دراسة: العالم مهدد باستنزاف "ميزانية الكربون" مع استمرار إطلاق الانبعاثات

دراسة: العالم مهدد باستنزاف "ميزانية الكربون" مع استمرار إطلاق الانبعاثات

ذكرت دراسة نُشرت في مجلة "نيتشر" أن انبعاثات الكربون المتبقية، والتي يمكن للبشرية أن تتحمل إطلاقها مع إبقاء ظاهرة الاحتباس الحراري عند مستوى حرج قدره 1.5 درجة مئوية فوق مستويات عصر ما قبل الصناعة، قد يتم استنفادها في غضون السنوات الست المقبلة.

وتؤكد هذه الدراسة، الحاجة الملحة إلى اتخاذ إجراءات سريعة وغير مسبوقة لمكافحة تغير المناخ والحد من آثاره المدمرة، وإبقاء احترار الكوكب عند "مستويات آمنة".

ويعد مفهوم ميزانية الكربون أمراً محورياً في علوم وسياسات المناخ؛ وهو يمثل الحد الأقصى لكمية ثاني أكسيد الكربون التي يمكن إطلاقها في الغلاف الجوي مع الالتزام بأهداف محددة للاحتباس الحراري. 

ويطمح اتفاق باريس، وهو اتفاق دولي تاريخي تم توقيعه في 2015 ولكنه غير مُلزم، إلى الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى أقل من درجتين مئويتين، مع هدف طموح بإبقاء زيادة الاحترار عند 1.5 درجة مئوية عن طريق تقليل انبعاثات الغازات المُسببة للاحتباس الحراري واستخدام التكنولوجيات اللازمة لإزالة واحتجاز الكربون. 

وأفادت الدراسة بأنه دون تخفيضات سريعة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون فإن هناك فرصة بنسبة 50% لزيادة درجة حرارة الكوكب بمقدار 1.5 درجة مئوية قبل عام 2030. 

استنفاد ميزانية الكربون

وتشير تقديرات الدراسة الجديدة إلى أنه مقابل احتمال بنسبة 50% للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية، يتبقى أقل من 250 جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون في ميزانية الكربون العالمية، والتي يمكن إطلاقها في الهواء، قبل الوصول إلى مستوى صفر انبعاثات كربون واللازم لتحقيق هدف إبقاء الاحترار عند 1.5 درجة مئوية.

ويحذر الباحثون من أنه إذا ظلت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون عند مستويات عام 2022 والبالغة نحو 40 مليار جيجاطن سنوياً، فسيتم استنفاد ميزانية الكربون بحلول عام 2029 تقريباً، ما سيؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الكوكب بمقدار 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة.

وتعني هذه النتيجة أن ميزانية الكربون أقل مما تم حسابه سابقًا، إذ انخفضت إلى النصف تقريباً منذ عام 2020؛ بسبب الزيادة المستمرة في انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية، والتي نتجت في المقام الأول عن حرق الوقود الأحفوري، فضلاً عن التقدير المحسن لتأثير تبريد الهباء الجوي، والذي يتناقص عالمياً بسبب التدابير الرامية إلى تحسين جودة الهواء وتقليل الانبعاثات. 

وقال الدكتور المؤلف المشارك للدراسة روبن لامبول، وهو زميل الأبحاث في مركز السياسة البيئية في إمبريال كوليدج لندن، والمؤلف الرئيسي للدراسة في مؤتمر صحفي إن النتائج التي توصلنا إليها "تؤكد ما نعرفه بالفعل، فنحن لا نفعل ما يكفي لإبقاء ارتفاع درجة الحرارة أقل من 1.5 درجة مئوية". 

ويشير لامبول إلى أن "ميزانية الكربون المتبقية الآن صغيرة جداً"، وعدم إحراز تقدم في خفض الانبعاثات يعني "أنه يمكننا أن نكون أكثر ثقة من أي وقت مضى أن نافذة الحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات آمنة تغلق بسرعة." 

استمرار الانبعاثات

ووجدت الدراسة أن ميزانية الكربون للحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى درجتين مئويتين تبلغ نحو 1200 جيجاطن، وهذا يعني أنه إذا استمرت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون عند المستويات الحالية، فسيتم استنفاد الميزانية الكلية وهي درجتان مئويتان بحلول عام 2046. 

وكان هناك قدر كبير من عدم اليقين في حساب ميزانية الكربون المتبقية، وذلك بسبب تأثير عوامل أخرى، بما في ذلك الاحترار الناجم عن غازات أخرى غير ثاني أكسيد الكربون، والتأثيرات المستمرة للانبعاثات التي لم يتم أخذها في الاعتبار في النماذج.

واستخدم البحث الجديد مجموعة بيانات محدثة ونمذجة مناخية محسنة مقارنة بالتقديرات الأخيرة الأخرى، التي نُشرت في السابق. 

وأعطت المنهجية المعززة رؤى جديدة حول أهمية الاستجابات المحتملة للنظام المناخي لتحقيق صافي "صفر انبعاثات كربون". 

ويشير "صافي الصفر Net Zero Emissions" إلى تحقيق توازن شامل بين الانبعاثات العالمية المنتجة والانبعاثات التي تمت إزالتها من الغلاف الجوي؛ ووفقاً لنتائج النمذجة في الدراسة لا تزال هناك شكوك كبيرة حول الطريقة التي ستستجيب بها أجزاء مختلفة من النظام المناخي في السنوات التي تسبق تحقيق "صافي الصفر”.

تأثيرات مختلفة

ومن المحتمل أن يستمر ارتفاع درجة حرارة المناخ؛ بسبب تأثيرات مثل ذوبان الجليد، وانبعاث غاز الميثان، والتغيرات في دوران المحيطات. 

ومع ذلك، فإن مصارف الكربون، مثل زيادة نمو الغطاء النباتي، يمكن أن تمتص أيضاً كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون؛ ما يؤدي إلى خفض درجات الحرارة العالمية قبل الوصول إلى "صفر انبعاثات". 

ويقول لامبول، إن هذه الشكوك تسلط الضوء بشكل أكبر على الحاجة الملحة لخفض الانبعاثات بسرعة.

وتقدم الدراسة "رسالة لا لبس فيها"، مفادها الحاجة إلى اتخاذ التدابير الفورية والطموحة غير قابلة للتفاوض، كما تؤكد أن الوقت ينفد للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري عند 1.5 درجة مئوية وتجنب أسوأ عواقب تغير المناخ. 

ويرى الباحثون أنه يجب السعي نحو أهداف أكثر جرأة لخفض الانبعاثات عبر مختلف القطاعات، والانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة، واعتماد ممارسات مستدامة في الزراعة والغابات. 

كما تسلط الدراسة الضوء على ضرورة الاستثمار في تقنيات إزالة الكربون لتعويض أي انبعاثات زائدة في المستقبل القريب.

وتحذر الدراسات العالمية من ظاهرة التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الكوكب، لما لها من تأثير مباشر على هطول الأمطار الغزيرة والسيول والفيضانات والجفاف والأعاصير والتصحر وانتشار الأوبئة والأمراض وكذلك على الحياة البرية  وحركة الهجرة والأنشطة البشرية.

وأكد خبراء في مجال البيئة خطورة حرائق الغابات والتي يترتب عليها فقدان أكبر مصنع لإنتاج الأكسجين بالعالم مقابل ارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون، ما ينذر بتصاعد ظاهرة الاحتباس الحراري.

تحذير أممي

وفي وقت سابق، حذَّر الأمين العام للأمم المتحدة، ​أنطونيو غوتيريش​، من أن "نصف البشرية يقع في منطقة الخطر، من جراء ​الفيضانات​ والجفاف الشديد والعواصف وحرائق الغابات​"، مؤكداً أنه "لا يوجد بلد محصن".

ويؤكد التقرير الأخير الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ الضرورة الملحة لمعالجة الآثار المكثفة لتغير المناخ وضمان التكيف والمرونة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

ووفقا لبيانات مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث، فإن عدد الكوارث قد تضاعف تقريبًا منذ عام 2000، بينما تضاعفت الخسائر الاقتصادية الناتجة بمعدل ثلاثة أضعاف، ويرجع ذلك أساسًا إلى تغير المناخ، وإذا لم يتم اتخاذ أي إجراء لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، فقد تكون هناك زيادة بنسبة 40% في عدد الكوارث بحلول عام 2030.

في نهاية يوليو الماضي، حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من الوضع الذي يمر به كوكب الأرض، قائلا: "تغير المناخ هنا مرعب، وهذه فقط البداية.. لقد انتهى عصر الاحتباس الحراري، لقد حان عصر (الغليان العالمي)".

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية