الاحتفالات المهجرة.. قصص حقيقية لمأساة اللاجئين ومعاناتهم في أوقات الأعياد

الاحتفالات المهجرة.. قصص حقيقية لمأساة اللاجئين ومعاناتهم في أوقات الأعياد

الأعياد في ظل اللجوء.. بين البهجة والتحديات القاسية

تحت ظروف قاسية.. كيف يعيش اللاجئون من اليمن والعراق وسوريا أعيادهم؟

الحقوق المهدورة.. حياة النازحين في موسم الأعياد وسط نقص الغذاء والخدمات الصحية

"بعد أن تركت الأرض التي أنبتتني وعائلتي، سوريا، ووصلت إلى كندا قبل عدة سنوات، بدأت رحلة الاغتراب تخيم بثقلها على أيامي وخاصة في أوقات الأعياد". 

هكذا وصف نادر علوة -وهو لاجئ سوري في كندا منذ 2014- رحلة اغترابه، متابعًا سرد مشاعره لـ"جسور بوست"، "في كل عام، تعود ذكريات الأعياد في دمشق، بشوارعها المزدحمة بالناس والأسواق المليئة بالحياة، تتجدد أمامي كأحلام مرَّت، وكأنني أعيش بين ذكريات لا تمحى". 

يستكمل في حنين، في كندا، تبقى الأعياد ليست مجرد أيام احتفالية، بل هي أيامٌ تذكِّرني بالفراغ الذي يملأ قلبي، وبالبعد الذي يفصلني عن عائلتي وأصدقائي، يأتي العيد وأنا أتأمل الطريقة التي سأجعل بها هذا العام مختلفًا، كيف سأحقق قدرًا من الفرحة لأبنائي ولمن معي من أهلي في الجالية السورية هنا في كندا، أحاول جاهدًا أن أكون الجسر بين ماضي عائلتي وحاضرنا الجديد، أحاول أن أعيش الأعياد بروح الاحتفال والبهجة، وأن أنقل لأولادي تراثنا وثقافتنا بأبهى حللها. 

وعن طقوس العيد يقول، أقيم معهم طقوس العيد التي تربيت عليها، نتذوق سويًا أطباقنا التقليدية، ونشارك في الأنشطة والفعاليات التي تُنظمها الجاليات الإسلامية هنا، حيث يشعرنا الانتماء والتضامن بالدفء والقبول. 

ويضيف، الجاليات الإسلامية في كندا تستقبلنا بذراعين مفتوحتين، تشاركنا الفرح والاحتفالات، وتعزز من شعورنا بأننا جزء من مجتمع يحترم التنوع ويقدر الثقافات المتعددة. هنا، أجد المساحة لأن أكون نفسي، وأن أحتفظ بهويتي السورية وفي الوقت نفسه أدمج في المجتمع الجديد بكل حب واحترام. 

في كل عام، يأتي العيد ليذكرني بالفرح والأمل والوحدة، فأسعى لأن أكون نورًا ينير حياة أسرتي وأطفالي، وأن أجعل من الاغتراب رحلة تعلم وتجديد للروح، حيث أجد في كندا بيتًا ثانيًا لقلبي وأفراحي. 

في نهاية المطاف، فإن الحياة هنا تعلمني أن الأمل لا يموت، وأن الأعياد هي فرصة لنعبر عن محبتنا ولنجدد الروابط، بغض النظر عن المكان الذي نحتفل فيه، فالحب والاحترام هما لغة القلوب التي تجمعنا كلنا. 

مشكلة نادر علوة ليست مشكلة فردية، فبينما يحتفل الكثيرون في أوطانهم بهذا العيد المبارك، يجد هؤلاء أنفسهم بعيدين عن ديارهم، محرومين من مشاعر الأمان والاستقرار التي تحفّ به هذا اليوم الموسم. فحسب البيانات الصادرة عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، هناك نحو 84 مليون نازح قسري في جميع أنحاء العالم، منهم 26.6 مليون لاجئ، و48 مليون نازح داخليًا، و4.1 مليون طالب لجوء. 

No photo description available.

ومن بين هؤلاء، يشكل اليمنيون والفلسطينيون والسوريون والسودانيون النسبة الأكبر، حيث بلغ عدد النازحين منهم 32 مليون نازح بحلول نهاية عام 2022. 

فقد اضطر الملايين من اليمنيين إلى الفرار من ويلات الحرب الدائرة في بلادهم منذ عام 2015، ليجدوا أنفسهم في مخيمات اللاجئين المكتظة بالسكان أو مشردين في الشوارع. 

وفي فلسطين، ما زال الصراع الدامي مستمرًا منذ عقود، ما دفع الكثيرين إلى البحث عن حياة آمنة خارج أرض الوطن. أما السوريون، فقد فروا من بطش نظام الأسد المستبد ومن ويلات الحرب الأهلية المستعرة منذ عام 2011.

وفي السودان، لا تزال الاضطرابات السياسية والنزاعات الإثنية تحدث موجات نزوح متتالية. 

تقرير منظمة العفو الدولية أبرز أن النازحين يعانون من نقص حاد في الموارد الأساسية مثل الغذاء والمياه والكهرباء في المخيمات، ما يجعل من الصعب عليهم إعداد الأطعمة التقليدية وإحياء تقاليدهم بشكل كامل. 

وأشار التقرير إلى افتقاد الخدمات الصحية والتعليمية الكافية، مما يعيق قدرتهم على الاحتفال بالأعياد كما كانوا يفعلون في بلدانهم الأصلية. 

من جهتها، أصدرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بيانًا في يونيو 2024، دعت فيه إلى تقديم دعم إضافي للنازحين خلال فترة الأعياد، بما في ذلك توزيع سلال غذائية وتنظيم أنشطة ترفيهية وثقافية في المخيمات. 

وأكدت أهمية تحسين أوضاع المعيشة في المخيمات من خلال توفير خدمات صحية وتعليمية إضافية. 

التقرير أيضًا يلقي الضوء على الانعكاسات النفسية والاجتماعية للظروف القاسية التي يعيشها النازحون، حيث يتعرضون لانعدام الخصوصية والكرامة، والذي يجعل من الصعب عليهم الاحتفال بالأعياد بشكل يعكس ثقافاتهم وتقاليدهم بالشكل المألوف. 

ودعا التقرير إلى التعاون الدولي لدعم النازحين وتوفير المساعدات اللازمة بشكل فوري وفعال، لضمان أن يكون للنازحين نصيب من الفرحة والبهجة في موسم الأعياد رغم الظروف الصعبة التي يواجهونها.

ولـ"جسور بوست"، يروي هؤلاء النازحون معاناتهم، فبعيدًا عن ذكريات الطفولة والأجواء الأليفة للاحتفال بالعيد في ديارهم، يجدون أنفسهم محاصرين في مخيمات تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة. 

فلا يملكون إلا القليل لينفقوه على لباس جديد أو لتحضير وجبات الطعام التقليدية. وغالبًا ما يفتقرون إلى التجمعات العائلية والأجواء الاحتفالية المفعمة بالبهجة والتراث. 

وتزداد معاناتهم في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة وندرة الموارد المالية، فكثيرون منهم يعملون في أعمال مؤقتة أو يعتمدون على المساعدات الإنسانية التي لا تكفي لتغطية احتياجاتهم الأساسية، ناهيك عن تحمل تكاليف الاحتفال بالعيد. 

وهناك من يحاول الاحتفال على طريقته الخاصة، فيقيمون تجمعات صغيرة في المخيمات لتبادل التهاني وتناول بعض الأكلات التقليدية، لكن هذه الاحتفالات تبقى شاحبة وباهتة مقارنة بما كانوا يعيشونه في أوطانهم. 

في المقابل، يتطلع هؤلاء النازحون إلى العودة إلى ديارهم والاحتفال مع أسرهم وأحبائهم، لكن متى سيتحقق ذلك، لا أحد يدري، فما زالت الأوضاع السياسية والأمنية متأزمة في بلدانهم، ما يجعل احتمالات العودة ضبابية وبعيدة المنال. 

وبينما ينشدون السلام والاستقرار، يبقى عيد الفطر في الغربة محاطًا بمشاعر الحرمان والاغتراب.

يمني في أمريكا

في ظل أجواء العيد المعطرة بروائح الفرحة والبهجة، تلوح في الأفق صور مختلفة لأبناء الأمة العربية المقيمين في الغربة. فبينما يرسم عيد الأضحى في نفوس المقيمين في أوطانهم لوحة من السعادة والطمأنينة، تظهر تجارب آخرين أكثر تعقيداً وتنوعاً.

منهم، عاصم الديلمي، يمني يعيش في أمريكا بعد إهدار دمه من جماعة الحوثي يقول: بعد أن هجرت الأرض التي روتني وعائلتي، اليمن، وبلغني نداء الأمان في أمريكا، بدأت رحلة اغتراب الروح بعيدًا عن الأهل والأحباب تتسلل إلى كل خيوط حياتي، خاصة في أوقات الأعياد، في هذه الأيام السعيدة، تعود ذكريات عيد الأضحى في صنعاء، بمعابرها المزدحمة بالضحايا والأسواق المليئة برائحة القهوة المطحونة والتمور، تنبعث أمامي كأحلام راحلة، كأنني أعيش بين صور تلوح في الأفق. في أمريكا، تبقى الأعياد فرصة لأدمج الأصوات القديمة مع تجديد الألحان، لأشارك في طقوس العيد التي اعتادتها أسرتي وأنا طفل. 

ويتابع سرد حكايته لـ"جسور بوست"، أحاول جاهدًا أن أعيش الأعياد بروح الاحتفال والبهجة، وأن أنقل لأولادي التراث والثقافة اليمنية بأبهى صورها، نستقبل العيد بتقديم الأضاحي، ونتبادل التهاني مع الجالية المسلمة هنا في أمريكا، حيث يشعرنا الانتماء والتضامن بالدفء والاحترام، الجاليات الإسلامية هنا تفتح ذراعيها لتحيينا بروح الأخوة والمحبة، تشاركنا الفرح والاحتفالات، وتدعمنا في الاحتفال بطقوسنا الدينية بكل حماس وتفانٍ.

ويستكمل، هنا، أجد المساحة لأن أكون نفسي، وأن أحتفظ بهويتي اليمنية بكل فخر وكرامة، في الوقت نفسه أدمج في المجتمع الجديد بكل تسامح واحترام، في كل عام، يأتي العيد ليجدد لي الأمل والإيمان، أحاول أن أكون قوة دافعة لأسرتي ولأبنائي، أن أملأ الفراغ الذي يملأ قلبي بروح الاحتفال والبهجة، نحن هنا في أمريكا نحتفظ بروح العيد بالصلاة وتقديم الأضاحي، ونعبر عن فرحتنا بالعيد بكل صدق وإخلاص. 

وأتم، في نهاية المطاف، فإن الحياة هنا تعلمني أن الأمل لا يموت، وأن الأعياد هي فرصة لنعبر عن محبتنا ولنجدد الروابط، بغض النظر عن المكان الذي نحتفل فيه، فالحب والاحترام هما لغة القلوب التي تجمعنا كلنا. الكاتب: لاجئ يمني إلى أمريكا.

No photo description available.

الأعياد في ألمانيا غربة

وعن تجربة لجوئه إلى ألمانيا يحكي الكردي العراقي فؤاد حسين طالب قصته فيقول، بعد أن هربت من ويلات داعش في كردستان العراق، وصلت إلى ألمانيا بحثًا عن حياة آمنة وكريمة لي ولأسرتي، لقد كانت رحلة الاغتراب هذه تجربة حياة مليئة بالتحديات والصعاب، خاصة في أوقات الأعياد التي تذكرني بأوطاني البعيدة ومجتمعي الذي ترعرعت فيه. 

في ألمانيا، وجدت نفسي محاطًا ببيئة جديدة، حيث تسود التعددية الثقافية والدينية، بدأت أدرك تدريجيًا أن بإمكاني أن أحتفظ بهويتي الدينية وأعيشها بحرية واحترام، على الرغم من التحديات التي تواجهني في التأقلم مع الثقافة الجديدة ولغة مختلفة، فإن الحرية في ممارسة الشعائر الدينية كانت لي سبيلًا للتعبير عن هويتي وتواصلي مع ماضي وتراثي. 

في أوقات الأعياد، مثل عيد الفطر وعيد الأضحى، تجتمع الجالية الإسلامية في ألمانيا للاحتفال بروح الأخوة والمحبة، نجدد التواصل مع بعضنا البعض، ونشعر بالتضامن والدعم المتبادل. 

إنني أحرص دائمًا على المشاركة في الصلوات وتقديم الأضاحي والاحتفال بالأعياد بالطريقة التي علمنا بها أهلنا ووجدناها في وطننا، لقد تعلمت كيف أتغلب على الاغتراب والاضطهاد بالتركيز على الأمور الإيجابية، مثل الاستفادة من فرص التعليم والعمل في ألمانيا، وبناء شبكات اجتماعية قوية داخل الجالية الإسلامية. 

تلك الشبكات تمثل لي دعمًا معنويًا وروحيًا، وتساعدني في المحافظة على ثقافتي وتقاليدي وديني دون أي قيود أو حواجز. 

وفي النهاية، تعلمت أن الاحتفاظ بالهوية والاندماج في المجتمع الجديد ليسا على حساب بعضهما البعض، بل يمكن للفرد أن يكون مواطنًا نشطًا في مجتمعه ويحتفظ بثقافته ودينه بكل كرامة واحترام.

 


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية