القابلات في اليمن.. متطوعات يتحدين ظروف الحرب لرعاية الأمهات بمخيمات النازحين

القابلات في اليمن.. متطوعات يتحدين ظروف الحرب لرعاية الأمهات بمخيمات النازحين

توصف ريسة ربيع (40 عاما) بأنها الأكثر خبرة بين القابلات في مساعدة النساء على الولادة والعناية بهن في مخيمات النازحين والمناطق النائية بمحافظة مأرب وسط اليمن، حيث تعمل القابلات هناك على تغطية عجز القطاع الصحي، الذي بات على وشك الانهيار بفعل الحرب الدائرة في البلاد منذ نحو 9 سنوات.

القابلة ريسة هي نفسها من نازحي مديرية صرواح جنوب مأرب، حيث اضطرتها الحرب إلى التنقل بين 4 مخيمات نزوح حتى استقرت في مخيم السميا، الذي تعمل فيه حاليا متطوعة لمساعدة النساء على الولادة ورعايتهن بعدها وقبلها، وفقا لوكالة أنباء العالم العربي (AWP).

وبحسب الأمم المتحدة، فإن نحو 45 ألف شخص في مأرب يعيشون معاناة النزوح المتكررة، حيث يشير إلى تكرر نزوح هؤلاء لأكثر من مرة بفعل تنقل جبهات الحرب المشتعلة، ما ترك آثارا كبيرة على القطاع الصحي وحالة النساء والأطفال الصحية.

تقول ريسة: "أنا نازحة منذ 9 سنوات، ورأيت الكثير من المعاناة التي تواجهها النساء النازحات وأحاول قدر استطاعتي تخفيف معاناتهن، وأقدم لهن المساعدة الطبية التي يحتاجون إليها".

وتتلقى ريسة طلبات إنقاذ ومساعدة من النساء أثناء مخاض الولادة في مخيم السميا في صحراء شرق مأرب عبر الهاتف، في الوقت الذي تعرف فيه الكثير من النساء الحوامل وتحسب بإتقان موعد إنقاذ ولادتهن من خلال تنقلها المستمر داخل المخيم لمساعدة النساء الحوامل اللاتي يحتجن إلى مساعدة طبية مستمرة.

وتموت واحدة من بين كل 60 امرأة يمنية لأسباب ذات صلة بالحمل، بفعل الأوضاع الصحية المتدهورة جراء الحرب بحسب الأمم المتحدة، وتشير تقديرات المنظمة إلى أن ثلث مرافق الصحة الإنجابية فقط تعمل، في الوقت الذي لا تملك فيه عائلات كثيرة الموارد الكافية للحصول على الرعاية الصحية في أقرب مستشفى لها.

جهود رغم التحديات

وتواجه ريسة العديد من التحديات في عملها في مخيم السميا، الذي لا توجد فيه أي مراكز أو عيادات صحية على الرغم من اتساعه.

وتعاني مخيمات النازحين بشكل عام من نقص في عدد الأطباء والممرضين، كما أن الظروف الصحية في المخيمات غير مناسبة للولادة والحمل، بسبب غياب الخدمات الصحية وشدة الحرارة صيفا والبرودة شتاء، حيث تقع معظم مخيمات النزوح في مناطق صحراوية متقلبة الطقس.

لكن على الرغم من التحديات التي تواجهها ريسة في عملها، الذي تتقاضى نظيره أجرا زهيدا، فإنها مستمرة في تلبية دعوات النازحات لمساعدتهن. وتقول: "أحب عملي، وأريد أن أساعد النساء النازحات على أن يكنّ بصحة جيدة".

وأكدت ريسة أنها ساعدت عددا لا يُحصى من النساء النازحات على الولادة في المخيمات التي عاشت فيها طوال 9 سنوات، فضلا عمّن ساعدتهن قبل اندلاع الحرب في منطقة سكنها الأصلي في صرواح، سواء قبل الولادة وأثناءها أو بعد الوضع.

وكانت ريسة تعلمت هذه المهنة من والدتها ومارستها في مناطق سكنها قبل اندلاع الحرب في البلاد وموجة النزوح التي شهدتها محافظة مأرب للأسر القادمة من مختلف المحافظات اليمنية بحثا عن الأمان.

وقبل أن تلتحق بدورات تدريبية متخصصة، كانت ريسة تؤدي دورها في هذه المهنة بقدراتها البسيطة، وقد أدرج اسمها في سجل موظفي مكتب الصحة بمأرب بعد تلقيها الدورات اللازمة.

وتعمل اليوم ريسة بقدرات محدودة، حيث لا تملك سوى مجموعة بسيطة من الأدوات الطبية، لكنها تتنقل بين مربعات مخيم النازحين سيرا على الأقدام وفي أوقات مختلفة من الليل والنهار لمساعدة أكبر عدد من السيدات.

وتعمل على إعالة أطفالها الأربعة في خيمتها المهترئة التي نصبتها على الطرف الآخر من المخيم.

10 آلاف قابلة في اليمن

وتلعب القابلات دورا مهما في تحسين صحة النساء والولادات في اليمن حيث يوجد نحو 10 آلاف قابلة في البلاد، بحسب ما صرحت به مديرة مكتب الصحة الإنجابية نبيلة العيال.

وقالت نبيلة إن القابلات يمكنهن تقديم الرعاية الصحية الأولية للنساء الحوامل واللاتي وضعن، بما في ذلك الفحص الطبي ومتابعة الحمل والولادة ورعاية ما بعد الولادة، موضحة أن اليمن يعاني من معدل مرتفع في وفيات الأمهات.

وبحسب مديرة مكتب الصحة الإنجابية، فإن عدد القابلات في محافظة مأرب وحدها تجاوز 240 قابلة، وما زالت المحافظة في حاجة ماسة للكثير من القابلات.

وذكرت أن القابلات في المحافظة ساعدن 11 ألفا و900 سيدة على الوضع خلال عام 2022، فيما ساعدت القابلات 6385 سيدة على الولادة خلال النصف الأول من العام الجاري.

أضافت أن هذه الأعداد الكبيرة تشير إلى أهمية وجهد القابلات في مخيمات النازحين والقرى والمناطق النائية البعيدة عن الخدمات الصحية وعن مركز المدينة، في وقت يعاني فيه الجهاز الصحي في مأرب من الانهيار وضعف البنية التحتية مقارنة مع حجم الطلب وحجم الاحتياج.

وأوضحت أن القابلات يقدمن أيضا خدماتهن للنساء الحبالى، بما في ذلك العناية بالأم منذ الحمل حتى الولادة وما بعدها، والعناية بالمواليد، والتثقيف الصحي والتوعوي، وتقديم خدمات الرعاية المنزلية، وتنظيم الأسرة، واكتشاف الحالات المتعسرة وتحويلها، إضافة إلى التسجيل ورفع التقارير لمكتب الصحة الإنجابية.

وأشارت نبيلة إلى أن القابلات يواجهن العديد من الصعوبات، منها ضعف توفير وتنفيذ برامج التأهيل والتدريب، وقلة الدرجات الوظيفية الرسمية، وضعف الدعم المادي للقابلات مقارنة مع دورهن وجهودهن الكبيرة.

ويقول مدير مكتب وزارة الصحة بمأرب أحمد العبادي إن القابلات يقدمن دورا مهما ويعملن على تخفيف الكثير من الحمل الثقيل الملقى على عاتق مكتب الصحة بمأرب في ظل الصعوبات التي تواجه المكتب وضعف بنيته وقلة الخدمات الصحية المخصصة للأمومة والطفولة.

ويوضح العبادي أن القابلات يغطين اليوم الكثير من الفراغ الذي تركته المنظمات الداعمة، والتي أوقفت خدماتها بمأرب بسبب نقص التمويل الدولي، حيث تغطي القابلات وحدهن احتياج الأمهات في مخيمات النازحين التي لم يستطع مكتب الصحة توفير مراكز صحية أو عيادات متنقلة فيها.

 

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية