التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية للتغير المناخي ودور "COP28" في تعزيز الاستدامة

رحلة السباق ضد الزمن (6)

التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية للتغير المناخي ودور "COP28" في تعزيز الاستدامة

يظل التغير المناخي هاجسًا ينذر بكارثة لا مثيل لها، حيث تنعكس تأثيراته الاجتماعية والاقتصادية المدمرة على حياة ملايين البشر حول العالم، حيث يتصاعد الفقر والتشرد والحرمان الاجتماعي. 

في ظل هذا السياق الكارثي، يأخذ المؤتمر العالمي للأطراف الثامن والعشرين "COP28" دورًا حاسمًا في تعزيز الاستدامة ومحاولة إنقاذ المجتمعات المتأثرة. 

تحمل الأرقام والبيانات المروعة الدليل على تأثير التغير المناخي الذي يعصف بالبشرية، فقد زادت درجات الحرارة العالمية بمعدل 1.1 درجة مئوية خلال القرن الماضي، وتوقعت منظمة الأرصاد العالمية أن تتجاوز الزيادة 3 درجات مئوية بحلول نهاية القرن إذا استمر التصرف بالنمط الحالي نفسه، وهذا يعني زيادة في تكرار الظواهر الجوية المتطرفة مثل الفيضانات والجفاف والعواصف العنيفة. 

تتعرض المجتمعات المحلية لأثر مباشر لتغير المناخ، حيث يتسبب ارتفاع مستوى سطح البحر في تهديد الساحل البحري والمناطق الساحلية. 

ووفقًا لتقرير "اللجنة الدولية للمناخ"، فإن ما يقرب من 680 مدينة ستكون عرضة للغرق بحلول عام 2100 إذا استمر ارتفاع مستوى سطح البحر بالمعدل الحالي، هذا يعني نزوح الملايين من السكان وفقدان منازلهم وممتلكاتهم، ما يفتح بابًا لموجة جديدة من التشرد والفقر والاضطرابات الاجتماعية. 

ومن الناحية الاقتصادية، يلقي التغير المناخي بظلاله المظلمة على الاستقرار الاقتصادي العالمي. 

ووفقًا لتقرير البنك الدولي، يتوقع أن يكلف التغير المناخي الاقتصاد العالمي 5200 مليار دولار أمريكي سنويًا بحلول عام 2050، وتعتبر الكوارث الطبيعية المرتبطة بتغير المناخ، مثل الأعاصير والجفاف والحرائق الغابات والفيضانات، من أبرز الأحداث التي تتسبب في خسائر اقتصادية هائلة، حيث تُدمر المزروعات والبنية التحتية، والمنشآت الاقتصادية. 

ويأمل المجتمع الدولي أن يلعب المؤتمر العالمي للأطراف COP28 والذي تستضيفه دولة الإمارات نهاية الشهر الجاري دورًا حاسمًا في تعزيز الاستدامة والتصدي لهذه الكارثة المناخية، حيث يجتمع الزعماء والخبراء من مختلف دول العالم للتفاوض على سبل التعاون واتخاذ إجراءات فعالة للتخفيف من آثار التغير المناخي. 

ومن المهم أن يتم تعزيز التزام الدول باتفاقية باريس لعام 2015، وتعزيز الجهود العالمية للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة وتعزيز الاستدامة في جميع القطاعات. 

وأكد محللون هاتفتهم “جسور بوست” أنه إذا لم نتصدَ بجدية للتغير المناخي فإننا نتجه نحو مستقبل كئيب ومحطم، ويجب أن ندرك أن التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية للتغير المناخي هي أكثر من مجرد إحصاءات وأرقام، ويجب أن يكون لدى المجتمع الدولي القدرة والإرادة للعمل بشكل جماعي واتخاذ إجراءات فورية وفعالة لتحقيق الاستدامة وحماية مستقبل الأجيال القادمة.

من هذا المنطلق، تناقش "جسور بوست" في حلقة جديدة من سلسلة "السباق ضد الزمن"، تأثيرات التغيرات المناخية على الجانب الاجتماعي والاقتصادي ودور COP28 في الاستدامة.

تغير المناخ وأحوال البيئة.. الحاجة لوجود ضمير عالمي ومعيار أخلاقي | مجلة  الفيصل

عاصفة التغير المناخي

وعن التداعيات الاجتماعية والاقتصادية للتغيرات المناخية، قال عضو منظمة الفاو، الدكتور نادر نور الدين، إن المنطقة العربية تعيش على وقع عاصفة غير مسبوقة، لكن هذه العاصفة ليست من نوع العواصف الرملية التي تعتادها، إنها عاصفة تغير المناخ، تهدد بتدمير كل ما تقف عليه قواعد المجتمع العربي، ولا شك أن الآثار الاجتماعية والاقتصادية لهذه التغيرات القاتلة تتسع يومًا بعد يوم، وتهدد بتفاقم الفقر وعدم المساواة في المنطقة، خاصة وقد ارتفعت درجات الحرارة في المنطقة بمعدل أسرع من المتوسط العالمي، حيث ارتفعت بمقدار 1.5 درجة مئوية خلال العقود القليلة الماضية، ويُتوقع أن تستمر في الارتفاع. 

وأضاف نور الدين في تصريحات لـ"جسور بوست"، تعاني المنطقة العربية من ندرة الموارد المائية، وتزداد تحديات المياه مع تزايد التغيرات المناخية، وحذرت من ذلك تقارير الأمم المتحدة للتنمية، ومن جانبها وضّحت مرارا أن نصف سكان المنطقة العربية معرضين لخطر نقص المياه بحلول عام 2050 إذا استمرت الاتجاهات الحالية، وبالطبع هذا يهدد الأمن المائي والزراعة والصحة والنمو الاقتصادي، ويزيد من حدة التوترات الاجتماعية. 

الدكتور نادر نور الدين

واستطرد: تتعرض المنطقة العربية أيضًا لتزايد الكوارث الطبيعية المرتبطة بالتغير المناخ وتكرارها، مثل الفيضانات والجفاف والعواصف الرملية، وبلغت تكاليف الكوارث الطبيعية في المنطقة العربية نحو 12 مليار دولار سنويًا، ولا شك أن هذه الكوارث تتسبب في خسائر هائلة في البنى التحتية والممتلكات والمحاصيل الزراعية، ما يعيق التنمية الاقتصادية ويزيد من حدة الفقر، ومن الناحية الاقتصادية، يتعرض النمو الاقتصادي في المنطقة العربية أيضًا لتهديد كبير نتيجة للتغير المناخي. 

دور COP28

وعن دور COP28 في مواجهة التحديات المتزايدة لتغير المناخ اجتماعيًا واقتصاديًا قال الإعلامي الإماراتي، يوسف الحداد، إن خطورة الأمر أدركته الإمارات مبكرًا ولذا حرصت على مواجهته بكل السبل، ونحن هنا أمام أقوى طريقة لمواجهتها وهي مؤتمر الأطراف الثامن والعشرون (Cop28) كأمل جديد للعالم، ففي هذا الحدث البارز سيتم تبادل الأفكار واتخاذ إجراءات جادة للتصدي لهذه الأزمة العالمية، ولكن هل يمكن لـCop28 أن يكون النقطة المحورية التي تغير مسار التغير المناخي وتسهم في تحقيق تنمية مستدامة اجتماعيًا واقتصاديًا؟ نعم وبنسبة كبيرة ونجاح ساحق.

وأضاف الحداد في تصريحات لـ"جسور بوست": ذلك لأن التوجيهات والمبادئ القائمة على Cop28 هي فرصة أولًا فرصة لزيادة الوعي المجتمعي بأهمية التغير المناخي وتأثيراته الاجتماعية والاقتصادية، وكل يوم نقرأ تقريرا يفيد بأن التعليم القائم على التغير المناخي أداة قوية لتمكين الشباب والمجتمعات في مواجهة هذا التحدي، والإمارات تخطط لأن يركز Cop28 على تعزيز برامج التوعية والتعليم المناخي في جميع أنحاء العالم، أيضًا الاستثمار في مجالات مقاومة التغير المناخ وتكييفه فرصة لتعزيز التنمية المستدامة.

يوسف الحداد

وأكد أن خطورة التأثيرات الاجتماعية ستكون قاسية، حيث إنها تلعب دورًا في تفاقم الفقر وعدم المساواة الاجتماعية، ويمكن أن يؤدي الارتفاع المتوقع لمستوى سطح البحر إلى فقدان المنازل والمصادر الزراعية والتهجير القسري للمجتمعات الساحلية، كذلك يمكن لـCop28 أن يعزز التكافل الاجتماعي من خلال تبني سياسات تحمي الفئات الضعيفة وتعزز التكيف والمرونة في مواجهة التغير المناخي، أيضًا فإن ذلك سيزيد من فرص عمل جديدة في قطاعات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا البيئية، حيث يمكن أن تنشأ نحو 30 مليون وظيفة جديدة في قطاع الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، ويمكن لـCop28 التشجيع على الاستثمار في هذه الفرص الواعدة لخلق مجتمعات مستدامة اقتصاديًا واجتماعيًا. 

وأتم: مؤتمر Cop28 يمثل مناسبة فريدة للدول الأعضاء في الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ للعمل سويًا واتخاذ إجراءات حازمة لمواجهة التحديات المناخية، كما يمكن أن يسهم في بناء مستقبل مستدام اجتماعيًا واقتصاديًا. 

دور الإمارات في مواجهة التغيرات المناخية

وبدورها، قالت الإعلامية التونسية، ريم بن خليفة، إن تأثير التغيرات المناخية طال الدول العربية والعالم كله، ولكننا على اعتبار أننا دول نامية كان التأثير أكبر وأسرع، ومن الدول العربية التي أدركت ذلك وحاولت التصدي له، كانت الإمارات، ونجحت نجاحات ملموسة في الجانب الاجتماعي والاقتصادي، لقد برزت الإمارات كدولة تتبنى استراتيجيات واضحة ومبتكرة لمواجهة هذا التحدي العالمي، كما تحظى الإمارات بسمعة دولية رائدة في مجالات الابتكار والتنمية المستدامة، وتعمل جاهدة لتطوير تكنولوجيا الطاقة المتجددة وتعزيز الوعي المجتمعي بأهمية التغير المناخي. 

وأضافت في تصريحات لـ"جسور بوست": تعتبر الإمارات ذات رؤية استراتيجية واضحة لمواجهة التغير المناخي، حيث أطلقت استراتيجية الطاقة المستدامة 2050 بهدف زيادة نسبة الاعتماد على الطاقة المتجددة وتحقيق التنمية المستدامة، كما أنها أصدرت مجموعة من التشريعات والسياسات التي تعزز استدامة البيئة وتحفز على الابتكار في مجال الطاقة المتجددة وتحسين كفاءة الاستهلاك في الطاقة، وتضم الإمارات مجموعة متنوعة من المناظر الطبيعية الفريدة، بما في ذلك الصحاري والجبال والسواحل، وتعتبر هذه التنوعات البيئية استدامة مهمة للتوازن الاقتصادي والاجتماعي، ووفقًا للبيانات الرسمية تعمل الإمارات على تنمية واستخدام التكنولوجيا البيئية المبتكرة، مثل محطات الطاقة الشمسية ومحطات طاقة الرياح، للحد من انبعاثات الكربون وتعزيز الاستدامة البيئية. 
 

ريم بن خليفة

واستطردت: تواجه الإمارات تحديات فريدة بسبب مناخها القاسي وارتفاع درجات الحرارة، وتعتبر تكيفها مع هذه التحديات أمرًا حاسمًا، وقد ساهمت الإمارات في تطوير التكنولوجيا العالية لتحسين مرونة البنية التحتية والمباني، ما يساعد في تقليل استهلاك الطاقة والمياه وتحسين كفاءة البنية التحتية لمواجهة التحديات المناخية، ووفقًا للبيانات الرسمية وما يُعرف أيضًا، تُعتبر الإمارات دولة رائدة في تعزيز الوعي المجتمعي بالتغير المناخي وأهمية الاستدامة، وتُنظَم مجموعة واسعة من الحملات التوعوية والفعاليات التعليمية لزيادة الوعي بين الجمهور وتشجيع التحول نحو أساليب حياة مستدامة. 

وأكدت ريم ضرورة تضمين قضايا التغير المناخي في المناهج الدراسية في المدارس والجامعات للتأكيد على أهمية هذا الموضوع وتشجيع الأجيال القادمة على المساهمة في حل المشكلة، وهذا وإن كانت العديد من الدول العربية تفعله إلا أن التعميم مطلوب.
 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية