"مفوضية حقوق الإنسان" تدعو لاعتماد صك ملزم قانوناً بشأن الحق في التنمية
"مفوضية حقوق الإنسان" تدعو لاعتماد صك ملزم قانوناً بشأن الحق في التنمية
طالبت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، المجتمع الدولي بالتصدي للتحديات والعقبات التي تعيق إعمال الحق في التنمية، واستكشاف سبل التغلب عليها، واتخاذ إجراءات وتدابير ملموسة مثل اعتماد صك ملزم قانونيا بشأن الحق في التنمية، وذلك في تقرير قدمته ضمن أعمال الدورة الـ54 لمجلس حقوق الإنسان المنعقدة خلال الفترة من 11 سبتمبر إلى 6 أكتوبر 2023.
وطالب مجلس حقوق الإنسان، المفوضية بإعداد هذا التقرير، خلال اجتماع عقده ضمن فعاليات الاحتفال بالذكرى الـ35 لإعلان الحق في التنمية، والذي عقد في مارس 2023.
وتمثلت أهداف الاجتماع في إعادة تأكيد الالتزام العالمي الفعال للحق في التنمية، وإذكاء الوعي بالطابع متعدد الأبعاد للحق في التنمية ومساهمته الإيجابية في إعمال جميع حقوق الإنسان وفي العدالة الاجتماعية، وتبادل الممارسات الجيدة في إعمال هذا الحق، ولا سيما في سياق التعاون والتضامن الدوليين، وإبراز أهمية اتخاذ تدابير ملموسة سعيا لإعمال هذا الحق.
المشاركون
وترأس الجزء الأول من الاجتماع نائب رئيس مجلس حقوق الإنسان، مارك بيشلر، وشارك في بياناته الافتتاحية نائبة الأمين العام للأمم المتحدة ورئيسة مجموعة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة أمينة محمد، ومفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك، ومدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أخيم شتاينر، والأمينة العامة لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ريبيكا غرينسبان، والمدير العام لمنظمة الصحة العالمية الدكتور تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، ووزير خارجية أذربيجان جيهون بيرموف.
وترأس الجزء الثاني من الاجتماع والذي تضمن حلقة نقاش ومداخلات من الحضور، نائب رئيس مجلس حقوق الإنسان مايرا ماريبلا ماكدونال ألفاريز، بمشاركة المقرر الخاص المعني بالحق في التنمية، سعد الفرارجي، ومقرر الفريق العامل المعني بالحق في التنمية، زامير أكرم، ورئيسة آلية الخبراء المعنية بالحق في التنمية، بوني إييهاوه، وكبيرة مستشاري التعاون بين بلدان الجنوب وتمويل التنمية، لي يوفن، وممثلي الدول والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية.
إنجاز رائد
وفي كلمتها، أشارت نائبة الأمين العام إلى أن اعتماد الجمعية العامة الإعلان التاريخي بشأن الحق في التنمية، قبل أكثر من 35 عاما، كان إنجازا رائدا في الكفاح من أجل كرامة الإنسان والحرية والمساواة، مشددة على أن الوقت قد حان لجعل الحق في التنمية حقيقة واقعة للجميع.
وأوضحت "محمد"، أن الحق في التنمية يتجاوز المنظور الضيق للنمو الاقتصادي ويعترف بالتنمية كحق أساسي من حقوق الإنسان يستتبع عمليات اجتماعية وثقافية وسياسية شاملة.
وفي إعلان الحق في التنمية، اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأهمية الناس بحسبانهم قوة التنمية الدافعة والمنتفع النهائي منها، فالتنمية المستدامة لن تتحقق إلا بمشاركة الجميع مشاركة مجدية.
وحثت نائبة الأمين العام جميع الدول الأعضاء على المشاركة بنشاط وهمة في العملية الحاسمة لتقييم خطة التنمية المستدامة 2030 المنعقدة حاليا سبتمبر 2023، وعلى الوفاء بوعد إبقاء أهداف التنمية المستدامة حية.
حق غير قابل للتصرف
ومن جانبه، أكد "بيراموف" أن إعلان الحق في التنمية قد كرس التنمية باعتبارها حقا من حقوق الإنسان وعملية لممارسة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، فرديا وجماعيا.
وعلى الرغم من اعتراف جميع الدول في إعلان وبرنامج عمل فيينا بالتنمية بحسبانها حقا من حقوق الإنسان، والإشارة إليها باعتبارها من الحقوق غير القابلة للتصرف، في كثير من قرارات هيئات الأمم المتحدة والوثائق الختامية للأحداث الدولية الرئيسية، يتسم الخطاب الدولي بشأن هذا الموضوع بالانقسام إلى حد كبير بما في ذلك إساءة تفسير مفهوم الحق في التنمية.
وطالب "بيراموف" الأمم المتحدة ووكالاتها المعنية بالتنمية والمؤسسات المالية والأطر التجارية المتعددة الأطراف بأن تضمن جميعها الحق في التنمية في أطرها التنفيذية وأطر سياساتها، وأن تواجه العقبات التي تعترض إعمال الحق في التنمية.
أوجه الشبه مع التنمية البشرية
وفي كلمته، شدد "شتاينر" على أوجه التشابه بين نهج التنمية البشرية الذي ابتكره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والحق في التنمية، حيث أقرت كلتا الاستراتيجيتين بأن النمو في الناتج المحلي الإجمالي ليس غاية في حد ذاته، وأنه حرصا على إتاحة الفرصة لكل فرد لتحقيق إمكاناته كاملة غير منقوصة، تعد مشاركته في عملية التنمية مشاركة حرة ونشطة ومجدية وأمرا حيويا.
وأكد "شتاينر" أنه يجب أولا أن يحدث تحول في التفكير حيال حقوق الأجيال المقبلة، تقوم فيه الوكالات الوطنية لحقوق الإنسان بدور حاسم، مشيرا إلى أن تأمين مصادر إضافية للتمويل أمر أساسي للنهوض بالحق في التنمية.
دعوة للعمل
وذكرت "غرينسبان" أن إعلان الحق في التنمية لا يتناول مفهوما نظريا أو يعترف بحقيقة إنسانية عالمية فحسب، بل هو في المقام الأول دعوة للعمل، وهو تذكير بأن التنمية ليست غاية في حد ذاتها فحسب، بل هي أيضا وسيلة لبلوغ الهدف المتمثل في تحقيق إمكانيات كل شخص كاملة في كل أمة وإيجاد عالم يمكن للناس أن يعيشوا فيه بكرامة واحترام.
وطالبت المسؤولة الأممية، بضرورة اتخاذ مزيد من الإجراءات لإزالة الحواجز التي تعترض سبيل التنمية، بما في ذلك ما يتعلق بالفجوة الرقمية التي تزداد اتساعا والاختلالات المستمرة في النظام التجاري والهيكل المالي الدولي.
الحق في الصحة
وذكر المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، أن إعلان الحق في التنمية أظهر أن مشاركة الناس أمر أساسي للحق في التنمية والحق في الصحة للجميع، وحتى تؤدي التنمية إلى إعمال حقوق الإنسان لجميع الشعوب، يقع على عاتق البلدان واجب التعاون في ما بينها.
وأشار "غيبرييسوس" إلى أن جائحة كوفيد-19 أبرزت الحاجة إلى التعاون والتضامن العالميين من أجل إعمال حقوق الإنسان بما في ذلك الحق في الصحة للجميع.
مشكلة "التسيس"
ومن جانبه، حدد "الفرارجي" التحديات التي تواجه إعمال الحق في التنمية، في "التسيس"، فلا تزال الخلافات قائمة بين الدول بشأن طبيعة واجبها في إعمال الحق في التنمية والتركيز النسبي الذي ينبغي إيلاؤه للالتزامات الوطنية مقابل الالتزامات الدولية، كما توجد أيضا اختلافات في الرأي بشأن كيفية قياس التقدم المحرز نحو إعمال الحق في التنمية.
أما التحدي الثاني فيتمثل في عدم المشاركة، فعلى الرغم من تطور الحق في التنمية تدريجيا وإدراجه في بعض الصكوك الدولية والإقليمية والدساتير الوطنية، يتسم مستوى الوعي والمشاركة في تعزيزه وحمايته وإعماله بالانخفاض، واتسم التقدم المحرز في مجال التنمية بالتفاوت.
جائحة كورونا
وأشار "الفرارجي" إلى أن جائحة كورونا أضافت طبقة إضافية من التعقيد والتحديات التي يواجهها إعمال الحق في التنمية، فقد تسببت في اندلاع أكبر أزمة اقتصادية عالمية منذ أكثر من قرن، وازداد عدم المساواة داخل البلدان وفي ما بينها.
وكان تأثير الجائحة الاقتصادي شديدا بشكل خاص في الاقتصادات الناشئة، إذ لم يتمكن أكثر من 50% من الأسر المعيشية في الاقتصادات الناشئة والمتقدمة الحفاظ على الاستهلاك الأساسي لأكثر من 3 أشهر في مواجهة فقدان الدخل.
وكان تأثير الجائحة غير المتناسب على المرأة موثقاً توثيقاً جيداً، وتشير التقديرات إلى أن الفقر العالمي ازداد، وفي هذا السياق لجأت بعض الحكومات إلى تخفيض الإنفاق في القطاع العام، ولجأت بلدان كثيرة منخفضة الدخل إلى مستويات متزايدة من الديون التي يمنحها مقرضون من القطاع الخاص بتكلفة اقتراض عالية بالنسبة للبلدان النامية.
مواجهة العقبات
وفي كلمته، تحدث "أكرم" عن ولاية الفريق المعني بالحق في التنمية وعن عمله، حيث تم إنشاؤه من قبل لجنة حقوق الإنسان في عام 1998 كآلية لمتابعة إعلان الحق في التنمية، في رصد التقدم المحرز في تعزيز وإعمال الحق في التنمية واستعراضه على الصعيدين الوطني والدولي.
وكذلك تقديم توصيات في هذا الشأن ومواصلة تحليل العقبات التي تعترض سبيل التمتع الكامل بهذا الحق.
آلية الخبراء
وعرض بوني إييهاوه تعليق آلية الخبراء المعنية بالحق في التنمية، التي أنشئت في عام 2019، على المادة (1) من إعلان الحق في التنمية، مشيرا إلى أن الآلية قدمت منذ نشأتها رؤى مستقلة ومشورة خبراء بشأن تعميم الحق في التنمية وتنشيطه وتفعيله.
كما حددت الآلية، قائمة بالعناصر الأساسية لصك ملزم قانونا يهدف إلى تفعيل الحق في التنمية تفعيلا كاملا، واتباع نهج كلي حيال حقوق الإنسان باشتراط تنفيذ التنمية تنفيذا يتيح إعمال جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية إعمالا تاما.
النزعة القومية
ومن جانبها، أشارت "لي يوفن" في كلمتها" إلى ازدياد الحمائية والنزعة القومية وما يصاحبها من سياسات وطنية، والتي أصبحت تمثل تحديا أمام الحق في التنمية، مشيرة إلى أن هذه النزعة وضعت نظرية "الميزة النسبية" على المحك، منوهة بأن الاتجاه الحالي لتفكيك العولمة قد يؤدي إلى تقييد التعاون الدولي.
وشددت على أن العالم يشهد عملية مهمة من التحول الاقتصادي والانتقال إلى نموذج للتنمية الاقتصادية المستدامة والخضراء، ومما يؤسف له أن الاعتبارات الجغرافية السياسية أثرت في هذا التحول وشوهته سياسة الحماية والنزعة القومية.
ويعقد مجلس حقوق الإنسان (تأسس عام 2006) ما لا يقل عن 3 دورات عادية في العام، لفترات مجموعها 10 أسابيع على الأقل، وهي تُعقد في أشهر مارس (لمدة 4 أسابيع) ويونيو (لمدة 3 أسابيع)، وسبتمبر (لمدة 3 أسابيع).
يجوز لمجلس حقوق الإنسان -إذا طلب ثلث الدول الأعضاء (عددها 47)- أن يقرر في أي وقت عقد دورة استثنائية لتناول انتهاكات وطوارئ حقوق الإنسان.