انزعاج عالمي من البصمة الكربونية للذكاء الاصطناعي وخطورتها على البيئة

انزعاج عالمي من البصمة الكربونية للذكاء الاصطناعي وخطورتها على البيئة

عرف الذكاء الاصطناعي بأنه مجال تقني يهدف إلى تطوير أنظمة وبرامج قادرة على محاكاة القدرات البشرية في التعلم والتفكير والاتخاذ القرارات، كذلك يمتلك الأدوات التي يُمكن من خلالها أن يضيف إلى جهود الحد من التغيرات المناخية، سواء فيما يتعلق بتحسين كفاءة استخدام الموارد، عبر تحليل كميات ضخمة من البيانات لفهم أفضل وسيلة لاستخدام الموارد بكفاءة، وكذلك بالنسبة للتنبؤ بالأحداث المناخية، وتطوير الطاقة المتجددة، ولكن هذه التقنيات ليست بلا ثمن، فهي تستهلك كميات كبيرة من الطاقة وتترك آثارا بيئية سلبية، ما يتسبب في مشكلات بيئية كبيرة.

وفيما تمتلك تطبيقات الذكاء الاصطناعي إمكانية تحسين فهم الناس للتغيرات المناخية وتقديم حلول في ذلك الصدد، فإن الوجه الآخر لتلك التطبيقات ينطوي على آثار بيئية متناقضة تماماً مع تلك الأهداف، وذلك بالنظر إلى ما يعرف بـ"البصمة الكربونية" للذكاء الاصطناعي نفسه، التي تتضخم كلما زادت تجارب تعلم الآلة وفي ظل المنافسة القوية بين الشركات العاملة في هذا القطاع حالياً.

بصمة كربونية

البصمة الكربونية لتقنيات الذكاء الاصطناعي هي مجموعة من الآثار البيئية والاجتماعية والاقتصادية التي تتركها هذه التقنيات على البيئة والمجتمع والاقتصاد، ومن أبرز هذه الآثار انبعاث غازات الدفيئة التي تسهم في زيادة الاحتباس الحراري وتغير المناخ، فمثلا، يقدر أن تدريب نظام ذكاء اصطناعي متقدم يستخدم تعلم الآلة العميق (deep learning) يستهلك نحو 284 طنا من ثاني أكسيد الكربون، ما يعادل انبعاثات 5 سيارات خلال عمرها كاملا. 

ووفقًا لأرقام الوكالة الدولية للطاقة، فإن استهلاك مراكز البيانات في العالم للطاقة ازداد بنسبة 6% فقط بين 2010 و2018، في حين ازداد استخدامها بنسبة 550%. 

والتحدي هائل، إذ من المتوقع بحلول 2025 أن يستهلك هذا القطاع 20% من الكهرباء التي يتم توليدها في العالم، وأن يصدر 5.5% من إجمالي انبعاثات الكربون. 

ومع تزايد الاستخدامات والتطبيقات التي تستهلك كميات متزايدة من الكهرباء، قد تتسارع الوتيرة أكثر. 

ووفقًا لتقارير متخصصة، قال رئيس شركة "أنتيذر إيه آي" المتخصصة في صنع رقائق إلكترونية والتي تسعى لتطوير أشباه موصلات للذكاء الاصطناعي أقل استهلاكا للطاقة آرون ينغار، "فتحنا صندوق باندورا". 

وأضاف "بإمكاننا استخدام الذكاء الاصطناعي بصورة تتناسب مع متطلبات المناخ، أو يمكننا تجاهل هذه المتطلبات ومواجهة العواقب". 

إلا أن تكييف الخوادم يجب أن يتمّ الآن، في وقت يجري تعديلها لمواءمة حاجات الذكاء الاصطناعي، في ما وصفه مسؤول في مجموعة غوغل بأنه "نقطة تحول لا نشهدها سوى مرّة على مدى جيل في عالم المعلوماتية".

إضافة إلى ذلك، فإن استخدام التقنيات المستندة إلى الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى تغيرات اجتماعية واقتصادية كبرى، مثل خسارة فرص عمل أو زيادة المسافات المقطوعة بالسيارات أو التأثير على سلوك المستهلكين، كل هذه التغيرات قد تزيد من بصمة الذكاء الاصطناعي على المستوى المجتمعي.

على اعتبار أن من حقوق الإنسان العيش في بيئة آمنة، تناقش "جسور بوست"، البصمة الكربونية وخطورتها على البيئة والمناخ.

قياس البصمة الكربونية لمنظومات الذكاء الاصطناعي

خطورة مستترة

نظرًا لخطورة البصمة الكربونية للذكاء الاصطناعي، اهتمت الدراسات والأبحاث بالأمر مؤخرًا ونشرت كثير من المواقع عن ذلك بغرض التنبيه والتوعية.

ووفقًا لتقارير إعلامية متخصصة، يجري تطوير الأدوات للذكاء الاصطناعي التوليدي مثل "جي بي تي 4" لروبوت الدردشة "تشات جي بي تي"، و"بالم 2" الذي طورته مجموعة غوغل للبوت "بارد"، عبر مرحلتين هما "التدريب" و"الوضع في الخدمة"، وكلاهما مستهلك للطاقة. 

واكتشف باحثون من جامعة ماساتشوستس قاموا بتدريب هذه الأدوات، في 2019 أن تدريب واحد من هذه النماذج يصدر انبعاثات توازي انبعاثات 5 سيارات خلال مجمل دورة حياتها. 

ووفقًا لتقارير مماثلة، خلصت دراسة مشتركة لغوغل وجامعة بيركلي مؤخرا إلى أن تدريب الروبوت التوليدي "جي بي تي 3" تسبب بانبعاثات كربونية قدرها 552 طنا، وهو ما يوازي انبعاثات سيارة تسير مليوني كيلومتر. 

أما خلفه "جي بي تي 4"، فتم تدريبه على عدد من الإعدادات يفوق النسخة السابقة بـ570 مرة، وهذا العدد سيتزايد مع تطور الذكاء الاصطناعي وتزايد انتشاره وقدراته، وما أتاح هذا التطوّر معالِجات صغرى تنتجها شركة نفيديا العملاقة للرقائق الإلكترونية، وتعرف بـ"وحدات معالجة الرسوميات" GPU. 

وبالرغم من أن هذه المعالجات متفوقة على الرقائق الإلكترونية العاديّة من حيث كفاءة الطاقة، فهي تستهلك كميات كبيرة من الطاقة. 

وبعد انتهاء التدريب، فإن وضع أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي قيد الخدمة عبر السحابة يحتاج إلى الطاقة من خلال الاستهلاك المرتبط بالطلبات على البيانات التي يتم تلقيها، وهذا ما يتطلب كمية من الطاقة أكبر بكثير من المرحلة السابقة، غير أن الشركات قد تختار بهذا الصدد حلولا أكثر مراعاة للبيئة بما أن خوادم السحابة لا تحتاج إلى معالِجات فائقة القوة. 

وفي تقارير لها، تؤكد "أمازون ويب سيرفيس" ومايكروسوفت وغوغل، كبرى شركات الحوسبة السحابية، أنها ملتزمة بأعلى قدر ممكن من كفاءة الطاقة، وتعهدت أمازون ويب سيرفيسز حتّى بتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2040، فيما التزمت مايكروسوفت بأن تكون "شركة ذات انبعاثات سلبية وبلا فضلات" بحلول 2030. 

وتشير العناصر الأوليّة إلى أن هذه المجموعات مصممة على تحقيق أهدافها، فبين 2010 و2018، ازداد استهلاك مراكز البيانات في العالم للطاقة بنسبة 6% فقط، فيما ازداد استخدامها بنسبة 550%، وفق أرقام الوكالة الدولية للطاقة.

هل يكون الذكاء الاصطناعي الحل لخفض البصمة الكربونية للتكنولوجيا؟

ما سبل الحد من البصمة الكربونية للذكاء الاصطناعي؟

من جانبه، حذر الخبير التكنولوجي والذكاء الاصطناعي، محمد شكري، من الاستهلاك المتزايد والتطور الهائل لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي دون مراعاة البصمة الكربونية له وخطورتها على البيئة وتغير المناخ، وعن خطورة الذكاء الاصطناعي تحدث قائلًا، إن خطورته تتمثل في عدة أشياء على رأسها اختراق الخصوصية، حيث يتم جمع البصمة الكربونية بصورة غير مرئية وغير معلنة عن طريق العديد من المنصات والمؤسسات، وهو ما يعرض خصوصية الأفراد للخطر، فعندما يتم تجميع مجموعة كبيرة وشاملة من المعلومات حول الأفراد، يمكن استخدامها للكشف عن هويتهم والتعرف على تفاصيل حياتهم الشخصية، كذلك تستخدم البصمة الكربونية في الإعلانات المستهدفة، حيث يتم تحليل السلوك والتفضيلات الشخصية للأفراد لتقديم إعلانات مخصصة لهم.

ورغم أن هذا الاستهداف الدقيق يمكن أن يكون مرغوبًا فيه من قبل البعض، فإنه يمكن أن يشكل انتهاكًا للخصوصية ويؤدي إلى عرض إعلانات غير مرغوب فيها وتدخل في الخصوصية الشخصية. 

وتابع “شكري” لـ"جسور بوست"، قد يؤدي استخدام البصمة الكربونية في تحليل البيانات الشخصية إلى التمييز والتحيز، فعندما يتم تحديد سمات وسلوكيات معينة للأفراد، يمكن أن يؤثر ذلك على القرارات المتخذة بشأنهم في مجالات مختلفة مثل التوظيف والتأمين والقروض، وهذا يمكن أن يؤدي إلى تعزيز التحيزات الموجودة بالفعل في المجتمع وتعطيل فرص الأفراد، ولا يخفى على أحد ما قد يتسبب فيه ذلك من أضرار.

خبير الذكاء الاصطناعي
خبير الذكاء الاصطناعي محمد شكري

وأتم، من الأمور الخطرة أيضًا أنه قد يتعرض تحليل البيانات الشخصية والبصمة الكربونية للاختراق والوصول غير المصرح به، ماذا لو سقطت هذه المعلومات في أيدٍ غير ملتزمة؟

وقال: أعتقد أنه سيتم استخدامها بطرق غير قانونية أو ضارة، مثل الاحتيال أو سرقة الهوية أو الابتزاز، وبالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام البصمة الكربونية في عمليات التجسس والتنصت على الأفراد والمؤسسات الحساسة. 

الإجراءات المطلوبة

من جانبه، حذر الخبير التقني بلال البخاري، من خطورة البصمة الكربونية، منوها بضرورة أخذ إجراءات هامة منها توعية الأفراد، حيث ينبغي تعزيز الوعي بين الأفراد بشأن خطورة البصمة الكربونية والتأثيرات السلبية المحتملة لجمع البيانات الشخصية، كذلك يجب أن يكون للأفراد فهم عميق لكيفية استخدام بياناتهم وحقوقهم في الخصوصية، أيضا من الأمور المهمة وجوب وضع قوانين ولوائح صارمة لحماية خصوصية الأفراد وتقييد جمع واستخدام البيانات الشخصية والبصمة الكربونية.

Aucune description disponible.

الخبير التقني بلال البخاري

وأضاف “البخاري” في تصريحات لـ"جسور بوست"، يجب أن تتضمن هذه القوانين آليات لمراقبة المؤسسات وفرض عقوبات على المخالفين، ومن الضرورة بمكان أن يركز الابتكار التكنولوجي على تطوير حلول تحقق التوازن بين استخدام البيانات الشخصية وحماية الخصوصية. 

وأتم، يمكن استخدام تقنيات التشفير والحماية لضمان أمان البيانات وعدم إفشائها، ويجب أن نعمل على توعية الأفراد وتشجيع المؤسسات بتعزيز الخصوصية والأمان الرقمي.


 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية