البابا فرانسيس يندّد من مارسيليا بـ"اللامبالاة" حيال مأساة المهاجرين
البابا فرانسيس يندّد من مارسيليا بـ"اللامبالاة" حيال مأساة المهاجرين
شدّد البابا فرانسيس، الجمعة، على أنه من واجب الحكومات الأوروبية أن تنقذ طالبي اللجوء الذين يفرّون بحرا هربا من النزاعات، محذّرا من "شلل الخوف" وذلك في معرض تطرّقه إلى العداء المتزايد تجاه المهاجرين داخل أوروبا.
جاء ذلك خلال اليوم الأول من زيارة للبابا فرانسيس إلى مرسيليا تستغرق يومين مخصّصة للبحر الأبيض المتوسط وتحدّي الهجرة، بحسب وكالة فرانس برس.
وحطت طائرة البابا بعيد الساعة 16,00 (14,00 ت غ) في مطار مارينيان حيث استقبلته رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن، قبل أن يتوجه إلى كاتدرائية نوتردام دو لا غارد على مرتفعات ثاني أكبر مدينة في فرنسا.
وبعدما شارك في صلاة مع كهنة الكاتدرائية، اجتمع البابا مع مسؤولين دينيين مسيحيين ومسلمين ويهود أمام نصب البحارة والمهاجرين الذين فقدوا في البحر، مجددا دعوته لاستقبال اللاجئين.
وقال البابا الذي لطالما ندد منذ انتخابه بترك المهاجرين يواجهون مصيرهم "لا یمكننا أن نبقى شھودا لمآسي الغرق بسبب عمليات الاتجار الكريهة وتعصّب اللامبالاة".
وتابع البابا "علينا أن ننقذ الأشخاص الذي يتعرّضون لخطر الغرق عندما يتركونهم فوق الأمواج.. إنه واجب إنساني، إنه واجب الحضارة!".
وأضاف "علينا نحن المؤمنين أن نكون مثالا في الاستقبال المتبادل والأخوي"، منددا مرة جديدة بتحوّل البحر المتوسط إلى "مقبرة هائلة" دفنت فيها "الكرامة الإنسانية".
الكلمات لا تنفع
وقال البابا "أمام هذه المأساة لا تنفع الكلمات بل الأعمال"، مستنكرا "شلل الخوف" ومتوجّها بالشكر إلى المنظمات غير الحكومية التي تغيث المهاجرين في البحر، ومنددا بأولئك الذين يمنعون هذه المنظمات من العمل.
وقال رئيس منظمة "إس أو إس ميديتيرانيه" فرنسوا "كنا نعوّل على كلمات قوية، لكن هذا الأمر تخطى ما كنا نأمله".
وتلا جونيور وهو مهاجر من ساحل العاج كان يبلغ 16 عاما عندما وصل إلى مرسيليا، فصلا من سفر "أعمال الرسل" في العهد الجديد حول غرق سفينة القديس بولس قبالة مالطا.
وتأتي زيارة البابا بعد أيام قليلة على وصول آلاف الأشخاص إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، الأمر الذي دفع الاتحاد الأوروبي إلى تبنّي خطّة طوارئ لمساعدة روما على إدارة تدفّقات الهجرة من شمال إفريقيا.
وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان قد شدّد، الثلاثاء، على أن فرنسا "لن تستقبل مهاجرين" ممن وصلوا إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية.
وقالت فيرونيك ديمبيلي البالغة 47 عاما والتي وصلت من مالي إلى فرنسا قبل 5 سنوات "إنه فرح كبير وشرف.. إنه لأمر مدهش ولكنه حقيقي".
واعتبرت أن الزيارة ليست سياسية، مشيرة إلى أن البابا "جاء لدعم المهاجرين، وأيضا لشكر الدولة على ما تفعله من أجل المهاجرين ويطالبها ببذل مزيد من الجهود".
وعلى الرغم من تراجع الكاثوليكية في فرنسا، والذي تسارعت وتيرته بسبب أزمة العنف الجنسي في الكنيسة، فإنّ هذه الزيارة تثير حماسة كبيرة، إذ من المتوقع حضور عشرات الآلاف من المؤمنين.
إجراءات أمنية مشددة
وتختتم هذه الزيارة، التي تخضع لإجراءات أمنية مشدّدة، السبت، بقداس ضخم أمام نحو 60 ألف شخص في ملعب فيلودروم لكرة القدم في مرسيليا، بعد أن يجول البابا في عربته في جادة دو برادو، حتى يتمكّن الجمهور من أن يحيّيه.
وتم فرز نحو 6 آلاف عنصر أمن لضمان أمن الزيارة.
وفي فرنسا، استقبل اليمين زيارة البابا بشكل متباين، وشمل ذلك ممثليه الكاثوليك والمحافظين، الذين انتقدوا تدخّلاته السياسية واتهموه بالقيام بالكثير تجاه المهاجرين.
وكان البابا الذي يبلغ 86 عاماً قد لفت إلى أنه لن يأتي إلى فرنسا في زيارة دولة بل إلى مرسيليا، وهي مدينة ذات طابع عالمي في الجنوب حيث تتعايش مجموعة واسعة من الطوائف والأديان، وذلك للتنديد بمأساة غرق سفن المهاجرين والدفاع عن قضيّتهم.
وسيلتقي البابا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعدما استقبله 3 مرات في الفاتيكان.
وسيكون إلى جانبه طوال زيارته رئيس أساقفة مرسيليا جان مارك أفلين، المهندس الرئيسي لهذه الزيارة، والذي عيّنه كاردينالاً في عام 2022.
بعد حوالي 500 عام من الزيارة الأخيرة التي قام بها حبر أعظم لمرسيليا، تعدّ هذه الرحلة أيضاً الأولى التي يقوم بها بابا إلى فرنسا منذ سلفه بنديكتوس السادس عشر في عام 2008، وكان قد توجّه إلى ستراسبورغ في عام 2014، في زيارة خاطفة، زار خلالها البرلمان الأوروبي.
وفي بلد يُحكم منذ عام 1905 بمبدأ العلمانية، اتهمت المعارضة اليسارية ماكرون بـ"الدوس" على الحياد الديني للدولة عبر إعلانه المشاركة في القداس الكبير الذي سيترأسه البابا، السبت، في ملعب فيلودروم.
وهذه هي الرحلة الرابعة والأربعون إلى الخارج للبابا الذي يستخدم الآن كرسياً متحرّكاً، والذي اعترف في أوائل سبتمبر بأنّ السفر بالنسبة إليه "لم يعد سهلاً كما كان في البداية".
ويعدّ عبور المتوسّط المسار الأخطر في العالم، إذ إنّ أكثر من 28 ألف شخص حاولوا عبور البحر الأبيض المتوسط للوصول إلى أوروبا، فُقدوا منذ عام 2014، بحسب المنظمة الدولية للهجرة، ولطالما ندّد البابا بـ"أكبر مقبرة في العالم".