"فورين بوليسي": الديمقراطية في تركيا تراجعت لكنها لم تنتهِ

المعارضة جاهزة للمعركة الدستورية

"فورين بوليسي": الديمقراطية في تركيا تراجعت لكنها لم تنتهِ
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان

وجهت نتائج الانتخابات المحلية التي جرت الشهر الماضي في تركيا ضربة قاسية للرئيس رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم.

 بعد مرور أقل من عام على الانتخابات الرئاسية، التي فاز فيها أردوغان بخمس سنوات أخرى في السلطة، حقق حزب المعارضة التركي -حزب الشعب الجمهوري- انتصارات كبيرة في غالبية المدن الكبرى في البلاد، بما في ذلك إسطنبول، القوة الاقتصادية لتركيا.

ووفقا لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، الآن أصبح لـ35 عاصمة إقليمية (من إجمالي 81 عاصمة) رئيس بلدية من حزب الشعب الجمهوري، في حين أن تحالف الشعب الذي يقوده حزب العدالة والتنمية لديه 24 فقط.

كما تفوق حزب الشعب الجمهوري على حزب أردوغان في البلاد بشكل عام، حيث حصل على 37.8% من الأصوات مقارنة بـ35.5% لحزب العدالة والتنمية.

ويشكل انتصار حزب الشعب الجمهوري إشارة تبعث على الأمل على مرونة الديمقراطية التركية ونظامها الانتخابي، وبعد النتائج المخيبة للآمال التي حققها حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية العام الماضي، حيث حصل على ما يزيد قليلاً على 47% من الأصوات، جاءت حصته من الأصوات الوطنية بمثابة صدمة للعديد من الخبراء، لقد كان إنجازاً مفاجئاً، لأسباب ليس أقلها أن ما يقرب من 90% من وسائل الإعلام التركية أصبحت في أيدي الحكومة أو أنصارها، ما يمنح الحزب الحاكم ميزة غير متوازنة أثناء الحملات الانتخابية.

وجادل المحللون لسنوات، بأن تركيا ابتعدت عن الديمقراطية وأفسحت المجال للسياسات الاستبدادية، بقيادة أردوغان، ولكن انتخابات واحدة لا تمحو سنوات من الجهود المحسوبة لمركزية السلطة وإزالة الضوابط والتوازنات المفروضة على الرئيس، وعلى الرغم من عدم تكافؤ الفرص، فقد كانت الغلبة للمعارضة إلى حد كبير، وحتى أردوغان نفسه اعترف بأنه "بغض النظر عن النتائج، فإن الفائز في هذه الانتخابات هو الديمقراطية بالدرجة الأولى".

قد يكون أو لا يكون هناك أي شعور حقيقي وراء بيان الرئيس، لكن حقيقة أن الإداء بهذه التصريحات التصالحية ليلة الانتخابات أمر مثير للدهشة في حد ذاته، حيث إن أردوغان نفسه ليس في خطر سياسي مباشر، ولن تجرى الانتخابات الرئاسية المقبلة قبل عام 2028، ولكن يتبين أن مساحة المناورة لديه أقل مما افترضه بعض المحللين في السابق.

في الوقت الحاضر، يُمنع أردوغان دستوريًا من الترشح للانتخابات في عام 2028، وكانت هناك تكهنات بأن دستورًا جديدًا يمكن أن يرفع هذا الحد، لكن حالة عدم اليقين التي جلبتها انتصارات المعارضة الأخيرة تجعل هذا الأمر أقل ترجيحاً، ما يكسب القوى الديمقراطية في تركيا المزيد من الوقت.

ليس من الواضح ما الذي سيتضمنه الدستور الجديد، لكنه قد يتضمن إنهاء القيود الحالية على فترات ولاية الرئيس، والابتعاد عن وضع تركيا الراسخ منذ فترة طويلة كدولة علمانية، وتعزيز سلطة الحكومة المركزية على السلطة القضائية، ومع ذلك، فإن طرح الدستور -وهو ما أعلن الرئيس أنه ينوي القيام به- سيتطلب استفتاءً عاماً،

وقد يؤدي المضي قدمًا في وضع دستور جديد بعد نتائج الانتخابات إلى تعرضه للتوبيخ الشعبي القوي، وقد يشعر أردوغان الآن بثقة أقل بكثير في فوز الاستفتاء.

وفي المقابل، يعني الدستور التركي أن أردوغان لا يزال مديناً بالفضل للشعب، لقد أجرى بالفعل تغييرات كبيرة على الدستور، بما في ذلك تعديله في عام 2017 للتحول من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، وقد تم قبول هذه التعديلات من قبل البرلمان و- بفارق ضئيل- من خلال الاستفتاء، وستتطلب المزيد من المراجعات، وتقديم وثيقة جديدة، دعماً شعبياً كبيراً قد لا يحظى به الرئيس.

تستفيد الديمقراطية التركية أيضًا من عملية التصويت اللامركزية، ما يجعل التلاعب بالنتائج في يوم الانتخابات أكثر صعوبة، كما أن إقبال الناخبين مرتفع باستمرار، حيث بلغت نسبة المشاركة نحو 76% في انتخابات الشهر الماضي. 

ومزاعم تزوير الانتخابات ليست أمرًا نادرًا، لكن الطبيعة الورقية المنتشرة للعملية تجعل من الصعب تحقيق الاحتيال المنهجي.

وفي مؤشر آخر على مرونة النظام الانتخابي التركي، ألغت السلطات الانتخابية قراراً اتخذه مجلس الانتخابات المحلي في فان، والذي سلم منصب رئاسة البلدية إلى مرشح حزب العدالة والتنمية، على الرغم من تفوق مرشح حزب المساواة والديمقراطية الشعبية عليه بفارق ضئيل+ 28 نقطة مئوية.. قد يكون هذا انتصاراً صغيراً للديمقراطية، لكنه نتيجة غير عادية في جنوب شرق البلاد الذي يهيمن عليه الأكراد، نظراً لأن الحكومة المركزية لا تميل تقليدياً إلى الوقوف إلى جانب الناخبين الأكراد.

ومن الأهمية بمكان أن المعارضة السياسية في تركيا لا تزال قوة فعالة ولم يتم استبعادها من النظام الانتخابي، كما كانت الحال في بلدان أخرى، ويعد إغلاق المجالات السياسية والمدنية تكتيكًا شائعًا للقادة الاستبداديين، كما هي الحال في فنزويلا، حيث تم الإبلاغ عن اعتقالات تعسفية وتجريم أنشطة أحزاب المعارضة خلال الانتخابات الإقليمية والبلدية في عام 2021.

لا يزال أمام تركيا طريق طويل لتقطعه قبل أن تصبح دولة ديمقراطية ليبرالية، فقد انحدرت ديمقراطيتها بشكل حاد في الأعوام الـ15 الماضية، لكن هذه الانتخابات تشير إلى وجود المرونة، وهذا يستحق الاهتمام به.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية