى تفاصيل الحياة اليومية. كثيرات تزوّجن بعقود مكتوبة بخط اليد فقط، بلا أي سند قانوني. 

وقالت ح. ص، من مدينة سربل ذهاب: "تزوجت من ابن عمي وأنا دون 15 سنة. وبعد سنوات، اكتشفت أنه تزوج أخرى، وقال لي بكل بساطة: أنتِ غير مسجلة كزوجة رسمية أصلاً، فليس لكِ أي حق!".

ويُفقد هذا النوع من الزيجات المرأة كل حماية قانونية ويجعلها عرضة للانتهاك، دون إمكانية التظلم أو الطلاق الرسمي أو حتى إثبات الزواج أو النسب في المحاكم.

وثيقة عراقية.. عبء لا يُغتفر

حتى من تملك شهادة ميلاد، إن كُتب فيها أن مكان ولادتها "العراق"، فإنها تواجه وصمة قانونية وثقافية تجعل من فرص العمل والاندماج الاجتماعي شبه مستحيلة. 

قالت ماندانا، المقيمة في كرماشان: "كلما ذهبت لوظيفة، أواجه الشك والتمييز، يظنونني عراقية، يعرض بعضهم استغلالي، لا أحد ينظر إليّ كإيرانية، فقط لأن شهادة الميلاد كُتب فيها العراق".

وتعيش هؤلاء النساء في هامش المجتمع الإيراني، في فقر مدقع، وعزلة قانونية واجتماعية، وغياب كامل للحماية من الدولة، ولا يمكنهن الوصول إلى خدمات التعليم أو الصحة أو العدالة. يتعرضن للعنف داخل منازلهن، ولا يجرؤن على تقديم شكوى، لأن لا وثيقة لديهن تُثبت حتى وجودهن.

هن نساء وُلدن بين خطوط النار والسياسة، وتُركن لمصيرٍ قاتم، بلا اسم، بلا جنسية، بلا ماضي، وبلا مستقبل.

وتكشف هذه المأساة عن خلل عميق في النظام القانوني الإيراني، وافتقار الدولة إلى آليات تحمي الفئات المهمشة، خاصة في المناطق الحدودية. 

وتستحق النساء اللاتي دفعن ثمن الاضطرابات الجيوسياسية والتهميش المزمن، أكثر من مجرد "ورقة" تذكّر العالم بوجودهن.. إنهن بحاجة إلى اعتراف كامل بإنسانيتهن، وإعادة إدماجهن كمواطنات كاملات الحقوق في بلد يفترض أن يحميهن لا أن ينكر وجودهن.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية