منها التجارة والغذاء والتعليم.. «خبراء»: انقلابات غرب إفريقيا تهدد حقوق الإنسان
منها التجارة والغذاء والتعليم.. «خبراء»: انقلابات غرب إفريقيا تهدد حقوق الإنسان
لم تخف الشعوب منذ فجر التاريخ من الحروب والانقلابات السياسية إلا من أجل ما تجلبه عليهم من خراب ودمار فلا تبقي ولا تذر، أو كما نطلق عليه في أيامنا هذه "انتهاك حقوق الإنسان" بكافة أنواعها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتعليمية.
وعلى مدار سنوات طويلة شهدت منطقة غرب إفريقيا انقلابات في بعض الدول، بما في ذلك النيجر والجابون وغيرها، وأصبح انقلاب الجابون مؤخرًا محطة جديدة من محطات الانقلابات التي تشهدها دول غرب إفريقيا، والذي جاء فور إعلان الهيئة العليا للانتخابات فوز الرئيس علي بونغو أونديمبا، بولاية ثالثة في الانتخابات الرئاسية التي أجريت يوم 24 أغسطس الماضي.
وقرر قادة الحرس إلغاء نتائج الانتخابات ووضع بوجو تحت الإقامة الجبرية وتشكيل مجلس انتقالي يحكم البلاد إلى حين إشعار آخر، لتنضم الدولة الغنية بالنفط والواقعة غرب وسط إفريقيا إلى مسلسل الانقلابات وكواليسه التي تعكس صراع القوى الكبرى في القارة في ظل مناهضة شعوبها للإرث الاستعماري وتعطشهم لاستقلال جديد.
يأتي ذلك الانقلاب بعد أقل من شهر على الانقلاب الذي شهدته النيجر، وخلال العامين الماضيين وقعت 7 انقلابات عسكرية.
أظهرت هذه الانقلابات تأثيرًا سلبيًا على حقوق الإنسان والتجارة والحق في الغذاء والتعليم في تلك الدول، ما يتطلب اتخاذ إجراءات فورية لمعالجة الأوضاع وضمان حقوق الأفراد المتضررة.
وكشفت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا (UNECA) أن معدل الفقر المدقع في دول غرب إفريقيا ارتفع عام 2021 بنسبة 2.9%، مشيرة إلى ارتفاع نسبة الأشخاص الذين يقل دخلهم اليومي عن 1.9 دولار من 2.3 في المئة عام 2020 إلى 2.9 في المئة عام 2021.
وأوضحت اللجنة -في تقرير أعدته بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة- أن أعباء ديون بلدان المنطقة تفاقمت هي الأخرى بسبب بطء الانتعاش الاقتصادي، وتقلص الحيز المالي وضعف تعبئة الموارد.
وأشار التقرير -الذي نشرته صحف محلية إفريقية- إلى أن إغلاق الحدود وتشديد القيود على الحركة وتعطيل سلاسل التوريد بسبب الإجراءات الاحترازية للسيطرة على تفشي وباء كورونا، أعاقت الأنشطة المُحفزة للدخل وتسببت في زيادة أسعار المواد الغذائية داخل الأسواق، وأصبح الأشخاص الأكثر تضررا هم من يعتمدون على مصادر دخل غير مستقرة مثل صغار التجار والباعة الجائلين والعمال.
وأضاف أن الوضع الاقتصادي المتدهور أثر سلبيا على حالة الأمن الغذائي والتغذية للنساء والرجال والأطفال، حيث لا يستطيع أكثر من 25 مليون شخص في غرب إفريقيا تلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية في المنطقة بزيادة قدرها 34% مقارنة بعام 2020.
بدوره، أعرب المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة فولكر تورك عن قلقه البالغ إزاء شعب النيجر، ودعا الجنرالات الذين قاموا بالانقلاب العسكري خلال يوليو الماضي إلى استعادة النظام الدستوري على الفور، منوها بأن الديمقراطية وحياة الفئات الأكثر ضعفا في النيجر باتت على المحك.
وقال المفوض الأممي في بيان له الجمعة، بجنيف: "إن النيجر هي واحدة من أفقر البلدان في العالم ومعرضة بشدة لتغير المناخ"، مضيفا أن الأشخاص أنفسهم الذين انتخبوا لبناء طريق لإنهاء الفقر المدقع أزيلوا بالقوة ضد النظام الدستوري واعتقلهم قادة الانقلاب.
ودعا لإطلاق سراحهم في الحال وإعادة الديمقراطية، ولفت إلى أن ما يقرب من نصف السكان غارقون في فقر مدقع (يعيشون على أقل من 2.15 دولار في اليوم) في الوقت الذي يعتمد الملايين على المساعدات الإنسانية، محذرا من أن أوضاع هؤلاء ساءت منذ الانقلاب بعد أن تم إغلاق حدود الدولة الحبيسة وتوقفت التجارة وحدث انقطاع شديد في التيار الكهربائي وارتفعت أسعار المواد الغذائية.
ووفقًا للأمم المتحدة، تعد حقوق الإنسان أحد أساسيات الحياة الكريمة، ومع وقوع الانقلابات يتعرض هذا الحق للخطر فعادةً ما يترافق الانقلاب بانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، مثل الاعتقالات التعسفية والتعذيب وحرمان الحريات الأساسية، وتتعرض الحرية الشخصية وحقوق التعبير والتجمع للقمع، ما يخلق مناخًا من الخوف والقلق بين المواطنين.
وتخوفًا من تبعات الانقلاب، ندد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بمحاولة الانقلاب الجارية في الغابون ودعا جميع الأطراف المعنية إلى "ممارسة ضبط النفس والدخول في حوار شامل وهادف وضمان الاحترام الكامل لسيادة القانون وحقوق الإنسان"، حسب ما أفاد المتحدث باسم المنظمة الدولية ستيفان دوجاريك.
تخوفًا من تبعات الانقلاب واختراقها لـ"حقوق الإنسان"، "جسور بوست" تناقش ذلك مع خبراء ومحللين كتوعية لما قد يصيب آلاف من البشر في حياتهم ومعاشهم.
تاريخ من الانقلابات
بداية، لم يكن انقلاب الجابون وحيدًا، بل له إخوة كثر، ومن بين الانقلابات التي حدثت في إفريقيا مؤخراً، والتي تضاف إلى الانقلاب الحالي ما يلي:
في الجابون: استولى العسكر بقيادة جوتا على السلطة في مالي في مايو 2021.
وبعدها بخمسة أشهر وقع انقلاب في السودان.
تلاه انقلاب آخر في غينيا كوناكري في سبتمبر 2021 بقيادة العقيد مامادي دومبويا.
ثم انقلاب آخر في الأسبوع الأخير من يناير 2022 في بوركينا فاسو بقيادة العقيد بول هنري زامبيا.
وتلاه انقلاب في غينيا بيساو.
تلاه انقلاب النيجر في 26 يوليو 2023.
تعد بوركينا فاسو من البلدان التي شهدت أكبر سلسلة من الانقلابات العسكرية بلغ في مجملها 10 محاولات كان آخرها في يناير.
شهدت أوغندا منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1962 أكثر من 6 انقلابات عسكرية.
خبر السودان منذ استقلاله عن بريطانيا عام 1956 نحو 20 محاولة نجحت منها 5 محاولات.
في الجانب الآخر، شهدت منطقة جنوب إفريقيا عددا أقل من انقلابات شرق وغرب القارة السمراء، وعزا محللون ذلك إلى المؤسسات القوية في تلك الدول والتزامها بالحكم الديمقراطي، إذ شهدت كل من: دولة ليسوتو حتى الآن انقلابين اثنين وزيمبابوي انقلاباً واحداً نفذه الجيش على روبرت موجابي في نوفمبر 2017.

فقر مدقع ودمار
حول تأثير الانقلابات على حوق الإنسان الاقتصادية، تحدث الخبير الاقتصادي، الدكتور رشاد عبده بقوله، إن الكثيرين في غرب إفريقيا يعانون من سوء التغذية وقلة الوصول إلى الغذاء الصحي، وتزداد هذه المشكلة بعد وقوع الانقلابات، حيث تتعرض الأسواق وسلاسل التوريد لاضطرابات، ما يؤثر سلبًا على توفر الغذاء وأسعاره.
وأضاف في تصريحات لـ"جسور بوست"، يعاني الأفراد من نقص في الإمدادات الغذائية وارتفاع التضخم، ما يعزز حالات الجوع والتقزم وقلة التغذية بالإضافة إلى ذلك، يتأثر حق التعليم بشكل كبير بالانقلابات، فالأمور جميعها متصلة ببعض، إذا حدث دمار اقتصاد الأسرة فحتمًا لن يكون هناك تعليم، فالاضطرابات السياسية والأمنية تعرقل عملية التعليم وتؤدي إلى إغلاق المدارس وتشتيت الطلاب، وبذلك يفقد العديد من الأطفال حقهم في التعليم، ما يؤثر سلبًا على مستقبلهم وفرصهم الاقتصادية.
واستطرد، وتعتبر التجارة الدولية مصدراً هاماً للنمو الاقتصادي وتحقيق الرخاء، وتتأثر التجارة بشكل كبير جراء الانقلابات في غرب إفريقيا، وتنشأ عراقيل في حركة البضائع والسلع، وتتعطل سلاسل التوريد والتجارة الداخلية والخارجية، ويؤدي ذلك إلى تراجع النشاط الاقتصادي وزيادة البطالة، ما يؤثر بشكل سلبي على دخل الأفراد وقدرتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية.
وأتم: “علاوة على ذلك، تتأثر الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالانقلابات، حيث تتردى الثقة في الاستقرار السياسي والأمني للدولة، ويتراجع تدفق رؤوس الأموال والاستثمارات الخارجية، ما يؤثر على فرص النمو الاقتصادي وتطوير البنية التحتية وخلق فرص عمل”.

الدكتور رشاد عبده
انتهاكات صريحة لحقوق الإنسان
بدوره، علق الخبير الدولي بحقوق الإنسان، محمد عبدالنعيم بقوله، إن الانقلابات في غرب إفريقيا تؤثر تأثيرًا سلبيًا شاملاً على حقوق الإنسان والتجارة والحق في الغذاء والتعليم، وتتطلب هذه المشكلة استجابة فورية من المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية والمحلية لاحتواء الأزمة واستعادة الاستقرار والحقوق الأساسية للأفراد المتضررين، ويجب تعزيز العمل الدبلوماسي والتعاون الدولي لتعزيز الديمقراطية وحكم القانون وتحقيق التنمية الشاملة في المنطقة.
وأضاف في تصريحات لـ"جسور بوست"، من المعروف أن الحق في الغذاء والتعليم وحقوق الإنسان هي أساسيات لتحقيق تنمية مستدامة وتحسين جودة الحياة للشعوب، ولكن عند حدوث الانقلابات والتغير السياسي المفاجئ، يعاني الأفراد من قطع مؤقت لإمدادات الغذاء والتعليم، ما يعرض حياتهم ومعاشهم للخطر، في حالة الانقلابات، يزداد التوتر والعنف في المجتمع الذي يؤدي غالبًا إلى انقطاع الكهرباء والماء وأنظمة الصحة المحلية.
الخبير الدولي بحقوق الإنسان، محمد عبد النعيم
وأضاف، عندما يعاني الشعب من نقص الغذاء، يظهر تأثيره على الطفولة والصحة بشكل خاص، حيث تتعرض الأطفال لنقص التغذية ويعانون من سوء التغذية، ما يؤدي إلى تراجع أدائهم العقلي والجسدي ويمكن أن يحدث ضمورا في النمو وفقدان الوزن، بالإضافة إلى ذلك، يتأثر الحق في الحصول على التعليم، حيث يجب أن يتوقف الطلاب عن دراستهم بسبب الفوضى وعدم الاستقرار، وعندما يتوقف التعليم، يعاني الشباب ويفقدون الأمل في المستقبل وفرص العمل والتطور.