خبراء: الذهب ملاذ آمن للمدّخرين.. والعاملون فيه لا يحصلون على حقوقهم
في تصريحات لـ«جسور بوست»..
"جسور بوست" تناقش انتهاك حقوق عمالة الذهب وأسباب تذبذبه بين صعود وهبوط
حينما أراد الشاعر الكبير جبران خليل جبران وصف العناقيد وهي تتدلى في مشهد جمالي بديع.. وصفها بالذهب، في ملحمة غنائية غنتها فيروز حين قالت: "هل جلست العصر مثلي بين جفنات العنب والعناقيد تدلّت كثريّات الذهب".
ذاك التشبيه ما هو إلا استدعاء جبران لما في نفوس من سيستمع للقصيدة من محبة وتقدير للمعدن النفيس، زينة النساء، والرهان الرابح في تجارة يلجأ إليها رجال الأعمال وغيرهم.
لكن ما أسرار صناعته؟ وهل تتم بشكل آدمي يكفل كامل حقوق العالمين به؟ وما العوامل المختلفة المتحكمة في أسعار الذهب والتي تجعله يتحرك صعودا وهبوطا؟
بداية، شهد الذهب خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة تقلبات حادة أدت إلى تراجع سعره بنحو 4 بالمئة خلال هذه الفترة، بسبب عدة عوامل أبرزها ارتفاع مؤشر الدولار الأمريكي، وزيادة عوائد السندات الأمريكية.
وتراجع شراء الذهب من قبل البنوك المركزية في الربع الثاني 2023، بحسب خبراء اقتصاد أكدوا أنه رغم ذلك فإن المعدن الأصفر لا يزال مرتفعاً بأكثر من 6% في 2023، كما أنه حقق ارتفاعاً بنسبة 10 بالمئة تقريباً في عام كامل.
وانخفض الطلب العالمي على الذهب مع استبعاد التعاملات خارج البورصة 2% على أساس سنوي إلى 920.7 طن في الربع الثاني من العام الجاري مع تباطؤ مشتريات البنوك المركزية واستمرار ضعف استهلاك قطاع التكنولوجيا، وفقاً لمجلس الذهب العالمي، الذي أوضح أن الطلب ظل قوياً بين إبريل ويونيو من شركات صناعة الحلي، التي تمثل نحو نصف الطلب على المعدن، والمستثمرين الذين يرون فيه ملاذاً آمناً في أوقات عدم الاستقرار العالمي.
وأظهر تقرير للمجلس ارتفاع طلب البنوك المركزية على الذهب في عام 2022، في عمليات شراء ضخمة رفعت الطلب على الذهب إلى أعلى مستوى له في 11 عاماً، إذ اشترت البنوك المركزية 1136 طناً من الذهب العام الماضي وهو أعلى مستوى في 55 عاماً، في حين اشترت في النصف الأول من العام الجاري 386.9 طن.
وبحسب البيانات الصادرة عن مجلس الذهب العالمي، جاءت السعودية في صدارة الدول العربية الأكثر احتياطًا للذهب بـ323.07 طن، ثم لبنان بـ286.8 طن، والجزائر في المركز الثالث بـ173.5 طن، ثم العراق بـ130.3 طن.
وجاءت مصر في الترتيب الخامس عربياً بـ125.5 طن، وقطر في الترتيب السابع بـ91.7 طن والإمارات في الترتيب الثامن بـ79.9 طن، والكويت في الترتيب التاسع بـ78.9 طن.
ما سبق يقول إن أسعار الذهب في صعود وهبوط، وإن ثمة بلدانا عربية تتفوق على غيرها.. وهنا "جسور بوست" تحلل الأسباب وتتحرى مراعاة حقوق من يعملون في الذهب من خلال البحث في تقارير أممية ومهاتفة بعض المختصين.

الذهب وحقوق الإنسان
بداية.. من الأسئلة التي لا يمكن إغفالها، هل هذا العنصر المعدني مرتفع القيمة أغلى من العاملين عليه؟
ربما تكون الإجابة صادمة عند قراءة ما قاله ماركوس أوريلانا، المقرر الخاص للأمم المتحدة والمعني بالمواد والنفايات الخطرة، والذي حقق في انتهاكات حقوق الإنسان في مجال التعدين ضيق النطاق قائلاً: "هذه مسألة خطيرة".
ويضيف: "من المتوقّع أن نشهد في الأشهر والسنوات المقبلة، المزيد من عمليات التدقيق حول تعدين الذهب من خلال آليات حقوق الإنسان، وكذلك للبلدان التي توجد فيها مصافي التكرير، بما في ذلك سويسرا".
وتعتبر سويسرا أكبر مستورد عالمي للذهب، حيث قامت بشراء ما قيمته 92.3 مليار دولار أمريكي من هذا المعدن في عام 2021.
وتوجد أربع من أكبر مصافي التكرير على مستوى العالم في سويسرا، تمتلك اثنتيْن منها شركات أجنبية.
وفي عام 2020، قدّرت وكالة رويترز للأنباء أن ثلاثاً من أكبر شركات مصافي التكرير "فالكامبي" و"آرغور هيراوس" و"بامب" تقوم بتكرير ما يقرب من 1500 طن من الذهب سنوياً، وكلها تمارس نشاطاتها في سويسرا.
وأفاد أوريلانا من خلال تقريره الذي عرضه خلال الأيام الأولى لأحدث دورة لمجلس حقوق الإنسان، بأن لدى النساء الحوامل في مجتمعات السكان الأصليين اللاتي يعشن في المناطق التي تصب فيها المياه الواردة من مواقع تعدين الذهب في الغابة البوليفية، مستويات عالية من الزئبق في الدم نتيجة استهلاكهن الأسماك الملوثة، فيما تنتشر ظاهرة الاعتداءات الجنسية وظاهرة العنف في مناطق التعدين.
ويبيّن التقرير كيف أثبتت التحاليل المخبرية وجود مستويات مرتفعة من الزئبق في دم السكان، حتى في جزر المحيط الهادئ، وذلك على بعد آلاف الكيلومترات من مناجم الذهب، من جرّاء التلوث على المستوى العالمي في المحيطات.
عوامل مختلفة
من ناحية أخرى ما العوامل المؤثرة على أسعار الذهب؟ السؤال يجيب عنه الخبير الاقتصادي، إيهاب الدسوقي بقوله: إن الأمر عرض وطلب حيث يعتبر العرض والطلب أحد العوامل الأساسية لتحديد أسعار الذهب، عندما يزيد الطلب على الذهب أكثر من العرض المتوفر، يرتفع سعره، وعلى العكس، عندما يزداد العرض أكثر من الطلب، ينخفض سعره.
وتتأثر هذه العوامل بالعديد من الأحداث الاقتصادية والسياسية، مثل الاضطرابات العالمية أو التوترات الجيوسياسية، كذلك يعكس سعر الذهب التغيرات في القوة الشرائية للعملات المختلفة، على سبيل المثال، عندما يرتفع سعر الدولار الأمريكي، فإن الذهب يصبح أكثر تكلفة لحاملي العملات الأخرى، ما يؤدي إلى انخفاض الطلب عليه وبالتالي انخفاض سعره، في المقابل، عندما ينخفض سعر الدولار الأمريكي، فإن الذهب يصبح أكثر جاذبية للمستثمرين الذين يستخدمون العملات الأخرى.

إيهاب الدسوقي
وأضاف “الدسوقي” في تصريحات لـ"جسور بوست"، يعتبر الذهب ملجأ آمناً في حالات الاضطرابات السياسية والاقتصادية، عندما تواجه الاقتصادات صعوبات، يلجأ المستثمرون إلى الذهب كملاذ آمن للاحتفاظ بقيمة أموالهم، بالإضافة إلى ذلك، تؤثر التوترات السياسية والصراعات العسكرية على الاقتصادات وقدراتها على استقرار السوق، وبالتالي يرتفع سعر الذهب في ظل هذه التحولات.
أيضًا هناك عدة عوامل محددة تؤثر على إنتاج وتوفر الذهب، على سبيل المثال، في حالة وجود مشكلات في عمليات التعدين أو قلة الاكتشافات الجديدة لمناجم الذهب، يمكن أن يرتفع سعر الذهب نتيجة ندرته، بالإضافة إلى ذلك، يؤثر تصاعد التكاليف التشغيلية وتكلفة استخراج الذهب على أسعاره، باختصار، يتأثر سعر الذهب بالعديد من العوامل بما في ذلك العرض والطلب، والعملات وأسواق المال، والاضطرابات السياسية والاقتصادية، وعوامل العرض الخاصة بالذهب نفسه، وبالنظر إلى تلك العوامل، يكون من المهم على الأشخاص المهتمين بتداول الذهب مراقبة هذه العوامل وتحليلها لاتخاذ القرارات المالية الصائبة.
انتهاك حقوق الإنسان
وبدوره، علق أستاذ الاجتماع بجامعة الأزهر، الدكتور طه أبو حسين بقوله، إن الكلام عن تلك الفئة يجعلنا نقول إن هناك العديد من التحديات والمعاناة التي يواجهها العمال والمجتمعات المحلية في مناطق تعدين الذهب حول العالم،
وأشار “أبو حسين” في تصريحات لـ«جسور بوست»، إلى أن إحدى المشكلات الرئيسية تتمثل في ظروف العمل السيئة التي يعاني منها العمال في هذه الصناعة، وهذا بدوره يؤثر عليهم نفسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، ففي العديد من المناطق، يوجد ضعف في آليات السلامة والصحة وسوء معاملة العمال، وغالبًا ما يعملون تحت ظروف مروعة وخطيرة، مثل تعرضهم للإصابات أو الأمراض المهنية أو الاستغلال العمالي، هذا يتسبب في خسائر لا يمكن تعويضها لمجتمعات المناطق المتأثرة.. بالإضافة إلى ذلك، يعاني العديد من العمال في صناعة الذهب من ظروف عمل قاسية وتجاوزات لحقوق الإنسان.
الدكتور طه أبو حسين
وأضاف، أنه من المعروف أن هناك تجنيدا للعمال الصغار أو اضطهادهم، واستغلال العمالة الرخيصة والقوى العاملة غير النظامية، وتعرض العمال لأوضاع سكن غير صحية وقلة في فرص التوظيف اللائقة والتعليم المناسب، وكثيرا ما أقرأ أبحاثا تتحدث عن ارتباط مشكلة تعدين الذهب بالتدمير البيئي وتأثيره على المجتمعات المحلية.. واستطرد، عمليات استخراج الذهب غالباً ما تؤدي إلى تلوث المياه والتربة، ونفايات الكيماويات السامة التي تهدد الحياة البرية والنظام البيئي بشكل عام، هذا يؤثر على صحة المجتمعات المحلية ومصادرها المائية والزراعة والثقافة.
وتابع: لحماية حقوق الإنسان والحد من معاناة العالمين، هناك حاجة ملحة إلى تبني معايير قوية للعمل والبيئة في عملية استخراج وتصنيع الذهب، ويجب على الحكومات والشركات المعنية أن تتحمل المسؤولية للتأكد من احترام حقوق العمال وحماية البيئة، ومن المهم أيضًا زيادة الشفافية في سلسلة إمداد المعادن الثمينة لمكافحة الاستغلال والتجارة غير القانونية.
وأتم، استخراج وتصنيع الذهب له تأثير جوهري على حقوق الإنسان والبيئة، يجب على الجميع -الحكومات والشركات والمستهلكين- العمل معًا لتحسين الظروف وضمان عمليات استخراج مسؤولة اجتماعيًا وبيئيًا.