بمناسبة مرور 75 عاما على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

كمال المشرقي لـ«جسور بوست»: حرب غزة كشفت ازدواجية المعايير وغياب العدالة الدولية

كمال المشرقي لـ«جسور بوست»: حرب غزة كشفت ازدواجية المعايير وغياب العدالة الدولية
كمال المشرقي

في لحظات الظلم والعدوان، عندما تتلاشى الأصوات البشرية في ضجيج القوة والتطرف، يظل اليوم العالمي لحقوق الإنسان واحة من النور في عتمة الظلام. 

يوم يسطع فيه الأمل والمثالية الإنسانية كشمسٍ لا تدركها الغيوم، يتجمع فيه العالم بأكمله للتأكيد على أهمية الحقوق الأساسية لكل إنسان وللتضامن مع المظلومين والمضطهدين في كل ربوع الأرض. 

واليوم تلتقي “جسور بوست” مع مدير المعهد الإقليمي لحقوق الإنسان وسفير حقوق الإنسان في الأردن، كمال المشرقي، لتجاوز الحدود الجغرافية والزمانية ومناقشة التحديات التي تعصف بتأثير حقوق الإنسان في ظل الأحداث العالمية المتلاحقة. 

نجلس بين جدران هذا الحوار، كأننا في مسرحٍ ساحر، حيث تتراقص الكلمات على أوتار الحقيقة والواقع، وتتعالى بألحان العدالة والإنصاف، وتنطلق أصوات الصراخ والأنين من أرض غزة المنكوبة، حيث تحاصرها الحروب والصراعات المتواصلة، لتكون شاهدةً على واحدة من أكثر المناطق تأثرًا بانتهاكات حقوق الإنسان. 

ولا يقتصر تأثير الأحداث العالمية على غزة فحسب، بل يشمل مناطق الصراع المختلفة حول العالم، فالحروب والصراعات تمتزج فيها الألوان الداكنة للظلم والقمع، وتستعر فيها رياح الفوضى والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، إنها صرخة الأطفال اليائسة في سوريا، وجراح النازحين في اليمن، ومعاناة اللاجئين في أفغانستان، وأماني الشعوب المضطهدة في العديد من البلدان حول العالم. 

في هذا السياق، يأخذنا كمال المشرقي في رحلة معرفية مثيرة، يستعرض فيها تأثير الأحداث العالمية على حقوق الإنسان ويكشف لنا عن الجهود المبذولة لحماية هذه الحقوق وإحقاق العدالة، إنه رمزٌ للأمل والتغيير، يعبق بروح المسؤولية والمثابرة. 

وفي ظل هذه الأحداث العالمية المتلاحقة، يتحدَّث كمال المشرقي عن أهمية العمل المشترك والتعاون الدولي لحماية حقوق الإنسان وتعزيز قيم العدالة والتسامح.. يسلط الضوء على أهمية تعزيز الوعي العام بحقوق الإنسان، وضرورة تكثيف الجهود الدولية للتصدي لانتهاكات هذه الحقوق ومحاسبة المسؤولين عنها.

فإلى نص الحوار:

- كيف يمكننا تقييم التقدم العالمي في مجال حقوق الإنسان؟ وما المؤشرات الرئيسية التي يمكننا استخدامها لقياس التقدم في هذا المجال؟

مفهوم تقييم التقدم العالمي في مجال حقوق الإنسان يعتمد بالدرجة الأولى على فهم القواعد والقيم الأساسية المعنية بحقوق الإنسان ومدى تطبيقها على الأرض.. على الرغم من التطورات الكبيرة في مجال حماية حقوق الإنسان على المستوى العالمي فإننا نرى بأن هناك ازديادا في انتهاكات حقوق الإنسان، وعلى العكس أصبحنا اليوم أمام مفترق طرق في مسألة حماية حقوق الإنسان وفي ظل استمرار واستدامة بشاعة الانتهاكات القائمة، لا سيما ما نشهده هذه الأيام من تدني مستوى الحقوق والحريات على مستوى العالم. 

شاركت شعوب العالم نضالات عظيمة وقامت ثورات وتضحيات من أجل مبادئ وقيم حقوق الإنسان، وحافظت العديد من الحضارات على توازناتها في مجال حقوق الإنسان، غير أننا رصدنا غيابا لمعايير العدالة، والعدالة العالمية ما نقصده، فالدول الكبرى انخرطت جبرا في حماية حقوق الإنسان إلا أنها في ذات الوقت تعتبر من أدوات انتهاكات حقوق الإنسان في دول وشعوب أخرى، ما جعل هذه المنظومة بين ازدواجية المعايير والمصالح القائمة في كفة، والالتزام بالقيم والمبادئ السامية في كفة أخرى، ما جعلنا نشعر بأننا في تقييم هذه المنظومة نحتاج لأدوات تختلف عن تلك الأدوات التي تسهم أصلا في بناء المجتمعات وتحضرها وسعيها للعيش الكريم.

- ما أكبر التحديات التي تواجه حقوق الإنسان في الوقت الحالي؟ وهل هناك انتهاكات معينة تستحق اهتمامنا الفوري؟

في مجال حماية حقوق الإنسان لا يمكن القول إن هناك تحديات كبيرة وتحديات صغيرة، فجميع الانتهاكات تؤثر على الحقوق والحريات كبرت أو صغرت، وبالتالي فإن عدم احترام وحماية الحقوق الحريات الأساسية وعدم قبول الاختلاف والتنوع هي التي تشكل تحديا كبيرا في مجال حقوق الإنسان.

غير أن هناك مظاهر سلبية تسهم بشكل كبير في تقويض حالة حقوق الإنسان وتزيد من الانتهاكات ولا سيما ازدياد الحروب والصراعات والنزاعات، وكذلك غياب الديمقراطية والإفلات من العقاب وغيرها من التحديات. 

وهناك أيضا تحديات تواجه حقوق الإنسان وهي التغير المناخي الذي يؤثر ويهدد بشكل خطير منظومة حقوق الإنسان والتنمية المستدامة.

 - كيف يمكن للمجتمع الدولي والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية العمل معاً لتعزيز حقوق الإنسان في ظل التحديات الراهنة؟

اللغة المشتركة بين جميع المجتمعات هي الحقوق، ومن غير المقبول والمعقول أن تختلف على حقوق الإنسان وبالتالي فعليها جميعها أن تكون هي الفاعلة في دعم قضايا حقوق الإنسان، فهناك أدوار مطلوبة حتى تكتمل العملية، فمثلا على الحكومات أن تقوم بتعزيز مسؤوليتها في ضمان احترام حقوق الإنسان من خلال سلطاتها الموجودة التنفيذية والتشريعية والقضائية وكذلك إشاعة ثقافة احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. 

وعلى المنظمات غير الحكومية تطوير النهج القائم بالرصد والرقابة على أداء السلطات الموجودة، وكذلك بدورها في تعزيز ثقافة حقوق الإنسان، والمجتمع الدولي عليه العمل على تهيئة البيئة المناسبة لدعم منظومة الحقوق والحريات وعلى توفير الأدوات الدولية، بالعمل على مسؤولية الدولة الدولية وضمان تفعيلها، وخصوصا من جانب توفير مظلة الحماية وتفعيلها على الأرض والمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب، وإلى ضمان دعم حقوق الشعوب جميعها بنوع من المساواة والعدالة وخصوصاً بحق الشعوب في تقرير مصيرها.

- ما دور وسائل الإعلام في تعزيز الوعي بحقوق الإنسان والكشف عن انتهاكاتها؟ وهل هناك تحديات تواجه عمل الصحفيين في هذا الصدد؟

تعتبر وسائل الإعلام من أهم الأدوات القائمة في تعزيز حماية واحترام حقوق الإنسان، وهي آلية من الآليات القائمة بحد ذاتها لأن تكون آلية حماية فعالة، وخصوصا من جانب فضح الانتهاكات وكذلك بالعمل على مراقبة الأدوات الموجودة في حماية حقوق الإنسان على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي. 

ومن أهم التحديات التي تواجه عمل الصحفيين تضييق الحيز المتاح لهم بالعمل بحرية من أجل إنجاز مهامهم في مجال حقوق الإنسان وعدم توفير الحماية لهم أنفسهم سواء من خلال الممارسات القائمة واستهدافهم، وكذلك التقييد الذي يواجه الصحفيين بوجود تشريعات تقيد عملهم وتضيق من الحريات، ناهيك عن عدم توفير الدعم المادي الكافي لهم وعدم تزويدهم بالأدوات التي تواكب تطورات العمل الصحفي، وأيضا ضعف التمكين والتكوين والتأهيل في مجال حماية حقوق الإنسان وتعريف الصحفيين بدورهم في مجال حقوق الإنسان.

- كيف يمكن للتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي أن تلعب دوراً في تعزيز حقوق الإنسان والتعبير عن الرأي؟ وهل هناك خطورة من سوء استخدام التكنولوجيا في هذا السياق؟

المجتمعات بطبيعتها في تطور مستمر، وعليه فإن توفير منصات التواصل وتطور تكنولوجيات المعرفة وتبادل المعلومات بحرية ساهمت بشكل كبير في توفير مساحات جيدة لتعزيز حالة حقوق الإنسان، ومن وجهة نظري لا يوجد أية خطورة في هذه التطورات التكنولوجيا وحرية تداول المعلومات والوصول إليها بشكل يسير، وتبقى المعضلة الوحيدة هي تعزيز مفهوم المسؤولية والمساءلة باستخدام مثل هذه التطورات، فنحن لن نقبل بأن تكون هذه التكنولوجيا ذريعة للتدخل في مجال حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير وغيرها من الحقوق الأساسية التي يجب أن يتمتع بها كل كائن بشري، فنعود إلى الأساسيات والتهيئة والتنشئة الاجتماعية، فمن غير المقبول أن تكون هناك تشريعات تحد من الوصول إلى المعلومات والتكنولوجيا وحتى وسائل التواصل الاجتماعي، فالعالم أصبح كرة شفافة يستطيع الجميع أن يرى ما يجري في العالم، فلندع للبشرية مجالا لأن تكون هي المحور الرئيسي في حماية نفسها من خلال الإقرار العالمي بأن الجميع مسؤولون عن حماية العالم ذاته دون أي تدخل أو تقييد أو حرمان من التمتع بالحقوق والحريات الأساسية.

 - ما أهمية توفير التعليم والتثقيف حول حقوق الإنسان، وكيف يمكن تحقيق ذلك على المستوى العالمي؟

التعليم هو الجوهر الأساسي في صيانة وحماية الحقوق والحريات الأساسية وهو الجوهر في مجال رفع الوعي والتثقيف في مجال حقوق الإنسان وحجر الزاوية في تكوين المجتمعات وضمان مسؤوليتها، ويمكن أن يتحقق على مستوى عالمي بضمان قيام الدول بدورها في تعزيز منظومة التعليم وتحسين جودته ونوعيته من جانب، ومن جانب آخر توفير الدعم المناسب والعودة إلى التعليم العمومي وإعلان مسؤولية الدولة في ضمان حماية وإعمال الحق في التعليم، وكذلك على المجتمعات أن تقوم بدورها في توفير التمويل للتعليم وخصوصا في الدول التي تشهد ضعفا وتلك التي تعاني من الأزمات والصراعات، وأن يتم إعلان أن التعليم للجميع هو حقيقة وليس شعارا.

 - هل يمكننا التفكير في حقوق الإنسان كقضية عابرة للثقافات والتقاليد؟ أم أن هناك تحديات في تطبيق مفهوم حقوق الإنسان في بعض الثقافات والمجتمعات؟

حقوق الإنسان هي أصل الثقافات والحضارات والديانات والمجتمعات، فهي التي ساهمت في تطور الحضارات على مدار العصور جميعها منذ خلق البشرية، غير أن الظلم والاستبداد لبعض البشر أدى إلى تقييد حقوق الإنسان الذي شعرت به المجتمعات في أوقات متأخرة، ما جعلها تفكر بالنضال وكسر القيود حتى تنال حقوقها وحرياتها وهذا ما جرت عليه طيلة العصور حتى وصلنا لهذه النقطة التي نتحدث فيها عن حقوق الإنسان في مجتمعاتنا الآن، والتي لم تزدهر لولا أجيال سبقتنا بنضالها وفكرها وثقافتها، حتى أصبحنا نرى أن حقوق الإنسان هي الأساس والجوهر في ديمومة الحياة واستمرارها وضمان العيش الكريم.

- ما دور المنظمات غير الحكومية والمدافعين عن حقوق الإنسان في توفير الدعم والحماية للمجتمعات المهمشة والضعيفة؟

يلعب المدافعون والمدافعات عن حقوق الإنسان دورا كبيرا في مجال حماية حقوق الإنسان، فهم الذين بذلوا الغالي والنفيس من أجل مجتمعاتهم ومن أجل الدفاع عن قضيتهم الأولى وهي حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية لجميع فئات المجتمع، فلو أن جميع البشر يتمتعون بحقوقهم وحرياتهم الأساسية التي كفلها لهم الله سبحانه وتعالى بأن جعل البشر خلفاءه في الأرض لما كان لوجودهم معنى، ولكن التقييد ووجود الظلم والاستبداد والمصالح الخارجة عن الأعراف والقوانين هي التي ساهمت في تعزيز أدوار المنظمات غير الحكومية والمدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، وبالتالي على جميع الدول والمجتمعات العمل على توفير الحماية لهم وتوفير الجو المناسب وتهيئة المساحات الكافية لهم والدعم الكافي حتى نضمن بأنهم يقومون بواجبهم في ضمان وتعزيز حقوق الإنسان.

 - كيف يمكن للقانون والمؤسسات القضائية أن يلعبا دوراً فعالاً في ضمان حقوق الإنسان وتحقيق العدالة؟ وهل هناك تحديات في تنفيذ القوانين المتعلقة بحقوق الإنسان؟

القانون والمؤسسات القضائية المستقلة والنزيهة هي صمام الأمان لضمان احترام وحماية حقوق الإنسان، وبالمناسبة إن كنا نتحدث عن القوانين الوطنية فهي الأولى في التطبيق من الناحية العملية، ولكن بشرط أن تكون هذه القوانين قائمة على نهج حقوق الإنسان وتتكون من عناصر كاملة في ضمان حماية واحترام حقوق الإنسان ولا يشوبها النقص أو العيب وإلا فإن البحث عن مدى مواءمتها مع الالتزامات الدولية الواردة في الاتفاقيات الدولية هو الأولى في التطبيق على الأرض.. والمطلوب من السلطات القضائية العمل على ضمان تطبيق التشريعات التي تحمي الحقوق والحريات سواء أكانت تلك الوطنية من جانب التكامل مع التشريعات التي تحمي الحقوق أو من خلال البحث عن سمو القاعدة القانونية الدولية التي توسع من نظرية الحقوق والحريات الأساسية وإعمالها في النظام القضائي. 

-ما أبرز النجاحات التي تحققت في مجال حقوق الإنسان على مستوى العالم؟ وما الدروس التي يمكننا استخلاصها من هذه النجاحات لتعزيز المزيد من التقدم في المستقبل؟

هناك نجاحات كثيرة تحققت في مجال حقوق الإنسان أهمها إبراز قضايا حقوق الإنسان على الصعيد الدولي وبأنها أصبحت نهجا قائما بحد ذاته تبغيها جميع الشعوب، ودخول حقوق الإنسان مظلة القانون الدولي وتقنينه بوجود اتفاقيات قانونية ملزمة هي بحد ذاتها نجاحا.. وكذلك وجود هيئات دولية أصبحت متخصصة في مجال حماية حقوق الإنسان على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي أيضا تعد نجاحا. 

توسيع دائرة ثقافة حقوق الإنسان والتوعية بالحقوق الحريات الأساسية أصبحت دروسا في الحياة.. بل أصبحت الدول الآن مسؤولة عن توعية الأفراد بحقوقهم وحرياتهم الأساسية سواء من خلال المناهج في الجامعات أو المدارس.. وكذلك بالعمل على تعديل تشريعاتها الدستورية والقانونية بما يتناسب مع معايير حقوق الإنسان.. وتوفير القواعد القضائية والمؤسسات الداعمة لنهج حقوق الإنسان.. هذه كلها تعد من النجاحات في مجال حقوق الإنسان. 

ومن الدروس المهمة أن حقوق الإنسان هي الأساس في بناء المجتمعات وتحضرها ويجب العمل على تعزيز منظومة الحماية وتوسيعها على أوسع نطاق.. والعمل على تحسين وتطوير منظومة المحاسبة والمسؤولية في مجال إعمال الحقوق والحريات الأساسية.

-ما تحديات حقوق الإنسان التي يواجهها سكان غزة في ظل النزاعات والحروب المستمرة؟ وكيف يمكننا تعزيز حماية حقوق الإنسان في هذا السياق؟

يعاني سكان غزة من أبشع انتهاكات حقوق الإنسان والتي لم نسمع بها أو نقرأ عنها حتى في العصور الوسطى والمتخلفة؛ فالكيان الصهيوني لا يمثل حالة إجرام حقيقية فحسب فهو أيضا يعد مصدر خطر على جميع البشرية يجب العمل على وقفه.. فلا يعقل أن يقوم هذا الكيان المغتصب المحتل بتقويض كل النضالات العالمية وحركات التحرر وكل التضحيات التي قدمت على مدار العصور من أجل مشاريعه الاستعمارية الزائفة، فلم تعد المجتمعات البشرية تسمح بأن تكون هناك فئة خارج عن سياق فكرة احترام حقوق وحريات البشر. 

هذا الكيان خطر على المجتمعات وخطر على استدامة الحياة على الكرة الأرضية بتصوره أنه هو من يتسيد العالم بقوته وتحالفاته البائسة وأن يقوم بإبادة المجتمعات حتى يبقى هو.. فمن غير المتصور أن يبقى هذا الكيان المغتصب يدمر ويقتل الأطفال والنساء وكبار السن ويعتدي على جميع فئات المجتمع، فلم تسلم منه حتى المدارس والجامعات ودور العبادة وحتى المقابر، فلا بد للعالم أن يوقف آلة القتل هذه وأن يقوم بمحاسبة مجرمي الحرب من هذا الكيان المغتصب، وأن تقف جميع شعوب العالم مع سكان غزة لوقف آلة القتل ودعمهم بتوفير سبل الحياة لهم ودعم حقهم في تقرير مصيرهم.

-ما المسؤولية الدولية تجاه الوضع في غزة وحقوق الإنسان فيها؟ وهل تعتبر المؤسسات الحقوقية الدولية قوية بما يكفي للتعامل مع هذا النوع من الأزمات؟

جميع الدول في العالم عليها أن تعي أن مسؤوليتها قائمة تجاه الوضع في غزة، فسكان غزة وأهلها يقومون بواجبهم تجاه حماية العالم كله في هذه الظروف الصعبة، فالكيان الصهيوني هو آخر مظهر من مظاهر الاستعمار في العالم، وعلى الجميع العمل على اجتثاثه لأنه يشبه السرطان الذي ينتشر بصورة خبيثة في العالم، ويجب أن تتصدى كل شعوب العالم له، وأن تقوم جميع الدول بالوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني الذي يسعى لنيل حريته وحقه في تقرير مصيره.

طالما أن هناك سياسة استعمارية قائمة في دعم الكيان الصهيوني ستبقى المؤسسات الحقوقية الدولية عاجزة عن القيام بمهامها ووظائفها، وعليه بداية وقف آلة القتل حتى يتسنى التفكير بأدوات قانونية جديدة ملزمة تسهم في حماية حقوق الإنسان على الصعيد الدولي وتوفير الحيز المتاح للمؤسسات الدولية بأن تضطلع بمسؤوليتها تجاه حماية حقوق الإنسان.

-لماذا تظهر المؤسسات الحقوقية الدولية أحياناً بمواقف ضعيفة أو مترددة في التعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان في الصراعات المسلحة؟ وهل هناك توازن صعب بين العمل السياسي والعمل الإنساني بالنسبة لهذه المؤسسات؟

 نعود للحديث عن أثر التكوينات السياسية في الحد من العمل الإنساني، فالأداة السياسية يجب أن تكون داعمة لمنظومة الحقوق والحريات لا أن تكون أداة يتم استغلالها من أجل مصالح سياسية، فلا يصور موقف سياسي ضد دعم قضايا إنسانية فإن حصلت تعتبر هذه الأدوات السياسية شريكة في الجرائم التي تمس الإنسانية ويجب أن تتم محاسبة أي طرف سياسي يعمل لمصالحه ولا يعمل للمصلحة الإنسانية.

وعليه فإننا نقول في هذا الصدد: يجب العمل على إصلاح المنظومة القائمة لأن تكون منظومة إنسانية ملزمة وتبتعد عن المصالح السياسية التي تؤثر على تكوين وفكر وعمل حقوق الإنسان

-ما دور ومسؤولية وسائل الإعلام في كشف وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان في غزة والحروب الأخرى؟ وهل تواجه التحديات في الحصول على المعلومات ونقلها بشكل دقيق وموثوق في هذه السياقات؟

ذكرت أن الإعلام من أهم الأدوات الموجودة في ضمان حماية حقوق الإنسان، والعمل على فضح الانتهاكات، فهو الذراع القائمة الآن لنقل الوقائع بكل نزاهة ومصداقية وبعيدا عن الانتهازية والتحيز لأن حرب غزة تمثل نموذجا حقيقيا لشعب يطالب بنيل استقلاله وإقامة دولته، فهذه قضية عادلة على الإعلام أن يبرزها بشكل مهني يخلو من أي تجاذبات أخرى أو غير هذه الصورة، وعلى الإعلام أن يتحرى الدقة وأن ينشر الحقيقة التي تسهم في فضح انتهاكات الكيان المحتل ضد الشعب الفلسطيني وأن يعري جرائمهم ضد من يطالبون بحقوقهم وحرياتهم.

وطالما أن هناك محتلا ومغتصبا فستكون هناك تحديات تواجه وسائل الإعلام من جانب استهداف الإعلاميين الذين يقومون بأداء رسائلهم السامية في فضح الانتهاكات.. وكذلك يبث الكيان سمومه وشائعاته حتى يستغل الجاهلين ليبقي أدوات قتله قائمة، وعلى الإعلاميين تحري الدقة وعدم الانجذاب لشائعتهم وعليهم أن يقوموا بنقل الأخبار من الشعب الثائر الذي كسر القيود مطالبا بحقوقه المشروعة.

-كيف يمكن للمجتمع الدولي أن يعزز التحقيقات المستقلة والشفافة في انتهاكات حقوق الإنسان خلال الحروب؟ وهل هناك حاجة إلى آليات جديدة لتعزيز المساءلة وتقديم العدالة للضحايا؟

هل لا تزال جرائم الكيان الصهيوني المغتصب تحتاج لتحقيقات، فالحقيقة قائمة ولا مجال للشك فيها بأن هناك آلة قتل موجودة وقائمة، وعلى العكس فهي تبتكر أبشع الطرق والوسائل والتنكيل بالشعب الفلسطيني وأصبحت تفكر بتجارب قاسية لأسلحة محرمة دوليا. 

على المجتمع الدولي أن يضطلع بمسؤوليته تجاه حماية الشعب الفلسطيني بالدرجة الأولى ووقف القتال بحق الشعب الفلسطيني وبحق المدنيين الذين لا حول لهم ولا قوة سوى أنهم شعب تحت حكم كيان محتل لا يعترف بأبسط الحقوق بأن هذا الشعب له الحق في الحياة والبقاء، بل إننا نرى أن هناك عدداً من الدول المستبدة تسهم في دعم هذا الكيان ومده بالأسلحة والأدوات والوسائل لينكل بالشعب الفلسطيني أشد تنكيل، ومن وجهة نظرنا فإن هؤلاء شركاء مع الكيان الصهيوني المحتل وتجب محاسبتهم، وبالمناسبة هذه الجرائم التي تُمارس بحق الشعب الفلسطيني هي جرائم قائمة بحد ذاتها ولا تسقط بالتقادم مهما طال الزمان.

-ما تأثير الحروب المستمرة على الأطفال والنساء في مناطق النزاع، وما الإجراءات التي يجب اتخاذها لحمايتهم وتلبية احتياجاتهم الأساسية والنفسية؟

النساء والأطفال من الفئات المحمية بموجب القوانين والاتفاقيات والعرف الدولي ولا يجوز بأي شكل تعريضهم للخطر، ويجب العمل على توفير السبل الناجعة بضمان حمايتهم وحماية المدنيين في الصراعات والنزاعات، فلم تعد هذه الحروب والصراعات بمنأى عن أنسنة الصراع والنزاع بأي شكل من الأشكال ولا يجوز تبرير الانتهاكات الواقعة على المدنيين، وعلى أطراف النزاع العمل على ضمان حماية المدنيين وخصوصا الفئات من النساء والأطفال. 

ويجب العمل على تحييدهم وعدم انخراطهم بالنزاع والعمل على توفير الأماكن والممرات الآمنة لهم وتوفير كل الدعم لهم سواء من خلال توفير الأماكن الآمنة وتوفير الغذاء والنواحي الصحية.. وتوفير الحماية للمدارس والمستشفيات والأعيان التي يجب المحافظة عليها والعمل على توفير الدعم النفسي لهم لضمان تخطيهم صدمات الحروب وتهيئة لظروف ما بعد هذه الصراعات والنزاعات لهم والشفاء من كل هذه المظاهر المؤلمة، والعمل على خلق بيئة إيجابية لهم لعودتهم إلى الظروف الطبيعية.

-هل يمكن تعزيز دور المنظمات غير الحكومية والجمعيات المحلية في تعزيز حقوق الإنسان في المناطق المتضررة من الحروب؟ وما التحديات التي تواجهها هذه المنظمات في تقديم المساعدة والحماية؟ 

المنظمات غير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني هي صمام الأمان في المناطق المتضررة من الحروب.. وهي التي تستطيع أن تقود المرحلة القادمة بتهيئة المجتمعات للتعافي من هذه الأزمة، وكذلك فإن بيدها أن تقوم بإرساء قواعد الأمن والسلم المجتمعي وأيضا أن تلعب دورا في التعافي من كل هذه المظاهر البائسة والقيام بإعادة إعمار المجتمع بما يلزم وبما يحقق النفع العام ولجميع الفئات المتضررة.. وأعتقد أن هذه المؤسسات قادرة باستقلالها ونزاهتها وحيادها أن تصنع قواعد جيدة في التطلع نحو المستقبل، وعلى جميع المجتمعات العمل على توفير الحيز لهذه المؤسسات وتوفير الدعم لها والتحرك بحرية وسهولة لضمان القيام بدورها بتقديم المساعدات الإنسانية والحماية لجمع الأفراد.

- ما الدروس التي يمكننا استخلاصها من تجربة غزة وغيرها من المناطق المتضررة من الحروب؟

قلتها ونقولها الآن بأن تجربة غزة هي تجربة فريدة من نوعها، فهي كشفت هشاشة المنظومة القائمة في حماية حقوق الإنسان، وتجربة غزة هي التي ستقوم بتغيير المفاهيم الدولية في إطار الحماية والعمل على تعزيز حقوق الإنسان وحرياته الأساسية بصورة أشمل وأوسع. 

فتجربة غزة جردت جميع الأنظمة من أقنعتها، فلا، لم يعد الآن شيء اسمه الكيل بمكيالين أو ازدواجية المعايير في حقوق الإنسان، فتجربة غزة حددت أن معايير المساواة والعدل والحرية هي المعايير الثابتة، وغيرها لا وجود لها في عالم الإنسانية.

وكلنا ثقة بأن العالم كله سيشهد التغيير في منظومة القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الجنائي بل ستشهد البشرية ولادة منظومة لا تقبل القسمة ولا التجزئة على أي شعب من شعوب العالم، فالشعوب هي من ستقود العالم نحو احترام الحقوق والحريات الأساسية ولن ترضى بأي مظهر من مظاهر الظلم والاستبداد، وستصبح هذه الأنظمة بحكم الزوال وستنهض الشعوب لدعم قضايا الحقوق والحريات الأساسية التي يجب أن يتمتع بها جميع البشر.

 يحتفل العالم سنويا باليوم العالمي لحقوق الإنسان يوم 10 ديسمبر وذلك إحياء لذكرى اليوم الذي اعتمدت فيه الجمعية العامـة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر 1948 بوصفه المعيار المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه جميع الشعوب والأمم.. وتركز الأمم المتحدة احتفالية العام الجاري 2023 على الكرامة والحرية والعدالة للجميع.

 

 

 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية