قلة الإمكانيات وعدم استقرار ليبيا دوافع "رتاج" للتأهل إلى الأولمبياد
قلة الإمكانيات وعدم استقرار ليبيا دوافع "رتاج" للتأهل إلى الأولمبياد
يجلس سالم السائح على قطعة من الطوب الأسمنتي، يراقب ابنته رتاج لاعبة رمي القرص تتدرّب في مضمار ألعاب القوى بالمدينة الرياضية في العاصمة الليبية طرابلس، يقوم بالتصفيق لها ويحفّزها.
رغم تهالك المضمار وتواضع موقع التدريب، فإن رتاج تحرص على التدرب ولا تدفعها قلة الإمكانيات وحالة عدم الاستقرار في بلادها، إلا لمتابعة تحقيق حلم المشاركة في أولمبياد باريس 2024، رغم ابتعاد أرقامها عن الحد الأدنى المؤهل للمشاركة في الألعاب، وفق وكالة فرانس برس.
تتحدّث رتاج عن استعداداتها "أنا مؤمنة جداً بقدراتي التي سأحاول الوصول بها إلى القمة".
تضيف وهي تجري عمليات الإحماء "أكتسب قوتي والتفاني من التدريبات ومن الظروف الصعبة التي تمر بها ليبيا وقلة المتاح لتأهيلي، لكنها في ذات الوقت تجعل الأهداف الدولية الكبرى أمامي أكثر جاذبية".
تضيف وهي تستمع بابتسامة عريضة إلى ملاحظات والدها المدرب "من أجل ليبيا ومن أجل والدي وكل من آمن بقدراتي ودعمني ولو بعبارة تشجيع، سأواصل وأسعى إلى رفع علم بلادي في الأولمبياد، هذا هدف مشروع ويجعلني دوما أتطلع لتقديم وتسجيل أرقام جديدة".
وفيما حققت السائح رسمياً 52.04 متر في رمي القرص عام 2016، تقول إنها سجّلت خلال الأسابيع الماضية عبر التدريبات 57 متراً، وهو أمر يحفزها للاقتراب من شروط المشاركة في باريس.
ويتعين على السائح تحقيق رقم 64.5 متر في منافسات رمي القرص بالبطولة الإفريقية في الكاميرون في يونيو المقبل، لتضمن المشاركة في الألعاب الأولمبية الصيفية المقررة بين 26 من يوليو و11 أغسطس.
لا تحظى السائح بمدرب دولي ويقوم فقط والدها بتدريبها، كما لا تحصل على أي دعم مادي من قبل الاتحاد الليبي لألعاب القوى، نظراً لعدم وجود ميزانيات مالية مخصّصة.
يقوم بمساعدتها والدها وبعض الأشخاص الداعمين المحدودين في تأمين المستلزمات الرياضية الخاصة بها.
الموهبة والنشأة
منذ نعومة أظفارها جذبت رتاج الاهتمام، وكونها من أسرة رياضية ووالدها أحد أشهر لاعبي منتخب ليبيا للكرة الطائرة عام 1982، جعلها تمتلك حباً كبيراً للرياضة، كان اكتشافها صدفة، عندما كان عمرها لا يتجاوز 10 أعوام.
تروي رتاج انطلاق مشوارها من داخل منطقة رمي القرص بمنطقة التدريب، مرتدية زيها الرياضي باللون الأسود والقرص المعدني في يدها اليمنى "عندما كنت طالبة في مدرسة محمد إسكندر الابتدائية بطرابلس، لعبت ألعاب القوى بعفوية، وفي أول مشاركة في البطولة المدرسية، حققت ذهبية رمي القرص ولفت أنظار الجميع".
وتروي قصة طريفة عن مشاركتها الدولية الأولى في بطولة قطر عام 2012 وتحقيقها الميدالية البرونزية "فوجئ الجميع بمستوى طفلة تحقق ميدالية من أول مشاركة دولية، أبلغني المنظمون أني موهوبة وسأحقق الذهب في غضون 10 أعوام، لقد حققته قبل ذلك بمدة أقصر".
الأب داعم ومدرب
تصف رتاج والدها ومدربها "والدي آمن بقدراتي ويدعمني معنوياً ومادياً، حتى في الانتكاسة كان يشجعني على النهوض، له فضل كبير في المكانة التي وصلت إليها".
وأردفت حاملة بفخر ميدالياتها ووالدها بجانبها "سخر جهده وصحته وماله لدعمي، يقول لي أنت مشروع بطلة أولمبية ولن تنال منك الظروف ويجب عليك قهرها".
ويعتقد سالم السائح (60 عاماً) أن إيمانه بقدرات رتاج لم يأتِ من فراغ وأنه سيبذل كل جهوده ليرى ابنته تشارك في الأولمبياد.
قال السائح وهو يشرف على تمارين الإحماء لابنته "من غير الأموال لا يمكن تحقيق إنجازات دولية، والرياضات الفردية تحتاج إلى نظام غذائي صارم وتدريبات ومعدات خاصة".
وحول مستقبلها ومدى قدرتها على المنافسة، قال "أتوقع تحقيقها الذهب في البطولة العربية المقبلة، والطموح تحقيقها الرقم المطلوب في إفريقيا لضمان المشاركة في باريس".
ستشارك السائح في بطولة الأندية العربية لألعاب القوى (سيدات) التي تستضيفها الإمارات بدءاً من 2 فبراير المقبل.
ومثل أي رياضي يواجه لحظات صعبة في مسيرته، تجعله يفكر اعتزال اللعبة نتيجة انعدام الإمكانيات وظروف بلاده السياسية، تشرح رتاج كيف قررت الاعتزال في سن مبكرة "عام 2016 مررت بلحظة صعبة جعلتني أفكر جدياً بالاعتزال، حينها وبسبب ظروف الحرب، واجهت صعوبة في استخراج تأشيرة للمشاركة في بطولة العالم في بولندا، حزنت كثيراً لأني كنت مؤمنة بفرصة تحقيق الذهب وكنت في أوج عطائي".
لكنها استدركت، بأن القرار تغير سريعاً نتيجة لضغط الجمهور والمقربين وعدد من الرياضيين، وطلبهم تراجعي عن القرار، وعقب ذلك شاركت في البطولة الإفريقية بالجزائر عام 2017 وحققت الفضية".
وختمت رتاج والابتسامة في محياها "سأقدم لبلدي ليبيا حتى لو لم أمنح التقدير والاهتمام الكافي، أراهن على تذكر الأجيال المقبلة موهبتي وصناعتي للتاريخ في خضم المحن".