خبير فلسطيني: إصرار إسرائيل على عدم فتح ممرات إنسانية إلى غزة "عقاب جماعي"
الباحث المتخصص في الشأن الإسرائيلي خلدون البرغوثي
كالمدن المنكوبة، يحاصر الموت سكان قطاع غزة من كل الجهات، جراء القصف الإسرائيلي العنيف والغارات المتواصلة على مختلف القطاعات الحيوية منذ نحو 10 أيام.
وتحولت شوارع وأحياء مدينة غزة إلى بقعة كارثية، حيث استوت بناياتها الشاهقة مع الأرض، فيما انقطع التيار الكهربائي والمياه والخدمات الاتصالات والإنترنت، وباتت طواقم الصيانة الفنية عاجزة عن إصلاح الأضرار وإعادة الخدمات للمواطنين.
ولم تعد المياه صالحة للشرب بعد تعطل محطات الضخ والتحلية، وتوقف الضخ من الآبار جراء انقطاع الكهرباء وندرة الوقود في القطاع.
تعرض محيط معبر رفح الحدودي بين قطاع غزة ومصر، لثلاث غارات جوية خلال 10 أيام من الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية "حماس".
واحتشد مئات الفلسطينيين الذين يحملون جوازات سفر أجنبية، جنوبي القطاع على أمل فتح معبر رفح الحدودي، فيما لا تزال مئات الشاحنات التي تحمل مساعدات إنسانية ومواد غذائية تصطف أمام المعبر (شمال شرقي مصر) المغلق مؤقتاً.
ونفى مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في بيان، كل ما تردد بشأن الاتفاق على فتح معبر رفح الحدودي لإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة وإخراج الأجانب.
وبدوره وصف وزير الخارجية والمغتربين الفلسطيني رياض المالكي، تصريحات نتنياهو بعدم السماح بدخول المساعدات الطبية إلى قطاع غزة بـ"الخطيرة جدًا".
وقال المالكي إن هذه التصرفات تعني حدوث كارثة إنسانية، وإن القيادة الإسرائيلية تقوم بتدمير الاستقرار في الشرق الأوسط، والفلسطينيون هم من يدفعون الثمن.
من جانبه دعا المسؤول في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في قطاع غزة، حمادة البياري، إلى هدنة إنسانية بين إسرائيل وحركة حماس، واصفا الوضع الإنساني في القطاع بــ"الدمار الكبير".
ويتفاقم الوضع الإنساني في قطاع غزة مع انسداد جميع شرايين الإنقاذ بتمرير المساعدات الإنسانية والطبية والمواد الغذائية، إذ حذر العاملون في القطاع الصحي من نفاد الوقود وانقطاع التيار الكهربائي عن المستشفيات.
ومنذ أكثر من 10 أيام، تواصل إسرائيل قصف قطاع غزة بالكامل، لا سيما في الشمال، غير مكترثة بنداءات واستغاثات المنظمات الدولية الداعية إلى وقف القصف المدمر، كما ترفض أيضا فتح ممرات إنسانية أو السماح بدخول مساعدات من مصر عبر معبر رفح.
انتهاك القانون الدولي
وتنص اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، وهي وثائق أساسية في القانون الدولي الإنساني، على أن أطراف النزاع المسلح ملزمة بحماية المدنيين والأفراد المعرضين للخطر.
وتشمل هذه الحماية حق المدنيين في مغادرة منطقة النزاع أو الوصول إلى المساعدات الإنسانية، وتعتبر أحكام اتفاقيات جنيف نافذة حتى لو لم تصادق عليها الدولة.
والمساعدات الإنسانية، حق للسكان المدنيين، يكفلها القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، ويتم عرض وتوفير المساعدات سواء بموافقة أو دون موافقة أطراف النزاع والظروف التي تحظى بها المساعدات الإنسانية بالحماية بموجب القانون الدولي.
ويحدد القانون الدولي الإنساني القيود على الحق في الحياة وخاصة الحق في الحصول على المساعدات الإنسانية في حالات النزاع، ويمكن أن يؤدي تطور القانون الدولي لحقوق الإنسان إلى تعزيز ودعم إقرار الأغلبية العظمى من القواعد المتعلقة بالمساعدات الإنسانية في النزاعات المسلحة باعتبارها جزءا من القانون العرفي.
عقوبات جماعية
قال الباحث الفلسطيني المتخصص في الشأن الإسرائيلي خلدون البرغوثي، إن الموقف الإسرائيلي يأتي في سياق وضع مطالب بسقف مرتفع جدا في ما يتعلق بأهداف العدوان على قطاع غزة، وذلك سعيا للإفراج عن الأسرى من جنود ومستوطنين، لكن الهدف الأساسي هو الانتقام بعد الضربة غير المسبوقة في 7 أكتوبر الجاري.
وأوضح البرغوثي في تصريح لـ"جسور بوست" أن العنف والقصف العشوائي واستهداف المدنيين ومؤسسات الأمم المتحدة والمستشفيات، يأتي في إطار إرضاء الشعب الإسرائيلي الذي يبحث عن الانتقام، إضافة إلى رغبة بنيامين نتنياهو في تحسين صورته السياسية أمام جماهيره.
وأضاف: "يعتبر أي اتفاق مقدمة للتراجع الإسرائيلي عما سبق، دون تحقيق إنجاز لصالح إسرائيل، لأن دخول المساعدات الإنسانية مقابل خروج الأجانب لا يحقق شيئا لتل أبيب ولا يعنيها بشيء فعليا، كما أنهم يعتبرون أن إدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة سيكون بمثابة دعم لحركة حماس.
خلدون البرغوثي
ومضى البرغوثي قائلا: "النقطة الأخيرة هو أن من سياسات إسرائيل الدائمة فرض العقوبات الجماعية، حتى ولو بسبب فعل فرد واحد، فهي تعاقب القرية أو العائلة أو المنطقة، فتأتي العقوبات الجماعية ضد المدنيين ليقوموا بالضغط على المقاومة للتراجع.
وتابع: "مشكلة إسرائيل أن العقوبات الجماعية قد تبدأ بخلق حالة تأفف في البداية لدى الفلسطينيين، لكنها مع الوقت تنقلب إلى حالة غضب من الاحتلال، وحالة الغضب تخلق حالة دعم للمقاومة"، مستشهدا بهتاف الفلسطينيين في شمال قطاع غزة لقائد كتائب عز الدين القسام محمد ضيف، عندما طلبت منهم إسرائيل إخلاء منازلهم والتوجه إلى وسط وجنوب القطاع.
وفي فجر 7 أكتوبر الجاري، أطلقت حركة حماس، عملية مباغتة ضد إسرائيل بإطلاق دفعات مكثفة من الصواريخ على مناطق إسرائيلية عدة، وتنفيذ عمليات تسلل في محيط قطاع غزة، في ما اعتبرته السلطات الإسرائيلية حربا ضد دولتها تستدعي الرد بغارات جوية على القطاع.
ورد الجيش الإسرائيلي بقصف جوي موسع على قطاع غزة تسبب في تدمير واسع للبنية التحتية والمباني المدنية والحكومية، فيما سقط آلاف القتلى والجرحى خلال المواجهات وأثناء العمليات العسكرية بين الجانبين.