"الإيكونوميست": صفقة الرهائن الإيرانية الأمريكية جزء من استراتيجية دبلوماسية

"الإيكونوميست": صفقة الرهائن الإيرانية الأمريكية جزء من استراتيجية دبلوماسية

يعد احتجاز الرهائن أكثر الأعمال الإيرانية التي تثير غضب أعدائها، حيث تقدم للأجانب تأشيرات رسمية لزيارة إيران ثم يتم التحفظ عليهم عند المغادرة من قبل فيلق الحرس الثوري (المعروف باسم باسداران)، وهو أقوى قوة إيرانية.

ووفقا لتقرير نشرته مجلة "الإيكونوميست"، تستخدم إيران هؤلاء الرهائن كأوراق مساومة لتبادل الأسرى والنقد، من بين أمور أخرى.

وفي هذا الصدد، يقول دبلوماسي غربي، كان مقيما سابقا في إيران: "الجمهورية الإسلامية ليست جمهورية موز، ولكنها لا تزال تتصرف مثل دولة المافيا".

في 18 سبتمبر، تبادلت كل من إيران وأمريكا 5 سجناء في صفقة قامت فيها أمريكا برفع تجميد 6 مليارات دولار من الأصول الإيرانية -عائدات النفط في المقام الأول- الموجودة في كوريا الجنوبية.

وكان من بين الرهائن المفرج عنهم سياماك نمازي، وهو رجل أعمال إيراني أمريكي محتجز منذ عام 2015 (اعتقل والده بعد عام عندما سافر إلى إيران لتأمين إطلاق سراح سياماك واحتجز حتى عام 2022) ومراد طهباز، وهو ناشط بيئي إيراني أمريكي يحمل أيضا الجنسية البريطانية.

وربما لا يزال عشرات الغربيين وعشرات آخرين من مزدوجي الجنسية وراء القضبان في إيران كوسيلة ضغط للصفقات المستقبلية.

وفي 16 سبتمبر، اعتقلت إيران مواطنا مزدوجا آخر في كرج، وهي مدينة تقع غرب العاصمة طهران، ويزعم المسؤولون الإيرانيون أنه ليس لديهم خيار سوى أخذ أسرى لأن خصومهم ينتهكون القانون الدولي أيضا.

وقد تأجج غضبهم بسبب فرض الولايات المتحدة العقوبات وتفريغ النفط الإيراني الشهر الماضي من ناقلة استولت عليها أمريكا ونقلتها إلى تكساس.

وعلى المدى الطويل، يشل احتجاز الرهائن آمال إيران في تطوير صناعة السياحة ويعيق الاستثمار والتجارة الأجنبية، لكن النقد قصير الأجل الذي تولده مغرية لنظام يواجه السخط وسط ارتفاع التضخم والعملة التي انخفضت في وقت سابق من هذا العام إلى مستوى قياسي منخفض (قبل أن تنتعش على أمل التوصل إلى صفقة سجين مقابل المال).

ومع مغادرة السجناء مطار الإمام الخميني الدولي تحت إشراف السفير القطري في طهران الذي ساعد في التفاوض على الصفقة، قام بنكان كوريان بتحويل 6 مليارات دولار من الأموال الإيرانية عبر سويسرا إلى العاصمة القطرية الدوحة.

ووفقا لأحد الوسطاء، فإن الدولة الخليجية زادت من "تحلية" الصفقة من خلال تعويض إيران عن خسارة الفائدة التي تبلغ قيمتها مئات الملايين من الدولارات.

وبموجب الاتفاق، ستراقب وزارة الخزانة الأمريكية الإنفاق لضمان استخدام الأموال من قبل إيران لأغراض إنسانية فقط، ولكن، كما يقول نورمان رول، وهو عميل أمريكي سابق في المنطقة، إن الصفقة يمكن أن توفر أموالا للبرامج العسكرية الإيرانية أيضا، ويمكن لإيران أيضا أن تحصل على آلية للإعفاء من العقوبات يمكن إعادة استخدامها في معاملات مالية أخرى.

ويقول إسفنديار باتمانغيليدج، وهو خبير اقتصادي إيراني أمريكي يرأس مركزا بحثيا في لندن: "قد تكون هذه لحظة تعلم للدبلوماسية المستقبلية بشأن تخفيف العقوبات".

ووصل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الاثنين، إلى نيويورك لإلقاء كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في الأيام المقبلة، ومن المقرر إجراء مزيد من المحادثات بين الإيرانيين وعدوهم الإقليمي السابق، المملكة العربية السعودية، إلى جانب الدول العربية الخمس الأخرى في مجلس التعاون الخليجي على هامش اجتماعات الأمم المتحدة.

ووفقا لـ"الإيكونوميست"، هناك حديث عن أن "رئيسي" يخاطب مجلس العلاقات الخارجية، وهو مركز أبحاث أمريكي في نيويورك، أثناء وجوده هناك.

وتزامنا مع إطلاق سراح السجناء، يقول وسيط إن كبار المسؤولين الإيرانيين ونظراءهم الأمريكيين، يجرون أيضا محادثات مباشرة خلال زيارة رئيسي.

وتشمل الموضوعات المدرجة على جدول الأعمال برنامج التخصيب النووي الإيراني، وتوريد الطائرات المقاتلة الإيرانية بدون طيار إلى روسيا، والتهديدات الإيرانية ضد الإدارة الكردية في شمال العراق.

ويرى عدد قليل من المراقبين أن هذه هي الخطوة الأولى نحو اتفاق أوسع نطاقا بشأن إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، وهي اتفاقية تم توقيعها في عام 2015 وكان الهدف منها منع إيران من تخصيب اليورانيوم إلى مستوى كان من شأنه أن يضعها على "عتبة" الحصول على أسلحة نووية. 

وانسحبت إدارة ترامب لاحقا من الصفقة في عام 2018، ما دفع إيران إلى تجاهل قيودها الرئيسية.

ووفقا لأحد الوسطاء، احتجاجا على تخصيب إيران لليورانيوم بما يتجاوز المستويات المدنية البالغة 60%، أعلنت كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا في وقت سابق من هذا الشهر أنها تكرس عقوبات الأمم المتحدة في القانون الوطني قبل انتهاء صلاحيتها بموجب شروط خطة العمل الشاملة المشتركة.

وفي الأشهر الأخيرة، أعادت إدارة “رئيسي” العلاقات الدبلوماسية مع منافستها الإقليمية، المملكة العربية السعودية، وبدأت محادثات بشأن الانضمام إلى مجموعة البريكس، وهي نادٍ للأسواق الناشئة الكبرى، وانضمت أخيرا إلى مجلس شنغهاي للتعاون بين دول أوراسيا.

وحتى خصم إيران الأكثر صخبا، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خفف من انتقاداته، على ما يبدو خوفا من تفاقم التوترات مع إدارة بايدن.

ويقود التواصل حاجة النظام إلى تعزيز الدعم الدولي في الوقت الذي تتصارع فيه الجمهورية الإسلامية مع خطط لخلافة مرشدها الأعلى آية الله علي خامنئي البالغ من العمر 84 عاما، ومعالجة أكبر تهديد لها، شعبها الساخط.

وفي الداخل والخارج، انتقد معارضو آية الله الاتفاق باعتباره صفعة على الوجه من جانب أمريكا، خاصة أنه يتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لوفاة مهسا أميني، وهي امرأة إيرانية احتجزت بسبب إظهار شعرها، وقتل أكثر من 500 إيراني في أشهر الاحتجاجات التي تلت ذلك.

في إيران، تجوب شرطة مكافحة الشغب والفتيان المتنمرون على الدراجات النارية الشوارع لمنع المظاهرات، ويخضع والد "أميني" للإقامة الجبرية، ومؤخرا تم إغلاق المقاهي في جميع أنحاء البلاد لمنع الشباب من التجمع، "بدا الأمر وكأنه قانون عرفي"، كما يقول أحد رواد المقهى.

في الوقت الراهن، يتمتع النظام باليد العليا، فقد تم تفريق الاحتجاجات الصغيرة القليلة التي وقعت في طهران في غضون دقائق.

وفي إقليم كردستان، حيث كانت تعيش "أميني"، ورد أن قوات الأمن استخدمت الذخيرة الحية، لكن الإيرانيين يتحدثون عن تصاعد التوتر.

ولجأ كثيرون إلى العصيان المدني، وتستمر النساء في خلع الحجاب الإلزامي ويرفضن دفع الغرامات، أو النقد مقابل الحجاب كما يسميه الإيرانيون، لانتهاكهن قواعد اللباس.

ومع اتساع الفجوة بين النظام وشعبه، يرتدي أفراد الأمن أقنعة لإخفاء هوياتهم، وفي حين أن الرأي العام الدولي قد يهدأ، على الأقل مؤقتا، إلا أن الغضب الشعبي في طهران لا يزال متقدا.

 

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية