قانون الغاب الأمريكي الإسرائيلي
قانون الغاب الأمريكي الإسرائيلي
العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على قضاة المحكمة الجنائية الدولية يوم الخميس الماضي، دفاعاً عن إسرائيل، هي رسالة واضحة بأن واشنطن ليست فقط تدعم وتشترك في العدوان الإسرائيلى ضد الفلسطينيين والعرب، ولكنها تقول بوضوح إنه لا يوجد شيء تقريباً في العلاقات الدولية اسمه القانون أو العدالة الإنسانية أو أي ما يمت للشرعية بصلة، وإن القانون الوحيد الذي تفهمه إسرائيل والإدارة الأمريكية هو قانون الغاب.
يوم الخميس الماضي أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن إدارة ترامب فرضت عقوبات على قاضيين ومدعين اثنين في المحكمة الجنائية الدولية بسبب قراراتهم المتعلقة بالتحقيق في جرائم حرب محتملة للاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة وتشمل تجميد أصولهم ومنع تعاملهم مع النظام المالي الأمريكي.
هذه العقوبات طالت القاضي الفرنسي نيكولا يان غيليو والقاضية الكندية كيمبرلي بروست، ونائبي المدعي العام نزهات شميم خان من فيجي، ومامي ماندياي ينانج من السنغال.
وزير الخارجية الأمريكى ماركو روبيو وصف المحكمة بأنها تهديد للأمن القومى واتهمها بـ«تسييس العدالة».
وبالطبع فإن الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو رحبت بهذا القرار.
ولمن لم يتابع هذا الأمر من البداية، فإن المحكمة الجنائية الدولية أصدرت في ٢١ نوفمبر الماضي مذكرات توقيف بحق بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يؤاف جالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية مثل القتل والاضطهاد والتجويع خلال العمليات العسكرية في قطاع غزة منذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣. كما صدرت مذكرة اعتقال أيضاً بحق محمد ضيف القائد العسكرى لحماس، لكن تم إلغاؤها بعد التأكد من مقتله في فبراير الماضي.
إسرائيل تقدمت بطعن قانوني ضد مذكرات التوقيف بحجة أن الإجراءات كانت غير مشروعة ومتسرعة.
وفي ٢٤ إبريل الماضي أصدرت غرفة الاستئناف في المحكمة قرارا بإعادة النظر في قرار الاختصاص، وهو ما يعتبر انتصاراً جزئياً لإسرائيل، علماً بأن المحكمة أقرت في فبراير ٢٠٢١ أن لها اختصاصاً إقليمياً على الأراضي الفلسطينية المحتلة بناء على انضمام فلسطين للاتفاقية في عام ٢٠١٥.
المفترض أن كل ما سبق يخضع للإجراءات القانونية، وكان يمكن لإسرائيل وأمريكا أن يسلكا المسار القانوني فقط، لكن إدارة ترامب اتخذت إجراءات عقابية ضد المحكمة في ٦ فبراير الماضي حيث وقّع الرئيس الأمريكى على المرسوم التنفيذى رقم ١٤٢٠٣ الذي يفرض عقوبات مالية وقيوداً على التأشيرات لكل من يساعد المحكمة، بما في ذلك النائب العام كريم خان، ثم جاءت العقوبات الأخيرة يوم الخميس الماضي.
هذه العقوبات تعني شيئاً واحداً وهو أن الولايات المتحدة لا تدعم إسرائيل بالأموال والأسلحة فقط، بل بكل ما تملك من أجل منع محاكمتها أو إدانتها على الجرائم التي ترتكبها ضد الفلسطينيين.
الرسالة التي ستصل ووصلت بالفعل لإسرائيل أنه يمكنها أن تعتدي وتغزو وتقتل الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين والإيرانيين بكل الطرق وأن ترتكب جرائم الإبادة والتجويع والتطهير العرقي والتهجير، وهي آمنة من أي عقاب دولي. وهذا الأمر يسقط تماماً أي حديث عن الشرعية الدولية أو أي التزام بأي قانون دولي أو قانون دولي إنساني، أو أي دور للمحكمة الجنائية الدولية أو لمحكمة العدل الدولية، أو للأمم المتحدة، التي تواصل إسرائيل الاستهزاء بها والسخرية منها، بل واتهامها بأنها معادية للسامية!!!
وهي التهمة الجاهزة التي يتم توجيهها لكل من يتجرأ على انتقاد السياسات الإسرائيلية من أول فرانشيسكا ألبانيز المقررة الخاصة بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية.
مروراً بالأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش نهاية بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي اتهمه نتنياهو قبل أيام بنفس التهمة لمجرد أنه انتقد تهويد الضفة وخطط احتلال مدينة غزة.
ما لا تدركه إسرائيل والولايات المتحدة أن كل ما يفعلانه من ضرب الاستهزاء بالقانون ومعاقبة الجنائية الدولية والعدل الدولية والأمم المتحدة ستكون نتيجته الأساسية كفر المجتمع الدولي بتحقيق العدالة عبر الطرق القانونية، ما يترتب عليه تشجيع التطرف في المنطقة، ومن الواضح أن ذلك مطلوب لأنه سيبرر أكثر التطرف الإسرائيلي خصوصاً على أساس ديني وطائفي.
تحية لكل القضاة في «الجنائية الدولية» الذين انحازوا فقط لصوت ضميرهم ورفضوا كل الضغوط والتهديدات والعقوبات الأمريكية والإسرائيلية.
نقلاً عن صحيفة الشروق