"نيويورك تايمز": الحزب الشيوعي الصيني يرى "عودة المرأة للمنزل" حلاً للأزمة الاقتصادية
متخلياً عن حقوق المرأة..
في أكبر تجمع سياسي للنساء في الصين، احتل زعيم البلاد، شي جين بينغ، مركز الصدارة في افتتاح المؤتمر الوطني للمرأة، وتم نشر صورة مقربة له في المؤتمر على الصفحة الأولى من صحيفة الحزب الشيوعي الصيني، ومن على رأس مائدة مستديرة كبيرة، ألقى شي محاضرة على المندوبات في الاجتماع الختامي للمؤتمر.
ووفقا لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، قال الزعيم الصيني في خطاب له "يجب أن نعزز بنشاط نوعا جديدا من الزواج وثقافة الإنجاب"، مضيفا أن دور مسؤولي الحزب هو التأثير على آراء الشباب حول "الحب والزواج والخصوبة والأسرة".
ولطالما كان مؤتمر المرأة، الذي يعقد كل 5 سنوات، منتدى للحزب الشيوعي الحاكم لإظهار التزامه تجاه المرأة، وعلى الرغم من أن هذه البادرة رمزية في معظمها، فإنها اكتسبت أهمية أكبر من أي وقت مضى هذا العام، وهي المرة الأولى منذ عقدين من الزمن التي لا توجد فيها نساء في الهيئة التنفيذية لصنع السياسة في الحزب.
والجدير بالملاحظة هو كيف قلل المسؤولون من أهمية المساواة بين الجنسين، وركزوا بدلا من ذلك على استخدام التجمع للضغط على هدف "بينغ" للنساء الصينيات: الزواج وإنجاب الأطفال.
في الماضي، تطرق المسؤولون إلى الدور الذي تلعبه المرأة في المنزل وكذلك في القوى العاملة، لكن في خطاب هذا العام، لم يشر "بينغ" إلى النساء في العمل، وفقا لـ"نيويورك تايمز".
ويرى الحزب أنه بحاجة ماسة إلى النساء لإنجاب المزيد من الأطفال، حيث تم دفع الصين إلى أزمة ديموغرافية حيث انخفض معدل المواليد، ما تسبب في تقلص عدد سكانها لأول مرة منذ ستينيات القرن العشرين.
وتسعى السلطات جاهدة للتراجع عما وصفه الخبراء بأنه اتجاه لا رجعة فيه، وتحاول المبادرة الواحدة تلو الأخرى، مثل المنح النقدية والمزايا الضريبية لتشجيع المزيد من المواليد.
وفي مواجهة أزمة ديموغرافية وتباطؤ الاقتصاد وما يعتبره صعودا عنيدا للنسوية، اختار الحزب دفع النساء إلى العودة إلى المنزل، داعيا إياهن إلى تربية الشباب ورعاية المسنين، وعلى حد تعبير "بينغ"، العمل ضروري لـ"طريق الصين إلى التحديث"، لكن بالنسبة للبعض، تبدو رؤيته أشبه بالانحدار المقلق.
قال مدير الأبحاث في هونغ كونغ والصين وتايوان في فريدوم هاوس، وهي منظمة غير ربحية مقرها واشنطن، ياكيو وانغ: "لقد شعرت النساء في الصين بالقلق من هذا الاتجاه وقاومن على مر السنين"، مضيفا: "العديد من النساء في الصين متمكنات ومتحدات في كفاحهن ضد القمع المزدوج في الصين: الحكومة الاستبدادية والمجتمع الأبوي".
وفشل الحزب في معالجة العديد من المخاوف، معتبرا أن بعض القضايا التي أثارتها النساء تشكل تحديا مباشرا لقيادته، ولذلك يتم إسكات النقاش حول التحرش الجنسي والعنف ضد المرأة والتمييز على وسائل التواصل الاجتماعي، وغالبا ما ينطفئ الدعم المقدم للضحايا، وتم سجن النسويات والمدافعات الصريحات، وتم دفع حركة #MeToo التي ازدهرت لفترة وجيزة في عام 2018 إلى العمل السري.
كانت اللغة التي استخدمها كبار المسؤولين في مؤتمر المرأة في بكين لمحة أخرى عن كيفية رؤية الحزب لدور المرأة، حيث دفع "بينغ" بأجندة متشددة لتعزيز رؤيته لصين أقوى تتضمن إحياء ما يعتبره قيما تقليدية.
وفي المؤتمر، شجع القيادات النسائية على "سرد قصص جيدة عن التقاليد العائلية وتوجيه النساء للعب دورهن الفريد في المضي قدما في الفضائل التقليدية للأمة الصينية".
وفي خروج عن تقليد استمر عقدين من الزمن، فشل نائب "بينغ"، دينغ شيويشيانغ، في ذكر عبارة قياسية في خطاب افتتاحي في المؤتمر: أن المساواة بين الجنسين هي سياسة وطنية أساسية.
وحتى عندما أشار "بينغ" إلى المساواة بين الجنسين، فقد أمضى معظم خطابه في توضيح الأسرة والأبوة والأمومة والخصوبة.
وهذا يتناقض بشكل صارخ مع ما كان عليه الحال قبل عقد من الزمان، عندما شدد كبار المسؤولين على أهمية كل من المساواة وتحقيق المرأة لذاتها، كما قالت هانتشانغ ليو، أستاذة الدراسات السياسية في كلية بيتزر الذي درس خطابات كبار المسؤولين في العديد من المؤتمرات على مدى العقدين الماضيين.
وقالت "ليو": "كان عمل المرأة في يوم من الأيام يتعلق بالنساء لأنفسهن، والنساء من أجل المرأة"، في إشارة إلى لغة الحزب لقضايا النوع الاجتماعي.. "الآن ما يقولونه هو أن المكان الصحيح للمرأة في المجتمع -حيث يمكنها القيام بالعمل الأكثر جدوى- هو في المنزل مع الأسرة".
لكن مؤتمر المرأة ليس المكان الذي تخاض فيه المعركة من أجل حقوقهن.. ينظمها الاتحاد النسائي لعموم الصين، وهي مجموعة تعمل على تعزيز سياسات الحزب ويمولها الحزب، وتميل إلى تمثيل الوضع السياسي الراهن.
ونتيجة لذلك، تركز قسم كبير من المناقشات هذا العام على تشجيع قادة الأحزاب على تعزيز القيم الأسرية التقليدية، وتكشف هذه اللغة عن الحسابات التي توصل إليها المسؤولون: ألا وهي أن تمجيد فضائل ماضي الصين من شأنه أن يلهم النساء للتركيز على الأسرة.. هذا، كما يأملون، سيساعد في التركيبة السكانية.
كما أن إعادة النساء إلى المنزل والخروج من قوة العمل أمر مريح أيضا في وقت تواجه فيه الصين أكبر تحد اقتصادي لها منذ 4 عقود، وتتعرض فيه الحكومة لضغوط لتحسين نظام الرعاية الاجتماعية الذي يعاني من نقص شديد في النمو وغير قادر على دعم شيخوخة السكان بسرعة.
قال مينغلو تشن، وهو محاضر كبير في جامعة سيدني يدرس النوع الاجتماعي والسياسة في الصين: "لطالما كان يُنظر إلى النساء على أنهن أداة للدولة بطريقة أو بأخرى"، ولكنه شدد: "لكن علينا الآن أن نفكر في الاقتصاد السياسي للصين.. من المفيد للحزب التأكيد على عودة النساء إلى المنزل، حيث يمكنهن رعاية الأطفال والمسنين".
ومع ذلك، فإن اتجاه عدد أقل من الزيجات والولادات كان في طور الإعداد منذ سنوات، ويدفع "بينغ" النساء إلى دور رفضنه منذ فترة طويلة، حيث تتمتع العديد من الشابات والمتعلمات في أكبر مدن الصين باستقلالهن المالي ويشعرن بالقلق من الزواج بسبب الضغط عليهن لإنجاب الأطفال والتخلي عن كل شيء.
وقد أعرب الشباب عن تناقضهم بشأن الزواج والاستقرار، وهم قلقون بشأن المستقبل مع تراجع الاقتصاد وارتفاع معدلات البطالة.
وعلى الرغم من كل دعوات "بينغ" للنساء لتبني قضية إنجاب الأطفال، فمن غير المرجح أن تعزز جهود الحزب معدل المواليد بما يكفي لعكس اتجاه الانخفاض السكاني في البلاد، أي ما لم تكن على استعداد للجوء إلى تدابير عقابية أكثر لحرمان أو تهميش النساء اللائي يخترن عدم إنجاب الأطفال.
وقال أستاذ العلوم السياسية في كلية فاسار فوبينغ سو: “إنه من غير المحتمل، لكنه ليس مستبعدا تماما”.
وبالفعل، خلال سياسة "الطفل الواحد"، لجأ الحزب إلى الغرامات والإجهاض القسري والتعقيم في محاولة لإبطاء النمو السكاني لعقود حتى أنهى القيود في عام 2015.
وقال "سو": "إذا استطاع الحزب التضحية بجسد المرأة وحقوق الولادة من أجل سياسة الطفل الواحد، فيمكنهم فرض إرادتهم على النساء مرة أخرى".










