أوضاع السجناء الفلسطينيين في إسرائيل تزداد صعوبة

أوضاع السجناء الفلسطينيين في إسرائيل تزداد صعوبة

بعد أيام قليلة من هجوم حماس على إسرائيل واندلاع الحرب في غزة، تلقت أم محمد، في الضفة الغربية، مكالمة هاتفية من ابنها في أحد السجون الإسرائيلية.

وقال عبدالرحمن مرعي في المحادثة: "ادعي لي يا أمي"، "الأمور تزداد صعوبة هنا. ربما لن يسمحوا لي بالتحدث معك مرة أخرى".

وبالفعل كانت هذه المرة الأخيرة التي سمعت فيها الأم صوت ابنها.

تدهورت أوضاع السجناء الفلسطينيين في إسرائيل بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر من العام الماضي، عندما شنت حماس هجومها المميت على المجتمعات الإسرائيلية القريبة من قطاع غزة، بحسب لجنة شؤون المعتقلين التابعة للسلطة الفلسطينية ومقرها الضفة الغربية.

وقال رئيس اللجنة قدورة فارس إن 13 أسيرا فلسطينيا توفوا منذ ذلك الحين في السجون الإسرائيلية، "معظمهم نتيجة الضرب أو الحرمان من العلاج"، وفق شبكة "بي بي سي".

وكان عبدالرحمن من أوائل الذين ماتوا في السجون.

عبدالرحمن كان يعمل نجارا، يعيش في قرية قراوة بني حسان، واعتقلته نقطة تفتيش إسرائيلية متنقلة بينما كان عائدا إلى منزله من عمله في رام الله في فبراير العام الماضي.

وتم نقله إلى الاعتقال الإداري في سجن مجدو، ويمكن لإسرائيل بموجبه احتجاز الأشخاص لأجل غير مسمى دون تهمة.

وقال شقيقه إبراهيم إن التهم التي وجهوها لأخيه كانت بسيطة، مثل المشاركة في الاحتجاجات وحيازة سلاح ناري، لكنه قال إنهم اتهموه أيضا بالانتماء إلى حركة حماس، رغم عدم وجود اتهامات محددة بشأن أي أنشطة له داخل الجماعة.

لا يزال إبراهيم يحاول معرفة كيفية وفاة شقيقه بالضبط في السجن. وليس أمامه سوى شهادة زملاء عبدالرحمن السابقين في الزنزانة، بالإضافة إلى تقارير جلسات المحكمة.

وقال أحد زملاء عبدالرحمن السابقين في الزنزانة، الذي تحدث إلى بي بي سي شريطة عدم الكشف عن هويته: "بعد 7 أكتوبر، كان الأمر بمثابة تعذيب كامل. لقد ضربونا بلا سبب، وفتشونا بلا سبب. حتى لو نظرت إلى شخص بطريقة لا تعجبه".

ووصف أنه رأى عبدالرحمن يتعرض للضرب المبرح أمامه وأمام آخرين.

وقال في شهادته: "في الساعة التاسعة صباحا، دخلوا زنزانتنا وبدؤوا بضربنا، بدأ أحد الحراس بإهانة والدي عبدالرحمن، وهو ما رفضه، وبدأ في الرد على الحارس".

وأضاف الشاهد، "لقد ضربوا عبدالرحمن ضربا مبرحا، واقتادوه إلى زنزانة أخرى في الطابق العلوي لمدة أسبوع. وخلال تلك الفترة كان يمكن سماعه وهو يصرخ من الألم".

وقال إنه لم يعلم بوفاة عبدالرحمن إلا بعد خروجه من السجن بأسبوع.

ولم ترد إدارة السجون الإسرائيلية بشكل مباشر حول وفاة عبدالرحمن أو الأسئلة الأخرى حول 12 فلسطينيا آخرين تقول لجنة شؤون الأسرى إنهم ماتوا، واكتفت بالقول: "لسنا على دراية بالادعاءات الموصوفة وعلى حد علمنا إنها ليست صحيحة".

حضر البروفيسور داني روزين، وهو طبيب من مجموعة أطباء من أجل حقوق الإنسان، فحص جثة عبدالرحمن مرعي. وتؤكد تصريحاته ما قاله زميل عبدالرحمن في الزنزانة وشقيقه.

وذكر تقرير البروفيسور روزين شوهدت كدمات على الجانب الأيسر من صدر عبدالرحمن، وكان لديه عدة كسور في الضلوع. كما شوهدت كدمات خارجية في الظهر والأرداف والذراع اليسرى والفخذ، وكذلك الجانب الأيمن من الرأس والرقبة، دون وجود كسور تحتها.

وأشار مقتطف آخر من تقرير إضافي للشرطة إلى استخدام أسلوب "السيطرة بالقوة" مع مرعي قبل ستة أيام من وفاته.

وقال البروفيسور روزين في التقرير إنه على الرغم من عدم العثور على سبب محدد للوفاة، "يمكن للمرء أن يفترض أن العنف الذي تعرض له، والذي ظهر في الكدمات المتعددة والكسور الشديدة المتعددة في الأضلاع ساهم في وفاته".

وأضاف أن هذه الإصابات يمكن أن تؤدي إلى "عدم انتظام النبض" أو "أزمة قلبية"، دون ترك أي دليل مادي.

وتحتجز إسرائيل حاليا أكثر من 9300 سجين أمني، غالبيتهم العظمى من الفلسطينيين وفقا لمجموعة حقوق الإنسان الإسرائيلية هاموكيد، بينهم أكثر من 3600 شخص في الاعتقال الإداري.

ولا تشمل هذه الأرقام عدد المعتقلين من قطاع غزة الذين يحتجزهم الجيش الإسرائيلي في مرافق منفصلة.

ويقول قدورة فارس إن التغيير الذي حدث بعد هجوم 7 أكتوبر "أثّر على كل جانب من حياة السجناء"، زاعما أن السجناء تعرضوا للجوع والعطش وأن بعض المصابين بأمراض مزمنة حرموا من الأدوية. وأصبح الضرب منتظما وأكثر وحشية.

وأضاف رئيس لجنة شؤون المعتقلين التابعة للسلطة الفلسطينية: "التقيت معتقلاً فقد 20 كيلوغراما من وزنه خلال الأشهر الثلاثة الماضية".

وأكد أن الأمر يبدو كما لو أن الحرب على غزة كانت أيضا "حربا على السجناء الفلسطينيين. لقد كانت كلها شكلا من أشكال الانتقام".

سبق أن أكد سجناء فلسطينيون تعرضهم للضرب بالعصي، وترهيبهم بكلاب مكممة الفم، ومصادرة ملابسهم وطعامهم وبطانياتهم في الأسابيع التي تلت 7 أكتوبر.

ونفت مصلحة السجون الإسرائيلية أي سوء معاملة، قائلة إن "احتجاز جميع السجناء يتم وفقا للقانون، مع احترام حقوقهم الأساسية وتحت إشراف طاقم سجون محترف وماهر".

وقالت إن السجون دخلت في "وضع الطوارئ" بعد اندلاع الحرب، وتقرر "تغيير في الظروف المعيشية للسجناء الأمنيين". ومن أمثلة هذا التغيير منعهم من استخدام الأجهزة الكهربائية وقطع الكهرباء عن الزنازين وتقليل أنشطة السجناء في الأجنحة.

وفي قرية بيت سيرا بالضفة الغربية، أشار ياسر حمدان، إلى باب منزله وتظهر عليه آثار ركل من ضباط شرطة إسرائيليين، أثناء اقتحام منزل العائلة الساعة 04:00 يوم 22 أكتوبر، بحثا عن ابنه عرفات.

وبعد اعتقال عرفات غطت الشرطة وجهه بقطعة قماش سوداء سميكة وأحكمتها حول رقبته بحبل. وأضاف أن رائحة القناع كانت قوية ومن الواضح أن عرفات كان يعاني من صعوبة في التنفس وهو يرتديه.

وقال ياسر حمدان: "كنت أحاول تهدئته".

أخبرت ابني: "لا بأس. ليس لديهم أي شيء ضدك. ليس لديهم أي شيء ضدنا. لقد بقيت أخبره بذلك عندما قيدوه خارج المنزل. ثم أخذوه".

وبعد يومين جاءت مكالمة هاتفية للعائلة. عثرت السلطات على عرفات ميتا في زنزانته في سجن عوفر بالضفة الغربية.

ولم توضح السلطات الإسرائيلية كيف توفي. كان عرفات يعاني من مرض السكري من النوع الأول وكان يعاني من انخفاض مستويات السكر في الدم من وقت لآخر.

وقال والده إن أحد ضباط الشرطة الذين اعتقلوا عرفات طلب منه إحضار الدواء معه، لكن لم يكن من الواضح ما إذا كان قادرا على ذلك.

في تقرير للدكتور دانييل سولومون، وهو جراح حضر تشريح جثة عرفات حمدان، قال إن التشريح جرى في إسرائيل في 31 أكتوبر، لكنه أضاف أن حالة الجثة بسبب التبريد لفترة طويلة، جعلت من الصعب تحديد سبب الوفاة.

كما أشار إلى عدم وجود أي سجلات توضح ما إذا كان عرفات قد تناول دواء السكري وبأي جرعات.

كما ذكر التقرير الحاجة إلى اختبارات أخرى بعد الوفاة لتحديد سبب الوفاة.

وقال الوالد ياسر: "حتى الآن لا نعرف كيف مات".

وحتى الآن لم تتم إعادة جثتي عرفات وعبدالرحمن مرعي. تريد عائلاتهما ترتيب عمليات التشريح الخاصة بهم، وإقامة الجنازات، وتوديع الأبناء للمرة الأخيرة.

وقال ياسر حمدان: "لقد كان من لحمي ودمي، ثم رحل في لحظة". كانت صور ابنه في كل مكان في شقته.

وعرضت أم محمد صورا لعبدالرحمن على هاتفها، وأشارت إلى إحداها وقالت: "انظري إليه. لقد كان مرحا للغاية".

وأضافت أنه بمرور الوقت أصبح قائدا في مجموعته من السجناء.

وقالت الأم: "كان يتصل بي أثناء إعداد الإفطار لهم عندما كانوا جميعا نائمين. لقد كان دائما الأكثر نشاطا. لم يكن ليجلس ساكنا أبدا، ذلك الصبي".

وقالت وهي في حالة انهيار: "أعيدوه إليّ. أريد رؤيته للمرة الأخيرة. نظرة أخيرة".

 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية