«مليحة».. مسلسل مصري هزّ مشاعر العرب وأثار حفيظة إسرائيل
«مليحة».. مسلسل مصري هزّ مشاعر العرب وأثار حفيظة إسرائيل
منذ إطلالته الأولى في النصف الثاني من شهر رمضان، استحوذ مسلسل "مليحة" على اهتمام الجمهور المصري والعربي، مثيرًا مشاعر الحزن والغضب من جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، لم يقتصر تأثيره على المشاهد العربي فقط، بل امتد إلى وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي تناولته بالمناقشة والتحليل، معترفة بقدرته على كشف حقيقة الصراعِ الفلسطيني- الإسرائيلي.
يجسد مسلسل "مليحة" قصة أسرة فلسطينية تجبر على النزوح من أراضيها بعد انتفاضة الحجارة الثانية عامَ 2000، مُحاولة العودة إلى غزة عبر الحدود المصرية، وتواجه الأسرة خلال رحلتها المُضنية العديد من العراقيل والصعوبات، تجسد واقع الشعب الفلسطيني المعذب تحت نير الاحتلال.
أثارت أحداثُ المسلسل جدلاً واسعًا في الأوساط الإسرائيلية، حيث اعتبرته بعض الصحف بمثابة "هجوم إعلامي مصري" يشوه صورة إسرائيل وتثير التعاطف مع الفلسطينيين، فقد وصفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية المسلسلَ بـ"الخطيرِ"، ويؤكد هذا الجدل أهمية مسلسل "مليحة" كأداة إعلامية فعالة في إيصال رسالة الشعب الفلسطيني إلى العالمِ، وكشف جرائم الاحتلال التي تُمارس ضده.
مليحة من بطولة دياب وميرفت أمين وأمير المصري وسيرين خاص، من تأليف رشا عزت الجزار، وإخراج عمرو عرفة.
ويرى خبراء ومحللون أن المسلسلة نجح في تحريك مشاعر المشاهدين العرب وإثارة غضبهم من الظلم الذي يتعرض له الفلسطينيون، كما أنه يمثل علامة فارقة في الدراما العربية، كونه يناقش قضية سياسية مهمة بأسلوب فني مبدع، حيث استطاع المسلسل ملامسة وجدان المشاهدين ويثير نقاشًا واسعًا حول القضية الفلسطينية.
ويؤكد نجاح مسلسلِ "مليحة" قدرة الفن على التأثير في الرأي العام، وفي هذا التقرير نناقش محللين وخبراء في ما أثاره المسلسل، وأهمية الدراما في توعية الشعوب وإحياء القضايا العربية المهمة كقضية غزة.
ماذا قالت الصحف الإسرائيلية عن “مليحة”؟
نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" تقريرًا يعبر عن غضبها من مسلسل "مليحة"، وهاجمت العاملين في المسلسل بمن في ذلك الممثلون والمخرجون وشركة الإنتاج.
ووفقًا لما نشرته وسائل إعلام عربية، ربطت الصحيفة بين المسلسل وتصريحات سابقة لبعض العاملين فيه ضد الحكومة الإسرائيلية، واعتبرت أن ما يحدث هو تعمد لتشويه صورة الإسرائيليين في منطقة الشرق الأوسط، ووصفت العمل الفني بأنه يتبنى وجهة نظر معينة ويتجاهل وجهة النظر الإسرائيلية الأخرى.
وأعربت الصحيفة عن قلقها من تأثير المسلسل على الرأي العام العربي والعالمي، وربطت توقيت عرض المسلسل بأحداث غزة الأخيرة، مشيرة إلى أنها ترى في ذلك استخدامًا للفن لإثارة مشاعر العداء ضد الإسرائيليين، وذكرت الصحيفة أن هيئة البث الرسمية الإسرائيلية قد خصصت زاوية لمناقشة أحداث المسلسل بعد كل حلقة، وتعاونت مع محلل إسرائيلي في الشؤون العربية للتعليق على أحداث المسلسل، وأعرب المحلل عن غضبه من تصوير المسلسل للقضية الفلسطينية من وجهة نظر واحدة.
وفي نفس السياق، انتقدت صحيفة "معاريف" مسلسل "مليحة"، وأشارت إلى أن الأعمال الدرامية المصرية تتبنى دائمًا الرواية الفلسطينية دون الاعتبار لوجهة النظر الإسرائيلية.

وأشارت صحيفة "هآرتس" إلى أن إسرائيل بدأت تدرك أهمية الدراما العربية والإسلامية في مواجهة المخططات الإسرائيلية، لافتة إلى توقيت عرض المسلسل خلال شهر رمضان، حيث تتجمع الأسر والجاليات العربية في الخارج لمشاهدة الأعمال الفنية بعد الإفطار.
إحياء القضية الفلسطينية
أكدت المحللة الفنية والناقدة فايزة هنداوي، أن الدراما والسينما من وسائل الإعلام والترفيه التي لها قدرة كبيرة على نقل الرسائل وتأثيرها على الجمهور، وفي سياق القضايا السياسية والاجتماعية الحساسة مثل القضية الفلسطينية والأحداث في غزة، يمكن للدراما أن تلعب دورًا هامًا في إحياء هذه القضايا ونشر الوعي بين الجمهور، وعلى هذا النحو، يأتي مسلسل "مليحة" كمثال يستحق الدراسة والتحليل، حيث أثر بشكل كبير في إحياء القضية الفلسطينية وغزة وأثار العديد من التساؤلات حول دور الدراما في مثل هذه القضايا.
وتابعت “فايزة” في تصريحات لـ"جسور بوست"، تأثير مسلسل "مليحة" في إحياء القضية الفلسطينية، وأحد الأسباب الرئيسية التي جعلت مسلسل "مليحة" يؤثر بشكل كبير في إحياء القضية الفلسطينية هو تصويره للأحداث والظروف الحياتية التي يعيشها الفلسطينيون في غزة، حيث يسلط المسلسل الضوء على القصص الإنسانية والتحديات التي يواجهها الأفراد والمجتمع في ظل الاحتلال والحصار الذي يفرض على القطاع.
وفصلت، بفضل تقنيات السرد القوية والأداء الممتاز للممثلين، نجح المسلسل في إيصال رسالته بشكل قوي ومؤثر، بالإضافة إلى ذلك، تمكن المسلسل من تشكيل صورة إنسانية للفلسطينيين وإبراز قضيتهم بشكل ملموس ومحايد، وعن طريق تقديم الشخصيات والأحداث بطريقة تجذب الجمهور وتثير العواطف، تمكن "مليحة" من تحقيق تأثير إنساني واجتماعي قوي يعزز الوعي بالقضية الفلسطينية ويشجع على التفكير والنقاش.
وتابعت، بالإضافة إلى ذلك، تعمل الدراما كوسيلة للتواصل الثقافي والتعبير الفني، حيث يمكنها تجاوز الحواجز اللغوية والثقافية ولغة الأرقام، وتتيح للجمهور فهم وتجربة قضايا جديدة ومختلفة، وعندما يتعامل المسلسل مع قضية حساسة مثل القضية الفلسطينية وغزة، يمكنه إلهام التفكير وتشجيع الجمهور على البحث والتعلم والمشاركة في النقاشات.
وأتمت، يعد مثالًا قويًا على أن الدراما يمكن أن تؤثر في إحياء قضية مثل القضية الفلسطينية وغزة، وبفضل تصويره للأحداث والتحديات التي يواجهها الفلسطينيون، وإبرازه الصورة الإنسانية للأفراد الذين يعيشون في ظروف صعبة، نجح المسلسل في إثارة الوعي والنقاش والتفكير حول هذه القضية، وتؤكد هذه التجربة أهمية الدراما في تعزيز التفاهم والحوار وتشجيع التغيير في المجتمعات.

ذكرت الجميع برأفت الهجان
وأشارت البرلمانية السابقة والحقوقية التونسية ليلى حداد، إلى أن ردود الفعل على مسلسل مليحة جيدة، وذكرت الإسرائيليين والفلسطينيين بمسلسل رأفت الهجان الذي كشف حقيقة المجتمع الإسرائيلي، متوقعة مزيدًا من ردود الفعل الغاضبة من الإسرائيليين بعد عرض الحلقات الأخيرة من المسلسل.
وتابعت “ليلى” في تصريحات لـ"جسور بوست"، تزامن عرض مسلسل "مليحة" مع الأحداث الأخيرة التي شهدتها غزة، وهو ما أضفى على التأثير الذي تركه المسلسل بعدًا إضافيًا، حيث ساهم التوقيت الحساس في جذب اهتمام الجمهور وتعزيزه بالأحداث الجارية، وخلْقِ نقاش واسع حول الوضع في غزة وحقوق الفلسطينيين.
وأضافت، قدرة المسلسل على إلقاء الضوء على الأحداث الجارية وتجسيد تأثيرها على الأفراد والمجتمع تعزز الوعي بأهمية القضية الفلسطينية وتحفز على التحرك والتعبير عن الرأي، وتؤكد تجربة مسلسل “مليحة” أهمية الدراما في إحياء القضايا السياسية والاجتماعية الحساسة، فالدراما تمتلك القدرة على بناء جسور التواصل والتعاطف مع قضايا الآخرين وتحقيق تأثير إنساني عن طريق تقديم الشخصيات والأحداث بشكل واقعي ومعقد، ويمكن للدراما أن تلقي بالضوء على جوانب مختلفة من الصراعات والمشكلات، وبالتالي تعزز الفهم والحوار وتحفز التغيير.

علاقة الفن بحقوق الإنسان
بدوره علق الحقوقي الأردني كمال مشرقي بقوله، إن تاريخ الفن يشهد على قدرة الإبداع البشري على استخدام الفن كوسيلة لعرض القضايا الإنسانية والحروب، ومن خلال التمثيل المرئي والتعبير الفني، استطاع الفنانون على مر العصور تسليط الضوء على قضايا الظلم والعدالة والانتهاكات الحقوقية، ففي مصر القديمة، على سبيل المثال، رسموا على الجدران ونحتوا التماثيل لتخليد المعارك والانتصارات العسكرية، وكان الفن يعبر عن قوة الحكم والتواجد الإلهي، كما استخدم الفن في هذه الفترة لتوثيق حياة الشعب وعرض قضاياهم الاجتماعية والدينية، كذلك في العصور الوسطى، استمرت الفنون التصويرية في عرض القضايا الإنسانية والحروب، ولكن بأساليب وأشكال مختلفة، وتركزت الرسومات والنحت في هذه الفترة على تصوير العذاب والمعاناة في حروب الصليبيين والحروب الدينية الأخرى.
وأضاف “مشرقي” في تصريحات لـ"جسور بوست"، مع التقدم التكنولوجي وظهور وسائل الإعلام المتعددة، ازدادت قدرة الفن على عرض القضايا الإنسانية والحروب بشكل أكثر قوة وتأثيرًا، وفي القرن العشرين، شهدنا ظهور السينما والتلفزيون كوسائل تواصل جماهيرية، واستخدم الفنانون هذه الوسائل لإيصال رسائلهم وتوثيق الحقائق، والأفلام الوثائقية التي تسلط الضوء على الحروب والصراعات وانتهاكات حقوق الإنسان، والأفلام السينمائية التي تعرض معاناة الشعوب في ظل الحروب.
وعن علاقة الفن بحقوق الإنسان، تابع، تمتاز العلاقة بين الفن وحقوق الإنسان بالترابط والتأثير المتبادل، ويعمل الفن على تعزيز الوعي العام بقضايا حقوق الإنسان وإشاعة العدالة والمساواة من خلال عرض الصور القوية والقصص المؤثرة، يمكن للفن أن يحدث تأثيرًا عميقًا على المشاهدين ويدفعهم إلى التفكير والتحرك، كذلك إحداث تغيير اجتماعي وسياسي من خلال تحدي الظلم والقمع والانتهاكات وتعزيز قيم حقوق الإنسان.
على الجانب الآخر، يؤثر العمل الفني بقوة على الفنان نفسه وعلى البيئة الثقافية المحيطة به، ويمكن للفنان أن يستخدم فنه كوسيلة للتعبير عن تجاربه الشخصية والتأثر بالقضايا الإنسانية والحروب التي يشهدها العالم، هذا التأثير يمكن أن يخلق توازنًا بين الفرد والمجتمع ويشجع على التغيير والتحول.
وأتم، تاريخ الفن في عرض القضايا الإنسانية والحروب يعكس التطور الذي حدث في المجتمع على مر العصور من العصور القديمة إلى العصور الحديثة، حيث استخدم الفن كوسيلة لتوثيق الأحداث والتعبير عن الآمال والتحديات والمعاناة الإنسانية، ويعزز الفن الوعي العام بقضايا حقوق الإنسان.