في عتمة الفقد: بصمة المتوفّى مفتاح للحياة الرقمية أم انتهاك للخصوصية

في عتمة الفقد: بصمة المتوفّى مفتاح للحياة الرقمية أم انتهاك للخصوصية

في رحلة الحياة، نودع أحيانًا أحباءنا تاركين وراءهم آثارًا من الذكريات الثمينة والأسرار الشخصية، وبينما تغلق عيونهم إلى الأبد، تظل هواتفهم المحمولة مفتوحة على أسرارهم، مغلقة على أحبائهم الذين يبحثون عن رسالة أخيرة، أو لمسة وداع رقمية. 

يصبح الهاتف، في هذه اللحظات المتسمة بالألم والفقد، بمثابة صندوق مغلق، وبصمة المتوفى هي المفتاح الوحيد لفتحه، ولكن  هل من حقنا كسر قفل هذا الصندوق؟ 

يُثير هذا التساؤل جدلاً واسعًا حول حقوق الإنسان وخصوصية المتوفى في ظل عالم رقمي يزداد تعقيدًا، يؤيد البعض فتح هاتف المتوفى باستخدام بصمته، مؤكدين أن ذلك ضروري لفهم مشاعره الأخيرة، أو لمعرفة معلومات قد تساعد في إنجاز أمور عالقة أو حل قضايا غامضة، يشبهون الهاتف بصندوق مغلق يحمل رسائل وداع أخيرة، وبصمة المتوفى هي المفتاح الوحيد لفتح هذا الصندوق وفهم ما بداخله. 

في المقابل، يحذر البعض من مخاطر انتهاك خصوصية المتوفى، مؤكدين أن هاتفه هو فضاء خاص به، وأن فتحه دون رضاه يعد انتهاكًا لحقّه في الخصوصية، حتى بعد مماته، فُيشبهون الهاتف بجسد بلا روح، وفك بصمة المتوفى هو بمثابة تدنيس لجسده.

وأثارت فتوى من لجنة الأمور العامة بمنع فتح هاتف المتوفى باستخدام بصمته جدلاً واسعًا. 

فبينما يؤيد البعض هذه الفتوى، مؤكدين حرمة انتهاك خصوصية المتوفى، يُعارضها البعض الآخر، مؤكدين أهمية الوصول إلى معلومات قد تكون حاسمة في بعض الحالات. 

 

ووفقًا لتقارير منظمة العفو الدولية، توجد حقوق متعددة تتعلق بالخصوصية والحياة الشخصية، وتشمل حقوق الأشخاص بعد وفاتهم، تعتبر البيانات الشخصية، مثل البصمات، ملكًا فرديًا وخاصًا للفرد أثناء حياته وبعدها، ويجب أن تحظى بحماية واحترام على حد سواء، ومع ذلك، تثير فكرة استخدام بصمة المتوفى لفتح هاتفه المحمول بعد وفاته العديد من التساؤلات حول توافقها مع حقوق الإنسان وحق الخصوصية.

ووفقًا لخبراء، فإن بصمة الإصبع من التقنيات القديمة المستخدمة في الهواتف الذكية، ورغم أنها ما زالت تستخدم في الكثير من الأجهزة الذكية، فإن المجسات المستخدمة في نظام البصمة في الأجهزة الذكية، لم تعد آمنة وفقا لأحدث بحث أمريكي أجراه باحثون في جامعتي نيويورك وميتشيجن، حيث توصل البحث إلى أنه من الممكن خداع الهاتف الذكي بوساطة بصمة رقمية مزورة تم إنتاجها وتشكيلها صناعياً، وذلك من خلال محاكاة البصمة البشرية، وخلص البحث الذي نشرته "نيويورك تايمز" خلال العام الماضي، إلى أن الباحثين تمكنوا من تطوير بصمة رقمية شاملة أو "بصمة صناعية لكل البصمات" يمكنها تأدية عمل البصمات البشرية المماثلة لتلك المستخدمة في 65 في المائة من الهواتف في كل الأوقات.

من هذا المنطلق "جسور بوست"، تناقش متخصصين وخبراء في مجالات متعدة حول هذا الأمر.

فتح هاتف الميت بعد وفاته.. فتوى تثير جدلا في الكويت

حالة الجثة فاصلة

من جهتها قالت شيرين أبوغالب، أستاذ علم التشريح بالقصر العيني، إن حالة الجثة فاصلة أيضًا في الأمر، ومن الممكن في حالة الحفاظ على الجثة في ظروف طبيعية وعدم وجود تحلل متقدم أن يتم استخدام بصمة الإصبع لفتح الأجهزة الذكية، استنادًا إلى ما يتم في حالات الوفيات غير المعروفة، حيث يتم استخدام بصمة الإصبع لتحديد هوية المتوفى حتى بعد فترة طويلة من الوفاة. 

وأضافت في تصريحات لـ"جسور بوست"، في ما يتعلق بتقنية التعرف على الوجه، فإنه يمكن فتح الأجهزة الذكية إذا اعتمدت على ملامح الوجه وقرنية العين، ومع ذلك، إذا حدث تحلل للجثة وتغيرت العضلات والأنسجة مع مرور الوقت، فقد تحدث بعض الصعوبات في استخدام بصمة الوجه وقد لا يكون من الممكن فتح الجهاز، ويتطلب ذلك إجراء دراسات علمية للتحقق من صلاحية استخدام هذه التقنيات، وبعض وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك توفر ميزة توريث الحساب بعد الوفاة، حيث يمكن نقل الحساب إلى شخص آخر. 

شرين غالب بعد إعادة ترشحها نقيبًا للقاهرة: سأواصل الدفاع عن حقوق الأطباء -  بوابة الأهرام

من لهم الحق

وشدد مصطفى السعداوي أستاذ القانون الجنائي، على أنه يجب ملاحظة أن استخدام بيانات البصمة ومعلومات الوجه يتم للحفاظ على خصوصية أصحاب الأجهزة والمعلومات التي تحتويها، لذا يجب مراعاة الجوانب القانونية والتأكد من مشروعية استخدام هذه البيانات والمعلومات والصور لتجنب سوء الاستخدام والمساءلة قانونية، بحيث يتم تحديد من لهم الحق في الوصول إلى هذه البيانات واستخدامها. 

وأشار في تصريحات لـ"جسور بوست"، إلى أن فتح هواتف المتوفى يجب أن يتم تحت إشراف قضائي لمنع أي وريث من الوصول الحصري إلى المعلومات المخزنة فيها، خاصة إذا كانت الهواتف تحتوي على معلومات بنكية وأسرار شخصية للمتوفى، عندما يضع أحد الورثة إصبع المتوفى على الهاتف باستخدام بصمة الإصبع، فإنه يمكنه الوصول إلى المحتويات مثل الأموال والديون والودائع، لذا يجب على الورثة الالتزام بتوثيق الأمر أمام المحكمة لتجنب النزاعات وحماية الأسرار التي تصبح ملكاً لجميع الورثة ولا يجب أن يحصي الواقع، لا يمكن استخدام بصمة الإصبع أو بيانات الوجه لفتح هواتف الأشخاص المتوفين. 

وأضاف، تعتمد تلك التقنيات على تحليل البيانات الحيوية للشخص الحي، مثل نمط الأصابع أو ملامح الوجه، للتحقق من هويته وفتح الجهاز، بعد وفاة الشخص، تتوقف وظيفة البصمة أو الوجه، ولا يمكن استخدامها للتعرف على الشخص أو فتح الهاتف، وإذا كانت هناك حاجة للوصول إلى محتوى هاتف شخص متوفى، فقد تحتاج إلى الحصول على إذن قانوني أو توكيل من المحكمة، وفي بعض البلدان، يمكن للأشخاص تحديد وصي أو شخص معين للوصول إلى حساباتهم الرقمية بعد وفاتهم. 

الحكومة توافق على تعديلات قانون الطفل .. مصطفى السعداوي يوضح التفاصيل -  موقع الموقع

تحدٍ أخلاقي كبير

ومن وجهة نظر حقوقية تقول ليلى حداد الحقوقية التونسية والبرلمانية السابقة، إن العصر الرقمي الحديث، يطرح تحديات قانونية وأخلاقية جديدة وكبيرة تتعلق بخصوصية البيانات الشخصية، ومن بين هذه التحديات تقف قضية فتح هاتف المتوفى بعد وفاته باستخدام بصمة يده، وتعد هذه القضية مثيرة للجدل وتثير الكثير من الأسئلة حول حقوق الإنسان والخصوصية، وفي العديد من البلدان، لا توجد تشريعات محددة تنظم فتح هاتف المتوفى بعد وفاته بواسطة بصمة يده، وفي البلدان التي توجد فيها بعض التشريعات المتعلقة بهذه القضية، فإنها غالبًا ما تكون غير واضحة أو تترك المسألة مفتوحة للتفسير. 

وأضافت في تصريحات لـ"جسور بوست"، من المهم مراعاة بعض المبادئ القانونية الأساسية عند التعامل مع هذه القضية، فيجب أن يُحترم حق المتوفى في الخصوصية وحماية بياناته الشخصية حتى بعد وفاته، وأن تكون أي تدابير لفتح هاتف المتوفى بعد وفاته متناسبة مع الضرورة وتكون للغرض المشروع.

أخبار تونس: الأخبار الوطنية | أخبار تونس عاجل | News Tunisie

وتابعت، تواجه هذه القضية العديد من التحديات القانونية، منها قلة التشريعات المحددة التي تنظم هذه القضية التي تجعل الوضع غير واضح وقد يؤدي إلى نتائج متباينة، أيضًا الصراع بين حق الخصوصية والحاجة للوصول للبيانات، وهنا من المهم الموازنة بين حقوق الخصوصية والحاجة إلى الوصول للمعلومات في بعض الحالات، وقد تقوم بعض البلدان باتخاذ مبادرات قانونية لتنظيم هذه القضية، مثل وضع قوانين خاصة تنظم فتح الأجهزة الإلكترونية بعد وفاة مالكها، وتوفير إطار قانوني للحصول على إذن قانوني لفتح الهواتف الخاصة بالمتوفين في حالات معينة.

ميراث شرعي

بدوره علق الشيخ أحمد إسماعيل أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر قائلًا إن القانون يشير إلى أن الهاتف الذكي يعتبر جزءًا من الميراث ولا يشترط ذكره في الوصية، وبالتالي، يحق للورثة الشرعيين فتح الهاتف بعد وفاة المالك المتوفى، ويمكن فتح الهاتف باستخدام بصمة الإصبع أو بصمة الوجه لتحقيق مصلحتهم الشخصية، خاصة إذا تواجدت تعاملات مالية وبنكية أو معلومات تفيد الورثة.

وأكد في تصريحاته لـ"جسور بوست"، وجوب الحفاظ على سرية المعلومات الخاصة بالمتوفى الموجودة على الهاتف، ويجب أن يتم فتح الهاتف بنفس الطريقة التي كان يستخدمها المتوفى قبل وفاته، ويكون هذا الحق متاحًا لأهل المتوفى الذين هم أصحاب الميراث الشرعي.

السرية والأمان

وقال محمد شكري الخولي، خبير تقني في أمن المعلومات، يعتقد غالبية المستخدمين للهواتف الذكية والأجهزة اللوحية المزودة بالذكاء الصناعي أن بياناتهم الشخصية وملفاتهم في أمان تام بفضل استخدامهم كلمات السر المعقدة والبصمات الحيوية، وفي الواقع، توفر كلمة السر وبصمة الإصبع وبصمة الوجه حماية قوية للمستخدمين لمنع وصول الأشخاص غير المخولين إلى بياناتهم وملفاتهم، ومع ذلك، توجد طرق خاصة تسمح للشركات المصنعة للأجهزة الذكية بفتح الأجهزة والوصول إلى البيانات والملفات، وذلك من خلال نظام التشغيل المستخدم في الجهاز. 

وأضاف في تصريحات لـ"جسور بوست"، يتطلب استخدام هذه الطريقة ظروفًا محددة ويتعين أن يكون هناك طلب من صاحب الجهاز أو من الشخص الذي تنتقل إليه ملكية الجهاز في حالة وفاة صاحبه الأصلي، ويؤكد الخولي أن بصمة قزحية العين أصبحت واحدة من أهم الوسائل المستخدمة من قِبل الشركات المصنعة للهواتف الذكية مثل سامسونج وآبل، وتعد بصمة العين أحد أنواع البيانات الحيوية التي توفر حماية قوية للتحقق من هوية المستخدمين وفتح قفل هواتفهم، ويمكن للمستخدمين فتح قفل هواتفهم بسهولة عن طريق النظر إلى شاشات الهواتف، حيث يتم ذلك في أجزاء من الثانية، وتستخدم هذه التقنية تقنيات متطورة لقراءة بصمة قزحية العين التي تم تسجيلها على الجهاز. 

حياة سبايدرمان في مصر ورحلته من الطفولة للمعاش


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية