تجارة الموت.. الأدوية "المغشوشة" تنهش جسد لبنان المريض

تجارة الموت.. الأدوية "المغشوشة" تنهش جسد لبنان المريض

لبنان- بلال نور الدين

في ظل ارتفاع أسعار الأدوية في لبنان نتيجة الأزمة الاقتصادية الخانقة ورفع الدعم عن بعض الأدوية الأساسية، انتشرت في الأسواق أدوية "مغشوشة" لتضع الأمن الصحي للمواطن في خطر، ورغم أن تداول الأدوية المغشوشة ليس بالأمر الجديد في لبنان، فإن حجم المشكلة يزداد يوما بعد يوم، ما يفتح الباب للكثير من التساؤلات حول مصدر تلك الأدوية والخطوات اللازمة لمواجهة بيعها في السوق.

وفي هذا السياق، أوقفت القوى الأمنية مؤخرا مواطنين لبنانيين، أحدهما يملك صيدلية، بعدما اكتشفت إحدى شركات المتممات الغذائية أن منتجاتها تزور وتباع في السوق، وقد تم إحالة المتهمين إلى القضاء المختص.

وعلمت "جسور بوست" من خلال مصدر في الشركة أن أحد المتهمين هو "تاجر شنطة" أي يبيع الأدوية بدون رخصة، في حين أن الصيدلي كان هو من يزور المتممات، وقد رفض المصدر الإدلاء بمعلومات إضافية بخصوص القضية قائلا “أدلينا بما لدينا أمام القضاء”.

نقابة الصيادلة لا تتساهل

وعن موقف نقابة الصيادلة من هذه القضية، قال النقيب جو سلوم، إن “الملف اليوم لدى القضاء، وأنا أتمنى كشف الحقيقة بسرعة لكي نعرف الفاعل الحقيقي، والنقابة تنسق بشكل مباشر مع الأجهزة القضائية، ولقد أخذنا قرارا بمنع صرف هذه المكملات من الصيدليات، ونحن بانتظار وزارة الصحة لكي تقوم بدورها وتصدر القرار المناسب، ونكرر بأن هناك ضرورة لملاحقة كل أشكال التزوير والمخالفات”. 

وأضاف سلوم في حديث مع "جسور بوست" أنه “لدينا ثقة بالمسار القضائي ونقابة الصيادلة تساند القضاء في كل الملفات”.

وعن مصادر الدواء المزور قال سلوم، "يأتي الدواء المزور من عدة بلدان، والدواء قد لا يكون يحتوي على نفس المكونات أو حتى تم التلاعب بتاريخ صلاحيته.. والأخطر من ذلك، أن هذه الأدوية قد تكون نوعيتها متدنية، وهذا بدوره ينعكس على جودة الخدمة الصحية".

وتابع “إن أي دواء يدخل إلى لبنان بصورة غير شرعية يمثل خطورة بأن يكون دواء مزورا أو أن يكون محفوظا بطريقة خاطئة، وهذا أمر مضر جداً، مضيفا أن بعض الدواء المزور يدخل أيضا بطريقة شرعية”.

وتشير تقارير إعلامية لبنانية، إلى أن أغلب الأدوية المزورة التي تدخل إلى لبنان يكون مصدرها الصين.

وعن أماكن بيع هذه الأدوية كشف سلوم، أنها "عادةً تباع خارج الصيدليات".

وأضاف، شارحا الدور الرقابي لنقابة الصيادلة، "هناك متابعة جذرية لهذا الموضوع ضمن نطاق الصيدليات. ولكن قد يحدث أحياناً أن تباع هذه الأدوية لبعض الصيادلة دون أن تكون على علم بأنها مزورة".

وتابع، "إن نقابة الصيادلة تقوم بالتفتيش المستمر لمنع بيع هذه الأدوية، وملاحقة الصيدليات، علما أن الصيدليات ملتزمة إلى حد كبير وفي حال وجود أي مخالفات فنحن نلاحقها. ولكن المشكلة الكبيرة هي خارج نطاق الصيدليات".

وعما إذا ما كان هناك أشخاص تضرروا من جراء الدواء المزور أوضح أن “هناك حالات تسجل في المستشفيات لأنه يوجد دواء مزور لدى المستشفيات، فمثلا، نجد أن بعض أدوية السرطان المستخدمة لا تحتوي على المواد الأساسية مما يؤدي إلى وفاة المرضى أو تأخر علاجهم”.

وأكد سلوم أنه “لا توجد طريقة تمكن المستهلك من تمييز الدواء المزيف من الأصلي، ولذلك نحن نطالب الدولة بالعمل لمنع تهريب الأدوية”.

وحول حل الأزمة، قال إنه “لا بد من قرار سياسي واضح يمنع كل أشكال التهريب، وأن يكون كل دواء يدخل إلى لبنان مسجلا لدى وزارة الصحة، كذلك يجب أن نتأكد أن الأدوية مسجلة بوزارة الصحة وأنها ذات جودة عالية وحاصلة على شهادات عالمية”.

ضعف الرقابة

وتعليقا على كلام النقيب سلوم حول دخول الدواء المزور إلى لبنان بشكل غير شرعي، قال عضو لجنة الصحة في البرلمان اللبناني النائب والطبيب عبدالرحمن البزري، إنه إذا صح ذلك “فللأسف لا شيء يمنعه من أن يصل إلى الرفوف والأسواق والصيدليات، ليباع سواء أكان في المستشفيات أو خارجها”.

وتابع البزري في حديث مع "جسور بوست"، قائلا “الدواء المزور يمكن أن يدخل إلى لبنان عبر معابر غير شرعية أو عبر الحقائب بشكل شرعي حيث لا يتم تفتيش الحقائب (عند الحدود)، كما يمكن أن يكون هناك أدوية تدخل بأوراق صحيحة ولكن بدون تحديد صحيح وكافٍ لمدى جودة الكمية التي تدخل البلاد حتى لو دخلت بشكل شرعي”.

ورغم أنه لا تتوفر بيانات عن النسبة المئوية المقدرة للأدوية المزيفة، فإن بعض التقارير الصحفية تشير إلى أن ما يقارب 50% من الأدوية التي تدخل إلى لبنان من الخارج مزورة.

ووصف "البزري"، واقع أزمة الأدوية المزورة، قائلا، إن "المشكلة في لبنان هي عجز الدولة عن تطبيق القوانين والرقابة الجدية، وذلك لأسباب عديدة منها الانهيار السياسي الذي انعكس على مختلف الإدارات، وبالتالي، تأثرت الإدارات والهيئات الرقابية سواء في وزارة الصحة وفي غيرها من الوزارات المعنية بمراقبة جودة ونوعية الدواء وغيرها من المواد التي يستخدمها المواطنون والمرضى تحديدا".

وتابع "البزري"، “ثانيا، دخول أدوية غير مطابقة للقواعد العلمية أو المواصفات وإن كان بشكل شرعي أو غير شرعي”.

وأضاف، “وهكذا نلحظ لجوء المرضى أحيانا للسوق غير الشرعي، حيث لا توجد ضمانة على نوعية الدواء. وهذا مرده إلى عاملين اثنين أهمهما سعر الدواء الغالي، إذ يعتقد المريض أن الدواء المزور هو بنفس الفاعلية وهذا ما تسوق له مافيا تهريب الدواء، والنقطة الثانية هي فقدان الدواء (الأصلي) في الأسواق.. وهذا يؤدي إلى اضطرار المرضى أحيانا عن معرفة أو جهل لاستخدام أدوية غير صالحة”.

وعما إذا كان دعم سعر الدواء يساعد المواطن على شراء الدواء من الأماكن المرخصة، أوضح البزري، أن "دعم الدواء لديه حسنات ولديه تداعيات سلبية".

وأضاف مذكرا بالتداعيات السلبية لخطوة دعم سعر الدواء التي أقدمت عليها الدولة في وقت سابق فيقول “كنا نشتكي في الماضي من خسارة كبيرة للخزينة اللبنانية لصالح بعض المؤسسات الكبرى أو التجار المدعومين أو الأشخاص المحميين من إخراج الدواء المدعوم والذي يدفع ثمن دعمه المواطن اللبناني والدولة اللبنانية.. حيث يخرج الدواء إلى مناطق أخرى لكي يباع في أسواق أخرى.. وبالتالي يكون الدعم قد ذهب لغير المواطنين في لبنان”.

مخاوف من تدخلات سياسية 

من جهته، أشار عضو لجنة القمصان البيض، المعنية بحقوق الأطباء والمرضى، الدكتور والناشط الحقوقي هادي مراد، إلى أن "الدواء المزور يؤثر على كل عناصر الدورة الصحية، بمن في ذلك الصيدلي والطبيب والمريض، إذ من غير المعروف من أين يأتي.. فالدواء المزور يدخل من خلال الحقائب عبر الحدود الشرعية وغير الشرعية ثم يصل إلى الصيدليات".

وتابع مراد في حديث مع "جسور بوست"، قائلا "مثلا، هناك أدوية لا تأثير لها على المريض، أي أن لديها اسم الدواء (الأصلي) وشكل العلبة وشكل الدواء نفسه، ولكنها لا تحوي المحلول الكيميائي للدواء، وهكذا عندما يأخذ المريض الدواء (الذي لا قيمة له) فإن ذلك ينعكس سلبا على صحته وحياته واستشفائه".

وعن تقييمه لأداء الدولة في التعامل مع ملف الدواء المزور، قال "مراد"، "هناك كسل في وزارة الصحة، فمنذ 3 سنوات لم نر مزورا تم توقيفه، هناك إهمال شديد وتباطؤ في عمل وزارة الصحة، والدليل على ذلك، أن هناك صيدليات غير مرخصة تفتح، فالصيدلية غير الحائزة على ترخيص، تعد أسوأ من الدواء المزور كونها توفر أدوية غير مسجلة في وزارة الصحة".

وبينما لا يخفي "مراد" من تخوفه "من التساهل مع المزورين بسبب التدخلات السياسية"، يوصي بضرورة "أخذ صحة المرضى بعين الاعتبار للضغط على الجهات المعنية".

وأضاف، "المطلوب قانونيا، هو التعامل مع نقابة الصيادلة كونها المسؤولة عن التفتيش الصيدلي والمعطاة الشرعية والحصرية في مراقبة الصيدليات. فإذا تعاونت وزارة الصحة مع النقابة، فسيقدرون على منع التجارات غير الشرعية وتزوير الدواء، وعندها يمكن مراقبة الدواء بشكل صحيح، فنعرف من استورد وصدر ووزع واستهلك كل دواء".

ويصف القانون اللبناني تزوير الأدوية أو تهريبها بالجريمة، ويشدد تعديل المادة (92) من القانون رقم 367 الذي نشر سنة 1994 العقوبات على كل فعل يتناول الأدوية المهربة، منتهية الصلاحية وغير المسجلة أو الممنوع التداول بها، بحيث يعاقب الشخص بالاعتقال المؤقت وبالغرامة.

انتهاك لحقوق الإنسان

وحول مدى خطورة الأدوية المزورة على صحة الإنسان، تكشف رئيسة فريق المكتب القطري لمنظمة الصحة العالمية في لبنان، الدكتورة أليسار راضي، أن “الأدوية المزيفة تهدد سلامة العلاج، الذي يعد جانبًا مهمًا من الرعاية الطبية خاصة بين الفئات السكانية الأكثر ضعفًا، مما يزيد من عدم المساواة في الصحة وانتهاك حقوق الإنسان”.

وعن المشاريع التي عملت عليها منظمة الصحة العالمية لمكافحة آفة الدواء المزور، أوضحت "راضي" في حديث مع ”جسور بوست” أنه “منذ عام 2018، تساعد منظمة الصحة العالمية في لبنان، بدعم من الاتحاد الأوروبي، وزارة الصحة العامة على تطوير نظام وطني لتتبع الأدوية (MEDITRAK) الذي يسمح بتتبع الأدوية من مصدر الإنتاج إلى الاستيراد إلى صرفها، وهذا النظام يعمل بالفعل على مستوى الاستيراد، والتخزين والتوزيع وفي صيدليات المجتمع. وعندما يتم تشغيل النظام بكامل طاقته، على مستوى جميع صيدليات، فإنه سيساعد في تقليل الأدوية المزيفة في السوق المحلية”.

وتابعت، “تقدم منظمة الصحة العالمية حاليًا الدعم الفني إلى وزارة الصحة العامة لإعادة إنشاء الصحة العامة المركزية الوطنية، حيث إن لها وظيفة رئيسية حاسمة تتمثل في مراقبة سلامة وجودة دفعات الأدوية المقدمة في السوق المحلية”.

وكشفت "راضي"، عن أن “منظمة الصحة العالمية تدعم أيضًا المركز الوطني للتيقظ الدوائي الموجود في الجامعة اللبنانية، والذي يجري تحقيقات بشأن الآثار الجانبية للأدوية التي أبلغ عنها الطاقم الطبي أو المرضى، حيث يمكن أن تكون الأدوية مزيفة في بعض الأحيان”.

يذكر أن لدى وزارة الصحة ما يسمى برنامج ضمان الجودة للمستحضرات الصيدلانية وهو يهدف إلى حماية الصحة العامة من خلال تعزيز تنفيذ معايير الجودة المتعلّقة بسلامة المستحضرات الصيدلانية، ويشمل البرنامج جميع المراحل من تصنيع، وتسجيل، واستيراد، وتوفير المعلومات الضرورية وتوزيع المستحضرات الصيدلانية، وفقا لمعايير الجودة والأحكام القانونية، وأنّ هذه المستحضرات الصيدلانية هي آمنة وفعالة وذات نوعية جيدة من أجْلِ استعمال آمنٍ ومفيد للمريض. ويتميّز هذا البرنامج بكونه برنامجا شاملا يغطي كافة مراحل التصنيع والتسويق الدوائي وبكونه أساسيا لسلامة وأمان نظام الصحة العامة.

وعن الخطوات التي ترى منظمة الصحة العالمية أنها ضرورية للحد من ظاهرة الدواء المزور، قالت، إنه “يجب أن يكون هناك أولاً هيكل إداري يشرف على سلامة جودة الأدوية وتوافرها في جميع أنحاء البلاد، وينبغي أن تكون هذه البنية مستقلة، وقد تحرك لبنان بالفعل نحو هذا الاتجاه مع صدور قانون الهيئة الوطنية للأدوية في لبنان منذ عامين ولكن لم يتم سنه بعد. كما ينبغي أن يكون هناك بعض التشريعات لشراء الأدوية عبر الإنترنت، أيضا ينبغي تعزيز قدرة وزارة الصحة العامة على التفتيش بعد السوق، لأنها محدودة حاليًا، كما يجب توسيع نظام MEDITRACK إلى طاقته الكاملة. ومن الضروري أيضا تعاون أصحاب المصلحة المعنيين (الصيادلة والأطباء والمستوردين والجمارك، وما إلى ذلك) لتقليل دخول الأدوية المزيفة. وقبل كل شيء يجب أن يكون هناك رفع وعي مستمر على مستوى المجتمع”.

وفي السياق الحقوقي، كانت منظمة العفو الدولة قد حثت الحكومة اللبنانية في وقت سابق على “توسيع نطاق الخط الساخن (الذي أطلقته الدولة) ليشمل أنواعًا أخرى من الشكاوى حول الأدوية، ومن ضمن ذلك بيع أدوية منتهية الصلاحية أو مزيّفة”.

ورأت المنظمة أنه على الحكومة أن "تتخذ بصورة عاجلة خطوات أخرى لمعالجة حجم الأزمة الصحية في لبنان وجعل تكلفة الرعاية الصحية في متناول الناس. كما عليها أن ترفع ميزانية مراكز الرعاية الصحية الأساسية، وأن تعزز برامج المساعدات الاجتماعية، وأن تُجري الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي طال انتظارها والضرورية لحماية حقوق الإنسان".

 


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية