رحلة البيئة في 2023: تحديات مستعرة وحقوق مهددة
رحلة البيئة في 2023: تحديات مستعرة وحقوق مهددة
اكتسبت قضايا البيئة وحقوقها أهميةً كبيرة في جدول أعمال العالم.. 2023 كان عامًا حافلاً بالتحديات البيئية المستعرة.
حيث ارتفعت درجات الحرارة العالمية بشكل مقلق، وتجاوزت المعدلات التاريخية بنسبة تصل إلى 1.2 درجة مئوية، وقد أدى ذلك إلى زيادة تكرار الأحداث المناخية المدمرة، مثل الأعاصير والفيضانات والجفاف.
وفقًا للإحصائيات، شهدنا ارتفاعًا ملحوظًا في حدوث الكوارث الطبيعية، حيث بلغ إجمالي الخسائر الاقتصادية الناجمة عنها أكثر من 100 مليار دولار.
ويتجاهل البعض تأثير النشاط البشري على البيئة، لكن الأرقام والإحصائيات تروي قصةً مختلفة.
نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي وصلت إلى مستويات قياسية بلغت 420 جزءًا في المليون، ما يعني زيادة في الاحتباس الحراري وتغير المناخ.
وتُظهر الأرقام أن 70% من التلوث البلاستيكي في البحار يعود إلى الأنشطة البشرية، وأن حوالي 80% من الغابات الاستوائية قد تم تدميرها بسبب توسع الزراعة وتجارة الأخشاب.
ويعاني العديد من الشعوب والجماعات الأصلية من فقدان الموارد الطبيعية التي تعتبر مصدرًا أساسيًا لثقافتهم ونمط حياتهم.
ووفقًا لتقرير حقوق الإنسان البيئية لعام 2023، تم تسجيل أكثر من 300 حالة قتل للنشطاء البيئيين والمدافعين عن حقوق البيئة في جميع أنحاء العالم، ما يشير إلى تصاعد حالات العنف والتهديدات التي يواجهها هؤلاء الأفراد بسبب نضالهم من أجل الحفاظ على البيئة.
ويرى محللون في ضوء تلك التحديات والتهديدات، ضرورة التحرك بسرعة لحماية البيئة وحقوقها، ويتطلب ذلك تبني سياسات بيئية قوية وتعزيز الوعي العام بأهمية الحفاظ على الطبيعة، على أن تتعاون الحكومات والمجتمعات المدنية والشركات لتعزيز الاستدامة وتطوير مصادر الطاقة المتجددة وتعزيز التوعية بأهمية إعادة التدوير والحد من التلوث، ومن أجل مستقبل مستدام وصحي لكوكبنا، يجب علينا أن نضع قضايا البيئة وحقوقها في صلب أجندتنا العالمية ونعمل بروح التعاون والشراكة.
"جسور بوست"، تناقش الأزمة، حيث تجاوزت القضايا البيئية في عام 2023 الحدود الجغرافية والثقافية لتصبح قضية عالمية تستدعي تحركًا جماعيًا وعملًا حقيقيًا.
تأثير التغيرات البيئية على حياة الإنسان اجتماعياً
قال أستاذ القانون الجنائي وحقوق الإنسان، كلية الشرق الأوسط الجامعة بالعراق، د. محمد سرحان الحمداني، إن التغيرات البيئية واحدة من أكبر التحديات التي يواجهها العالم في الوقت الحاضر، ومع تسارع التغيرات المناخية وتدهور البيئة، تتزايد المخاطر التي يواجهها البشر من النواحي الاجتماعية، وتتسبب التغيرات البيئية في زيادة المخاطر الصحية للإنسان، حيث ترتفع درجات الحرارة وتتزايد حدة الطقس الشديد مثل الفيضانات والجفاف، ما يؤدي إلى انتشار الأمراض المنقولة بواسطة الحشرات، والتلوث الهوائي والمائي، ونقص الموارد الغذائية، هذا يؤدي إلى تدهور الصحة العامة وزيادة معدلات الوفيات والأمراض.
وأضاف في تصريحات لـ"جسور بوست"، تؤثر التغيرات البيئية على توفر ووصول الإنسان للموارد الطبيعية الأساسية مثل المياه النظيفة والغذاء والطاقة، وانخفاض مستويات المياه الجوفية ونضوب الموارد الطبيعية يجعل الأفراد أكثر تعرضًا للاضطرابات والنزاعات المرتبطة بالموارد ويؤثر على قدرتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية، وقد يؤدي تدهور البيئة ونقص الموارد الطبيعية إلى زيادة حالات الهجرة والنزاعات.
ونوه أن العديد من الأسر تضطر إلى مغادرة منازلهم بحثًا عن بيئة أكثر استدامة وأمانًا، هذا يؤدي إلى زيادة أعداد اللاجئين البيئيين ويضع ضغوطًا اجتماعية على البلدان المضيفة ويزيد من معدلات النزاعات والتوترات الاجتماعية.
واستطرد، يتأثر الأشخاص ذوو الدخل المنخفض بشكل أكبر بالتغيرات البيئية، ففي العديد من الحالات، يكون لديهم وصول أقل إلى الموارد والخدمات التي تساعدهم على التكيف مع تلك التغيرات، هذا يؤدي إلى زيادة التفاوت الاجتماعي وتعمق الفقر، ويزيد من التوترات الاجتماعية وعدم المساواة، أيضًا تؤثر التغيرات البيئية على ثقافات وهويات الشعوب، ففقدان الموروث الثقافي المرتبط بالبيئة المحلية وتدهور المواقع الطبيعية الهامة يؤثر على الروابط الثقافية والتاريخية للمجتمعات، كما يؤدي التغير المناخي إلى زيادة الضغوط على المجتمعات الأصلية والثقافات التقليدية التي تعتمد بشكل كبير على البيئة.
وأتم، تتسبب التغيرات البيئية في تكاليف اقتصادية هائلة وتعوق عملية التنمية، فتأثيرات الطقس الشديدة ونقص الموارد الطبيعية تؤدي إلى تكاليف إعادة الإعمار وفقدان الإنتاجية الزراعية والصناعية، كما تتطلب جهودًا كبيرة لتحقيق التكيف والتخفيف من التأثيرات البيئية، ما يتطلب استثمارات كبيرة وتعاون دولي.

د. محمد سرحان الحمداني
ونستطيع القول ختامًا إن التغيرات البيئية تؤثر بشكل كبير على حياة الإنسان اجتماعيًا في عام 2023، وتتراوح تأثيراتها من تدهور الصحة العامة ونقص الموارد الطبيعية إلى زيادة الهجرة والنزاعات وتعمق الفقر والتفاوت الاجتماعي، ولمواجهة هذه التحديات، يجب اتخاذ إجراءات فعالة على المستوى العالمي والمحلي للحفاظ على البيئة وتعزيز الاستدامة، ويلزم تعاون جميع الأطراف للتصدي لتغيرات المناخ وتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة لضمان مستقبل أفضل للإنسان والبيئة.
تأثير النشاط البشري على البيئة
قال عضو منظمة الفاو، الأكاديمي الدكتور نادر نورالدين، إن من أبرز القضايا التي نواجهها في العصر الحديث هي التغيرات المناخية، ويعتبر ثاني أكسيد الكربون من أبرز الغازات التي تساهم في الاحتباس الحراري وتغير المناخ، ووفقًا لتقرير المراقبة العالمية للغازات الدفيئة، بلغت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الوقود الأحفوري والصناعات البشرية ما يقدر بنحو 4000 مليون طن سنويًا في عام 2020، كذلك تشير الأرقام إلى ارتفاع حرارة الأرض بشكل ملحوظ خلال العقود الأخيرة، ووفقًا لتقرير منظمة الأرصاد الجوية العالمية، ارتفعت درجة حرارة الأرض بمقدار 0.98 درجة مئوية بين عامي 1951 و2010، ويتوقع أن تستمر في الارتفاع في المستقبل إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة.
وأضاف في تصريحات لـ"جسور بوست"، يعتبر التلوث البلاستيكي واحدًا من أكبر التحديات البيئية التي تواجهها المحيطات والبحار، وتشير الإحصائيات إلى أن حوالي 8 ملايين طن من البلاستيك يتم إلقاؤها في المحيطات سنويًا، ما يؤثر على الحياة البحرية والنظام البيئي البحري، أيضًا تشير الأرقام إلى أن حوالي 25% من سطح الأرض يتأثر بعمليات التصحر وفقدان التنوع البيولوجي، وتُقدر الأمم المتحدة أن ما يصل إلى 50000 نوع نباتي وحيواني يواجه خطر الانقراض بسبب التغيرات في البيئة والتدخل البشري.
واستطرد، هناك جهود عالمية تبذل للتصدي لتغير المناخ وتقليل الانبعاثات الضارة، من أبرز هذه الجهود اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)، وتم تبني هذه الاتفاقية في عام 1992 وتهدف إلى تعزيز التعاون الدولي لمكافحة تغير المناخ وتكييف الدول المتأثرة به.
تم تنفيذ العديد من المبادرات والبروتوكولات بموجب هذه الاتفاقية، بما في ذلك البروتوكول الكيوتو واتفاقية باريس، كذلك اتفاقية باريس للتغير المناخي، وتم التوصل إليها في عام 2015، وهي اتفاقية دولية تهدف إلى الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية وتعزيز تكييف الدول للتغيرات المناخية، ويهدف الاتفاق إلى العمل على تقليل الانبعاثات العالمية من غازات الاحتباس الحراري وتعزيز الاستدامة في قطاعات مختلفة مثل الطاقة والصناعة والنقل.

الدكتور نادر نور الدين
الأهداف التنموية المستدامة
بدوره علق البرلماني البحريني علي زايد بقوله، إن التغير المناخي واحد من أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة لعام 2030، وذلك كحل لمشكلة البيئة والمناخ التي تسببت في مشكلات عدة للكوكب، منها الأعاصير والجفاف وارتفاع درجات الحرارة، ويهدف الإنسان إلى تحقيق التنمية المستدامة في مختلف المجالات بما في ذلك الطاقة المستدامة والإنتاج والاستهلاك المستدام والتعاون الدولي لمكافحة تغير المناخ، وهناك العديد من المبادرات والاتفاقيات الإقليمية التي تهدف إلى تعزيز التعاون الدولي في مجال حماية البيئة وتقليل الانبعاثات الضارة، على سبيل المثال، الاتحاد الأوروبي يعمل على تحقيق أهداف تغير المناخ من خلال سياسات الطاقة المستدامة وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة.
وتابع في تصريحات لـ"جسور بوست"، تعتبر هذه المبادرات والاتفاقيات جزءًا من الجهود العالمية المبذولة للتصدي لتغير المناخ وتقليل الانبعاثات الضارة، ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير من التحديات والتحفظات في تنفيذ هذه الجهود، وضمان تعاون جميع الدول لتحقيق أهداف مستدامة لحماية البيئة ومكافحة تغير المناخ، وهنا بعض النتائج الرئيسية التي تم تحقيقها حتى الآن من الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ وتقليل الانبعاثات الضارة، وتم تحقيق تقدم كبير منذ توقيع اتفاقية باريس في عام 2015.
واستطرد، أصبحت الاتفاقية قانونًا دوليًا بعد أن تم تصديقها من قبل عدد كبير من الدول، وتهدف الاتفاقية إلى الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية بأقل من 2 درجة مئوية عن مستويات ما قبل الصناعة، وتسعى لتحقيق جهود للوصول إلى زيادة الحد إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة.

علي زايد
وأتم، تعين الاتفاقية أيضًا آليات لمراقبة التقدم وتقديم تقارير دورية عن التزامات الدول في تحقيق أهدافها المناخية.
استخدام الطاقة المتجددة
وقال مدير مدرسة الموهوبين "نينوى" بالعراق، مهند حازم خضير، إن العقد الماضي شهد زيادة كبيرة في استخدام الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح والطاقة الحرارية الجيومائية، تم تطوير التكنولوجيا وتنفيذ سياسات وبرامج لتشجيع استخدام الطاقة المتجددة في مختلف أنحاء العالم، وذلك كبوابة مهمة لمكافحة التغيرات المناخية، ووفقًا لتقرير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، تمتلك الطاقة المتجددة الآن حصة أكبر في سوق الطاقة العالمي، وتساهم في تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، تم تحقيق تقدم في تحسين كفاءة الاستخدام الطاقة في القطاعات المختلفة مثل الصناعة والنقل والمباني، كذلك تم تطوير تكنولوجيا أكثر كفاءة للمركبات والأجهزة والأنظمة، ما يساهم في تقليل استهلاك الطاقة وانبعاثات الكربون.
وتابع في تصريحات لـ"جسور بوست"، بالإضافة إلى ذلك، تنتشر الممارسات المستدامة في الشركات والمجتمعات، حيث يتم تبني مبادئ الاستدامة في الإدارة والعمليات، كذلك تم تعزيز التوعية والتعليم حول تغير المناخ والبيئة بشكل عام، وتنظم الحكومات والمنظمات غير الحكومية حملات توعية وبرامج تعليمية لنشر المعرفة حول أهمية مكافحة تغير المناخ وتقليل الانبعاثات الضارة.
واستطرد، تعتبر تقنيات إزالة الكربون من الجو (CDR) واحدة من الأساليب الرئيسية للتخفيف من تراكم ثاني أكسيد الكربون في الجو، وتشمل تلك التقنيات الحالية الأخرى مثل تخزين الكربون في الأراضي والغابات، وتقنيات الاصطياد والتخزين الجغرافي للكربون (CCS)، وتقنيات إزالة الكربون المباشرة من الجو (DAC) التي تستخدم أجهزة خاصة لالتقاط واستخلاص ثاني أكسيد الكربون من الهواء وتخزينه، ويتم توسيع استخدام الطاقة النظيفة والمتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح والهيدروكينتيكية والطاقة الحرارية الجيومائية، وتتطور تكنولوجيا هذه المصادر البديلة للطاقة بسرعة، ما يساهم في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وانبعاثات الكربون المرتبطة به، ويتم تطبيق تقنيات الزراعة المستدامة للحد من انبعاثات غازات الدفيئة وزيادة استيعاب الكربون من الجو، وتشمل هذه التقنيات استخدام ممارسات زراعية محسنة مثل التبن الأخضر، وزراعة الأشجار، وتقنيات الري المحسنة وإدارة التربة.

مهند حازم خضير
وأتم، تهدف تقنيات البناء والعمارة الخضراء إلى تحقيق المباني ذات الكفاءة الطاقوية العالية وتقليل انبعاثات الكربون المرتبطة بالمباني، وتتضمن هذه التقنيات استخدام مواد بناء مستدامة، والعزل الحراري، وأنظمة الطاقة المتجددة المدمجة في المباني مثل الألواح الشمسية والأنظمة الحرارية المتجددة.