حتى لا ننسى اليمن
حتى لا ننسى اليمن
مع تراكم وتجدد الأزمات في المنطقة، بين الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة التي لم تتوقف منذ السابع من أكتوبر إلا بهُدن لم تتجاوز أيامًا محدودة، والسودان الذي فشلت الجهود الإقليمية في احتواء الصراع فيه مع غياب إرادة القادة السياسيين هناك في التوصل إلى حل، إلى سوريا الجديدة التي تواجه تحديات لا حد لها، ولبنان ومحاولة خلق دولة حقيقية.. نسي الجميع تمامًا أزمة اليمن.
وتراجع الاهتمام بالأزمة اليمنية ليس في وسائل الإعلام والصحافة العربية فحسب لصالح القضايا الأخرى، بل تراجع الاهتمام على المستوى السياسي والمؤسسي أيضًا؛ فلم تعد الأزمة في صدارة اهتمام الهيئات الأممية ومجلس الأمن وحتى الجامعة العربية، وكأن الأزمة هناك قد حصلت على "مسكنات مؤقتة"، وكأنّه لا يوجد يمنيون يعانون ويدفعون ثمنًا باهظًا كل يوم.
حتى الآن، لا توجد مؤشرات على اقتراب أو وجود رغبة حقيقية في التوصل إلى حل لأزمة اليمن في ظل غياب الأفق السياسي لدى مختلف الأطراف، وفي كل الأحوال، لا يمكن ترك اليمن في حالة التقسيم الحالية وغياب سيطرة الدولة على مدن هامة فيها، لا سيما العاصمة صنعاء التي أصبحت أجواؤها تحت سيطرة إسرائيل، تقصفها متى تشاء وتضرب أي هدف فيها، والسبب قرار طرف يمني التدخل في صراع وأزمة تتجاوز قدراته على التأثير.
ربما لا يعرف الكثيرون من الجمهور العربي حتى خريطة السيطرة والنفوذ في اليمن بسبب تراجع الاهتمام، فبينما تسيطر الحكومة الشرعية على الجزء الأكبر من مساحة الأراضي اليمنية وتتخذ من مدينة عدن عاصمة لها، يسيطر الحوثيون على محافظات مكتظة بالسكان على رأسها العاصمة صنعاء والحديدة صاحبة الميناء الاستراتيجي، ويظهر أيضًا في خريطة النفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي المساند للحكومة الشرعية.
في الوقت الحالي، تكشف الأرقام عن كارثة حقيقية في اليمن، حيث أكثر من 17 مليون شخص يواجهون الجوع، بينهم أكثر من مليون طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء تغذية حاد يهدد حياتهم.. وهذا العدد ليس نهائيًا وقد يرتفع إلى أكثر من 18 مليون شخص بحلول سبتمبر.
لا يمكن الاستمرار في تجاهل أزمة اليمن أو انتظار حلول لكارثة هي موجودة أصلًا، حتى نعود للاهتمام بها ونبدأ في الحديث عن ضرورة التوصل إلى حل سياسي ينهي هذه الأزمة المستمرة، حيث تفرض الحكومة الشرعية سيطرتها على مختلف المحافظات، وتعيد هيكلة مؤسسات الدولة، وتبدأ عملية إصلاحية واسعة النطاق.
نحتاج في اليمن إلى مبادرة تخرج من الإطار العربي، تضع الحل النهائي على الأسس التي تم الاتفاق عليها سابقًا، ومنها المرجعيات الثلاث المتمثلة في: المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن الدولي.
لا يمكن ترك اليمن يواجه مصيره بمفرده ويسقط فريسة سهلة لمخططات التقسيم التي يبدو أنها تُحاك له في صمت تام.
الأزمة اليمنية لم تعد مجرد نزاع داخلي، بل تحوّلت مناطق سيطرة الحوثيين إلى ساحة تصفية حسابات إقليمية ودولية بين إسرائيل وإيران.. التدخلات الخارجية وتعدد القوى الفاعلة أضعفا قدرة اليمنيين على فرض إرادتهم.