بين العنف والتمييز.. لماذا تتصاعد العنصرية ضد المغاربة في إسبانيا؟

بين العنف والتمييز.. لماذا تتصاعد العنصرية ضد المغاربة في إسبانيا؟
احتجاجات ضد العنصرية في إسبانيا

في بلدة طوري باتشيكو بإقليم مورسيا جنوبي إسبانيا، تجدد التوتر القائم بين الجالية المغربية والمجتمع المضيف، عقب حادثة اعتداء على مسن إسباني (68 عاماً) يوم التاسع من يوليو 2025، ما أشعل شرارة حملة تحريض وسلسلة من المواجهات التي أثارت جدلاً حقوقياً وإنسانياً كبيراً حول علاقة المهاجرين بالمجتمع الإسباني.

الواقعة التي رصدتها التحقيقات الأولى، وفقًا لصحيفة "إل دياريو" الإسبانية، تبيّن فيها أن المعتدين الثلاثة كانوا شبّاناً، وقد تم تصوير الاعتداء ونشره على مواقع التواصل، وسرعان ما تحولت مطالب الثأر للمسن إلى رسائل موجّهة نحو الجالية المغربية تحديداً، متهمة إياها بغزو الأحياء الإسبانية ومسببة اختلالات أمنية، بحسب منشورات ذائعة حولها فيسبوك وتيليغرام، وتحولت الحادثة إلى فقاعة شارك فيها سياسيون من أقصى اليمين ومجموعات محلية، وأدت إلى إغلاق محلات تجارية مملوكة لمهاجرين مغاربة خشية التصعيد.

من جانبه، أعلن الحرس المدني تعزيزات أمنية في البلدة وأوضح أن 13 شخصاً جرى توقيفهم حتى مساء الحادي عشر من يوليو، منهم مشتبه به رئيس في الاعتداء، بالإضافة إلى أفراد من السكان المحليين متهمين بالتحريض والمشاركة في أعمال عنف، وأشارت النيابة إلى فتح ملفات للتحقيق في منشورات لأعضاء في حزب فوكس اليميني في إسبانيا التي قد تصنّف ضمن جرائم الكراهية المنظمة.

أسباب تصاعد التمييز

تتعدد الدوافع التي تُفسّر هذا التصاعد في خطاب الكراهية والعنف ضد المغاربة بإسبانيا، أبرزها الشعور الاقتصادي بعدم الأمان بين السكان المحليين الذين يربطون بين الهجرة وأعباء سوق العمل والسكن، وهي رواسب صارت أكثر حدة في أوقات الركود، كما تلعب المنصّات الرقمية دوراً مكشوفاً في الترويج للتحريض والعنف، إذ أفادت تقارير بأن الخطاب الكراهِي لدى المسلمين والمهاجرين في إسبانيا يرتفع خصوصاً في الإنترنت وشبكات التواصل، كذلك التاريخ العنصري والمجهودات القضائية المتعثّرة يعزّزان الشعور بالإفلات من العقاب، فحادثة مشابهة شهدتها مدينة إل إخيدو في الألفية الثانية وكانت مثالاً سابقاً لتمرد عنيف ضد العمال المهاجرين المغربيين. 

تداعيات إنسانية جسيمة

ما يحدث ليس مجرد توتر أمني أو مشكلة محلية صغيرة، بل يحمل أبعاداً إنسانية وحقوقية خطيرة، فالجالية المغربية الكبرى في إسبانيا التي تقترب من مليون نسمة، بحسب مصادر إسبانية، تواجه عراقيل يومية في الوصول إلى الخدمات والاندماج الاجتماعي، إذ أكدت دراسات سابقة أن نحو 64% من الشباب المغاربة في أوروبا شعروا بأنهم تعرضوا للتمييز في السكن أو الوظيفة، وفي إسبانيا خصوصاً نحو 50%، ومن جهة أخرى، أظهرت بيانات حديثة أن عدد الحالات التي تلقت الدعم بسبب تمييز عنصري أو عرقي في إسبانيا ارتفع بنسبة 12.8% في عام 2024، ووصلت شكاوى المغاربة إلى 236 حالة. 

في المناطق التي تشهد توترات مثل مورسيا، تحولت المخاطر إلى واقع ماثل منها استهداف متاجر، تهديدات على وسائل التواصل الاجتماعي، وخروج مجموعات احتجاجية في الشارع تطالب بطرد المغاربة أو نشاطهم من الحي، وقد نصحت جماعات حقوق الإنسان بأن الأمر بات يهدد سلامة الجالية المغربية والحقوق الأساسية لهم، محذّرة من أن التضخيم الإعلامي والموقع الضعيف لأطر الحماية القانونية يمكن أن يؤدي إلى تراكم انتهاكات يشعر بها الشخص اليومي.

الجدل الحقوقي والمنظمات المعنية

ردّاً على الأحداث، دان رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز ومسؤولون مغاربة الخطابات والممارسات العنصرية، ورحّبوا بدعوات إلى ضبط النفس في منطقة طوري باتشيكو، كما طالبوا بفتح تحقيق شامل في التحريض والتنسيق عبر الشبكات الرقمية، وفي هذا السياق، صرّحت وزارة الداخلية الإسبانية بأنها ستضمّ جرائم الكراهية إلى نطاق متابعة وحدات الإرهاب والجريمة المنظمة، وتراقب مجموعات اليمين المتطرف اتباعاً للحوادث الأخيرة.

من الناحية القانونية، تنصّ التشريعات الإسبانية والاتفاقيات الدولية على حظر التمييز باعتباره انتهاكاً لحقوق الإنسان، كما أن مراقبة تحريض الكراهية عبر الإنترنت تشكّل إحدى متطلبات الالتزام الأوروبي، إلا أن المنظمات الحقوقية تحذّر من أن التطبيق القضائي يواجه عراقيل، وأن عدداً من الشكاوى يبقى قيد الانتظار أو يعاد تصنيفها خارج جرائم التمييز.

خلفية تاريخية وعملية

الهجرة المغربية إلى إسبانيا تاريخياً تعود إلى سبعينات وثمانينيات القرن الماضي، مع تسهيلات عمالية في الزراعة والسياحة. ووفق بيانات إسبانية، أُحصي عام 2008 نحو 752695 مقيماً مغربياً قانونياً، غير أن تحولات السوق وأزمات الاقتصاد والهجرة غير النظامية جعلت هذه الجالية عرضة لتوترات مجتمعية متكررة، وفي فبراير 2000 شهدت مدينة إل إخيدو أعمال عنف واسعة ضد المهاجرين المغاربة، حيث خرج مئات المتظاهرين ولوحوا بالعنف والتهديدات، مثالاً سابقاً لما يجري اليوم. 

اليوم، في طوري باتشيكو، حيث يشكل الأجانب نحو ثلث السكان، تُعيد الأحداث إطلاق ناقوس خطر كبير حول مستوى الاندماج ونجاح السياسات المحلية في التصدي للتمييز، وتلوح أمام المجتمع الإسباني أسئلة حول مدى قدرة المجتمع المدني والسلطات على حماية الحقوق وضمان كرامة جميع السكان، ومنهم المهاجرون المغاربة.

خطوات ممكنة للمضي قدماً

المطلوب أكثر من مجرد بيانات أو توقيفات مؤقتة؛ فالإطار القانوني يحتاج إلى تفعيل أوسع، ومنه تسريع التحقيقات في جرائم الكراهية الرقمية وتحفيز ضحايا التمييز على التقدم بالشكاوى، كما أن التعليم والتوعية في المدارس والمجتمع المحلي حول التعايش والمهاجرين ضروريان، جنباً إلى جنب مع دعم عمليات الاندماج الاقتصادي عبر فرص عمل وإسكان آمن للجالية، وفي إطار التعاون الإسباني المغربي، تبرز الحاجة إلى برامج مشتركة لمكافحة العنصرية وتبادل الخبرات، كما حصل عبر مشروع «العيش معاً بلا تمييز» بين البلدين سابقاً.

في الختام، فإن ما يحدث ضد المغاربة في إسبانيا ليس مجرد حادثة طوّرت في بلدة محددة، بل يعكس واقعاً أوسع يتلاقى فيه هاجس الأمن والهوية والسياسات المحلية، مع فشل للعديد من أدوات الحماية الاجتماعية والحقوقية، في حين تستمر الجالية في حمل عبء مزدوج يتمثل في السعي إلى العيش الكريم، والتعامل مع ظلال العنصرية التي تتنوّع بين العنف المعلن والتحامل اليومي، وإذا بقي الأمر على حاله، فإن التوترات لن تضعف، بل قد تمتد لتطول استقرار المجتمعات المحلية والتعايش المشترك.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية