الاغتيال السياسي.. جريمة ضد الإنسانية تهدد حقوق الإنسان وتستدعي تدخلاً دولياً رادعاً
الاغتيال السياسي.. جريمة ضد الإنسانية تهدد حقوق الإنسان وتستدعي تدخلاً دولياً رادعاً
في عالم يفترض أن تسوده قيم العدالة والحرية، يبرز الاغتيال السياسي كظاهرة مروعة تُهدد صميم حقوق الإنسان وتُعيق مسيرة التقدم نحو مجتمعات آمنة وديمقراطية.
وفي مشهد سياسي عالمي يشهد اضطرابات وصراعات متزايدة، تصبح قضية الاغتيالات السياسية أكثر بروزاً كواحدة من أخطر التهديدات التي تواجه الأمن والاستقرار الدوليين، هذه الاغتيالات ليست مجرد جرائم فردية بل هجمات متعمدة تستهدف شخصيات سياسية، وصحفيين، ونشطاء حقوق الإنسان بهدف إسكات الأصوات المعارضة وتقويض المبادئ الديمقراطية.
في هذا السياق، يلعب القانون الدولي وحقوق الإنسان دوراً حاسماً في معالجة هذه القضايا ومنع تكرارها، من خلال توفير الأطر القانونية المناسبة وتعزيز آليات الحماية والمساءلة.
وتشير تقارير منظمات حقوقية دولية، مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، إلى أن حالات الاغتيال السياسي شهدت زيادة ملحوظة في العقد الأخير.
وتشير التقارير إلى أن الاغتيالات السياسية في تزايد مستمر خاصة في المناطق التي تشهد صراعات سياسية وعدم استقرار ووفقاً لتقرير منظمة العفو الدولية لعام 2022 تم تسجيل 150 حالة اغتيال سياسي في أمريكا اللاتينية وحدها، ما يشير إلى تفاقم المشكلة في تلك المنطقة.
ووفقاً لمنظمة العفو الدولية تم تسجيل أكثر من 700 حالة اغتيال سياسي بين عامي 2015 و2020.
وتُظهر هذه الأرقام الحاجة الماسة لتفعيل دور القانون الدولي في محاسبة مرتكبي هذه الجرائم وحماية الأفراد المستهدفين، فالقانون الدولي يوفر إطاراً قانونياً قوياً لملاحقة المسؤولين عن الاغتيالات السياسية وضمان العدالة للضحايا، ويُعَدّ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقيات جنيف من أهم المعاهدات التي تجرّم الاغتيالات السياسية وتعتبرها انتهاكاً صارخاً للحقوق الأساسية، مثل الحق في الحياة والأمن الشخصي.
وتُتيح هذه المعاهدات للمجتمع الدولي فرصة للتحرك ضد الدول والأفراد المتورطين في مثل هذه الجرائم، بغض النظر عن مواقعهم الجغرافية، وتلعب المحكمة الجنائية الدولية (ICC) دوراً محورياً في تقديم مرتكبي الاغتيالات السياسية إلى العدالة، وتتدخل المحكمة في الحالات التي تكون فيها الجرائم جزءاً من هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد السكان المدنيين، ما يعزز دور القانون الدولي في مكافحة هذه الظاهرة.
وتؤكد تقارير الأمم المتحدة أن المحكمة الجنائية الدولية تحقق في العديد من قضايا الاغتيال السياسي وتلاحق المسؤولين عنها، ما يبعث برسالة قوية أن الإفلات من العقاب ليس خياراً متاحاً.
من جانب آخر، تُعد حقوق الإنسان حائط الصد الأول ضد الاغتيالات السياسية، تعزيز بيئة سياسية قائمة على احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية يمكن أن يحد من دوافع العنف السياسي، الحكومات ملزمة بتعزيز سيادة القانون وضمان الشفافية والمساءلة في جميع جوانب الإدارة السياسية والأمنية.
ويشير تقرير صادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش إلى أن تطبيق حقوق الإنسان بشكل صارم يمكن أن يقلل من احتمالات حدوث الاغتيالات السياسية، عبر تعزيز الحماية القانونية للأفراد المعرضين للخطر.
على المستوى الدولي، يُعد التعاون بين الدول والمجتمع المدني أمراً حيوياً في مكافحة الاغتيالات السياسية، ويلعب المجتمع المدني دوراً أساسياً في رصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان، نشر الوعي حول مخاطر الاغتيالات السياسية، وتقديم الدعم للضحايا وأسرهم.
وتعمل منظمات المجتمع المدني أيضاً على حماية الشهود والمبلغين عن الجرائم، لضمان عدم تعرضهم للتهديد أو الانتقام.
ويرى متخصصون أن القانون الدولي وحقوق الإنسان يمثلان دورا في معالجة الاغتيالات السياسية ومحوراً حيوياً لبناء مجتمع دولي أكثر عدالة وأماناً، ويتطلب التصدي لهذه الظاهرة تضافر الجهود الدولية والوطنية لتعزيز سيادة القانون، وحماية الحقوق الأساسية، وضمان عدم الإفلات من العقاب.
عبر هذه الجهود المشتركة، يمكننا تحقيق مستقبل أكثر أماناً واستقراراً للجميع، حيث يتم احترام كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية دون خوف من التهديد أو العنف.
دور المؤسسات الحقوقية في مواجهة الاغتيالات السياسية
وقالت مها برجس، حقوقية كويتية بالمنظمة العربية لحقوق الإنسان، إن هناك تزايدا في الاضطرابات السياسية والاجتماعية يجعل المؤسسات الحقوقية تلعب دوراً حيوياً في مواجهة الاغتيالات السياسية وهي ظاهرة تنتهك الحقوق الأساسية وتزعزع استقرار المجتمعات تتجلى أهمية هذه المؤسسات في تقديم الدعم للضحايا وأسرهم وفي الضغط على الحكومات لتحمل مسؤولياتها في حماية المواطنين ومحاسبة الجناة، وتشكل الاغتيالات السياسية انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان وتعد تحدياً كبيراً للأمن والاستقرار الدولي غالباً ما تستهدف هذه الجرائم الشخصيات السياسية والصحفيين والنشطاء الذين يسعون لتغيير أو فضح الفساد والقمع، ومع زيادة ملحوظة في الأعوام الأخيرة دور المؤسسات الحقوقية تقوم المؤسسات الحقوقية مثل منظمة العفو الدولية برصد وتوثيق حالات الاغتيال السياسي وتقديم تقارير مفصلة عنها.
وأضافت في تصريحات لـ"جسور بوست": تسهم هذه التقارير في فضح الجرائم وحشد الدعم الدولي لإدانتها، كذلك توفر المؤسسات الحقوقية الدعم القانوني والمعنوي للضحايا وأسرهم، على سبيل المثال تقدم لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة المساعدة القانونية والتوجيه للأسر التي فقدت أحباءها بسبب الاغتيال السياسي، تضغط هذه المؤسسات على الحكومات لتحمل مسؤولياتها في التحقيق في حالات الاغتيال السياسي ومحاسبة الجناة وقد نجحت حملات الضغط في بعض الأحيان في دفع الحكومات إلى إجراء تحقيقات شفافة ومحاسبة المسؤولين، كذلك تعمل المؤسسات الحقوقية على نشر الوعي حول خطورة الاغتيالات السياسية وأهمية حماية حقوق الإنسان، وتقوم بتنظيم ورش العمل والندوات والمؤتمرات لتعزيز ثقافة حقوق الإنسان.
واستطردت: تلعب القوانين الدولية دوراً مهماً في مكافحة الاغتيالات السياسية، ومن أبرز هذه القوانين العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، تنص المادة السادسة منه على حق كل إنسان في الحياة وتحظر الحرمان التعسفي من الحياة، فاتفاقيات جنيف تحظر استهداف المدنيين في النزاعات المسلحة وتشمل حماية الشخصيات السياسية والنشطاء، فنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية يتيح محاسبة الأفراد المتورطين في جرائم ضد الإنسانية بما في ذلك الاغتيالات السياسية، ورغم الأطر القانونية الدولية يواجه تطبيقها تحديات كبيرة، ومن بين هذه التحديات عدم تعاون الدول ترفض بعض الدول التعاون مع المؤسسات الدولية في التحقيقات وتسليم الجناة.
وتابعت، تستخدم بعض الحكومات الاغتيالات السياسية لقمع المعارضة مما يعقد جهود محاسبة المسؤولين عنها، ولتعزيز مواجهة الاغتيالات السياسية يجب تعزيز التعاون بين الدول والمؤسسات الدولية في تبادل المعلومات، كما يجب تحديث القوانين الوطنية والدولية لتوفير حماية أكبر للشخصيات السياسية والنشطاء وينبغي أيضا توفير حماية فعالة للشهود والمبلغين عن الجرائم لضمان عدم تعرضهم للتهديد أو الانتقام.
مها برجس
وأتمت: تلعب المؤسسات الحقوقية دوراً حيوياً في مواجهة الاغتيالات السياسية وحماية حقوق الإنسان من خلال الرصد والتوثيق والدفاع عن الضحايا والضغط على الحكومات لمكافحة هذه الجرائم وتحقيق العدالة.
قراءة في القوانين الدولية الخاصة بالاغتيالات السياسية
وبدوره، علّق أستاذ القانون الدولي نبيل حلمي: تبرز أهمية القوانين الدولية كأدوات أساسية لمكافحة هذه الجرائم البشعة، حيث تشكل الاغتيالات السياسية تهديداً خطيراً للسلام والاستقرار الدوليين، ويوفر القانون الدولي إطاراً شاملاً لمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم وضمان العدالة للضحايا، ويُعتبر العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية من أهم المعاهدات الدولية التي تتناول الحقوق الأساسية للأفراد، بما في ذلك الحق في الحياة والأمن الشخصي، حيث نصت المادة 6 من العهد على أن "الحق في الحياة هو حق ملازم لكل إنسان، وعلى القانون أن يحمي هذا الحق، ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفاً"، ويشكل هذا النص قاعدة قانونية صريحة تجرّم الاغتيالات السياسية، وتؤكد ضرورة حماية الأفراد من العنف الممنهج الذي يستهدف حياتهم لأسباب سياسية.
وأضاف في تصريحات لـ"جسور بوست": تعد اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية من الركائز الأساسية للقانون الدولي الإنساني، وتحظر هذه الاتفاقيات بشكل قاطع الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية للأفراد، بما في ذلك الاغتيالات المستهدفة، كذلك تنص (المادة 3) المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربعة على حظر "الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله"، هذا النص يشمل حالات الاغتيال السياسي، ويعزز من الحماية القانونية للأفراد خلال النزاعات المسلحة وغير المسلحة.
أستاذ القانون الدولي نبيل حلمي
واستطرد: تعتبر المحكمة الجنائية الدولية من أهم المؤسسات الدولية التي تتعامل مع جرائم الاغتيال السياسي، وتُعرف الجرائم التي تندرج ضمن اختصاص المحكمة بأنها تشمل جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الإبادة الجماعية، وبموجب نظام روما الأساسي يُمكن ملاحقة الأفراد المسؤولين عن الاغتيالات السياسية إذا كانت جزءاً من هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد السكان المدنيين على سبيل المثال، تُعتبر الاغتيالات السياسية التي تُرتكب كجزء من سياسة دولة أو منظمة ضد مجموعة معينة من السكان من الجرائم ضد الإنسانية، والتي يمكن للمحكمة الجنائية الدولية محاكمة مرتكبيها.
وتابع: من ناحية أخرى يُعزز القانون الدولي لحقوق الإنسان من حماية الأفراد ضد الاغتيالات السياسية عبر مجموعة من المعاهدات والاتفاقيات، إلى جانب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وتشمل هذه الاتفاقيات الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، التي تنص على حظر الاختفاء القسري للأفراد، بما في ذلك حالات الاغتيال التي تخفيها الدولة أو الجهات المتورطة، كما تُعزز الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان من الحماية ضد الاغتيالات السياسية عبر آلياتها القانونية والإشرافية.