ارتفاع الأسعار في تركيا.. كيف تهدد الأزمة حقوق الإنسان الأساسية؟

ارتفاع الأسعار في تركيا.. كيف تهدد الأزمة حقوق الإنسان الأساسية؟

من أجل البقاء.. كيف يقاوم الشعب التركي أزمة غلاء المعيشة؟

التضخم يحاصر تركيا.. تأثيرات غلاء الأسعار على الأسر والمجتمع

تركيا بين التضخم وحقوق الإنسان.. قصة معاناة يومية

غلاء المعيشة في تركيا.. تحديات اقتصادية وحقوقية تواجه المجتمع

في زقاق ضيق في حي شعبي بإسطنبول، تجلس نسرين - اسم مستعار بناءً على طلبها - على كرسي خشبي قديم، تراقب أطفالها وهم يلعبون بالكرة. تعلو وجوههم البريئة ضحكات عفوية، لكن خلف تلك الضحكات تختبئ قصص قاسية عن كفاح يومي من أجل البقاء. "كانت الحياة أبسط من قبل، أما الآن فكل شيء أصبح مكلفاً بشكل لا يُطاق"، تقول نسرين وهي تتنهد بحسرة، لا يختلف الأمر كثيرًا عن وضع فررنا منه في سوريا الحبيبة.

وتسرد نسرين لـ"جسور بوست" باقي الحكاية، فيشهد الجميع على الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الغذائية "كنت أشتري كيلو الطماطم بـ5 ليرات، الآن أصبح بـ15 ليرة. كيف يمكنني توفير طعام صحي لعائلتي؟".

تقول نسرين، التي تعمل صحفية، إن هذا الارتفاع في الأسعار يضع ضغطاً هائلاً على الأسر ذات الدخل المحدود، ويؤدي إلى تدهور التغذية والصحة العامة. 

الأرقام تكشف الحقيقة القاسية وما تحدثت عنه نسرين، حيث أظهرت بيانات رسمية أن معدل التضخم السنوي في تركيا ارتفع إلى 68.5% في مارس 2024، وهو رقم ينذر بالخطر ويعكس الصعوبات الاقتصادية التي يواجهها الشعب التركي. 

هذه الزيادة الكبيرة في التضخم تعني أن الأسعار تتضاعف بسرعة، ما يجعل من الصعب على الأفراد والأسر تلبية احتياجاتهم الأساسية، وعلى الرغم من أن التضخم الشهري انخفض إلى 3.16% في مارس مقارنة بـ4.53% في فبراير و6.7% في يناير، فإن التأثير التراكمي يظل ثقيلاً على كاهل المواطن العادي. 

كلفة العلاج أصبحت عبئاً ثقيلاً في المستشفيات والعيادات، يشعر المرضى وأسرهم بتأثير غلاء المعيشة بشكل مؤلم، فارتفعت تكاليف الأدوية والعلاجات الطبية بشكل ملحوظ، ما جعل الحصول على الرعاية الصحية تحدياً كبيراً.

وتستكمل "نسرين" الحديث عن معاناتها قائلة: الأطفال هم الضحايا الصامتون للأزمة الاقتصادية "كان لدينا حلم أن نرسل ابننا إلى الجامعة، لكن الآن يبدو هذا الحلم بعيد المنال"، تكلفة الكتب واللوازم المدرسية ارتفعت بشكل كبير، ما يجعل من الصعب على العائلات تحمل نفقات التعليم، وهذا يهدد مستقبل جيل كامل. 

وتشير إلى أن هناك تأثيرات على نواحي الحياة المختلفة، البحث عن سكن ملائم أصبح تحدياً كبيراً في ظل ارتفاع الإيجارات، فمتوسط أجرة الشقق السكنية في تركيا يتراوح بين 250 و550 دولارا أمريكيا شهرياً، ما يجعل من الصعب على الأسر تأمين سكن لائق، "ندفع نصف دخلنا للإيجار، والباقي لا يكفي لتغطية الاحتياجات الأخرى"، 

وعن تكلفة التنقل تقول: تزيد الأعباء، ارتفاع أسعار الوقود والنقل العام يزيد من الأعباء اليومية على المواطنين، أصبحت تكلفة التنقل للعمل تفوق قدرتي، هذا الارتفاع يؤثر على قدرة الأفراد على التنقل بحرية ويزيد من الضغوط الاقتصادية". 

الأمل في الأفق.. تحديات واستجابات 

على الرغم من التحديات الهائلة، فإن الشعب التركي معروف بصبره وقوته في مواجهة الأزمات، من ناحية أخرى الحكومة تحاول جاهدة السيطرة على التضخم من خلال سياسات نقدية صارمة، حيث رفع البنك المركزي سعر الفائدة القياسي بمقدار 500 نقطة أساس في محاولة لتثبيت توقعات التضخم. "نحن ملتزمون بفعل كل ما يلزم لتحقيق استقرار الأسعار"، يقول وزير المالية محمد شيمشك. 

في خضم هذه الأزمة الاقتصادية، يبقى الأمل والتضامن هما السلاحان الأقوى للمواطنين. "نحن شعب قوي، مررنا بأزمات من قبل وسننجو من هذه أيضًا"، حسب ما تقول السيدة نسرين بابتسامة متفائلة. 

غلاء المعيشة في تركيا ليس مجرد أزمة اقتصادية، بل هو اختبار لحقوق الإنسان وجودة الحياة. القصص الإنسانية، مثل قصة نسرين وعائلتها، تمنح هذه الأرقام والبيانات حياة ومعنى، وتذكرنا بأن الوحدة والتضامن هما السبيل الوحيد لتجاوز هذه الأوقات الصعبة.

تأثيرات جمة على المجتمع وحقوق الإنسان

بدورها علقت الحقوقية الدولية البارزة نسرين زريقات بقولها، إن غلاء الأسعار له تأثير مباشر على حقوق الإنسان سلبيًا، أولًا على حق الغذاء، والغذاء هو الحق الأساسي لكل إنسان، ومع ارتفاع الأسعار، يكون من الصعب على العديد من الأسر التركية تلبية احتياجاتها الغذائية، ومن ثم فإن هذا الوضع يؤدي إلى تدهور نوعية التغذية وزيادة معدلات سوء التغذية، خاصة بين الأطفال وكبار السن. 

وتابعت في تصريحات لـ"جسور بوست"، الفشل في تأمين الغذاء الكافي يتعارض مع المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على حق كل شخص في مستوى معيشي يكفل له ولأسرته الصحة والرفاهية، بما في ذلك الغذاء، أيضًا هناك الحق في الصحة وهو من الحقوق الأساسية التي يجب أن يتمتع بها كل فرد. 

واستطردت، مع الزيادة الكبيرة في تكاليف الأدوية والخدمات الطبية، يجد الكثير من الأتراك صعوبة في الوصول إلى الرعاية الصحية اللازمة، فارتفاع أسعار الأدوية والعلاج لا يؤثر فقط على الأفراد المرضى، بل يمتد تأثيره إلى الأسر بكاملها التي تتحمل عبء تكاليف العلاج، هذا الوضع ينتهك المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي تؤكد حق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه. 

وتابعت، ارتفاع تكاليف التعليم واللوازم المدرسية يجعل من الصعب على العديد من الأسر إرسال أطفالها إلى المدارس، ما يؤدي إلى ارتفاع معدلات التسرب المدرسي، حق الطفل في التعليم مكفول بالقانون، وكذلك حق السكن والذي تحول إلى حلم بعيد المنال. السكن اللائق هو حق أساسي لكل إنسان، ومع ارتفاع الإيجارات وتكاليف المرافق، بات من الصعب على الكثير من الأسر تأمين مسكن مناسب، هذا الوضع يؤدي إلى تزايد حالات التشرد وسوء السكن، ما ينتهك المادة 11 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي تؤكد حق كل إنسان في مستوى معيشي مناسب بما في ذلك السكن. 

 وأكدت أن غلاء الأسعار له بالغ التأثير على الفئات الهشة، حيث تؤثر الأزمة الاقتصادية بشكل خاص على الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع، مثل الأطفال، وكبار السن، وذوي الاحتياجات الخاصة، هؤلاء الأفراد غالباً ما يكونون الأكثر تضرراً من غلاء الأسعار بسبب محدودية دخولهم واعتمادهم على الدعم الاجتماعي، هذه الفئات تحتاج إلى حماية خاصة بموجب القوانين الدولية لحقوق الإنسان، التي تؤكد ضرورة حماية ودعم الفئات الضعيفة في المجتمع. 

الإفراج عن المحامية نسرين زريقات بكفالة | موقع عمان نت

نسرين زريقات

بطالة وفقر في انتظار الأغلبية

وبدوره علق الخبير الاقتصادي الدولي رشاد عبده بقوله، إن غلاء الأسعار يعني أن القوة الشرائية للأسر تنخفض بشكل كبير، فعلى الرغم من أن الأجور قد تبقى ثابتة أو تزيد ببطء، فإن الأسعار المرتفعة تلتهم أي زيادات طفيفة في الدخل، هذا التآكل في القدرة الشرائية يؤدي إلى تقليص قدرة الأفراد على تلبية احتياجاتهم الأساسية مثل الغذاء، والملبس، والسكن، والرعاية الصحية، وزيادة معدلات الفقر مع استمرار ارتفاع الأسعار، حيث يزداد عدد الأفراد الذين يقعون تحت خط الفقر، وتضطر الأسر إلى اتخاذ قرارات صعبة، مثل تقليص النفقات على التعليم أو الرعاية الصحية من أجل تأمين الغذاء والسكن. 

وتابع في تصريحاته لـ"جسور بوست"، هذه الظاهرة تؤدي إلى تفاقم مشكلات الفقر وتوسع الفجوة بين الطبقات الاجتماعية، ما يهدد بتآكل النسيج الاجتماعي وتعزيز التفاوت الاقتصادي، وتزايد تكاليف الإنتاج نتيجة ارتفاع أسعار المواد الخام والخدمات يؤدي إلى ضغوط كبيرة على الشركات، خصوصاً الصغيرة والمتوسطة منها، والعديد من هذه الشركات قد تضطر إلى تقليص حجم عملياتها أو حتى الإغلاق، ما يزيد من معدلات البطالة ويدفع بالاقتصاد نحو الركود، والبطالة بدورها تعمق الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، وتؤدي إلى زيادة الاعتماد على الدعم الحكومي الذي قد يكون غير كافٍ في ظل الظروف الحالية. 

واستطرد، حق الإنسان في الغذاء الكافي والتغذية السليمة هو حق أساسي مكفول بموجب العهود الدولية، مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية، تصبح القدرة على الحصول على غذاء متوازن وصحي أمراً صعباً للكثير من الأسر التركية، هذا الوضع لا يضر فقط بصحة الأفراد، بل يهدد أيضاً مستقبل الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية، مما يؤثر على نموهم الجسدي والعقلي.

رشاد عبده

وأتم، غلاء الأسعار في تركيا يشكل تحدياً كبيراً ليس فقط للاقتصاد، ولكن لحقوق الإنسان الأساسية، هذه الأزمة تتطلب استجابة حقوقية شاملة لحماية حقوق الأفراد وضمان مستوى معيشي لائق لجميع المواطنين، التضامن المجتمعي والالتزام بحقوق الإنسان هما السبيل الوحيد لتجاوز هذه الأوقات الصعبة وبناء مستقبل أفضل للجميع. إن حماية حقوق الإنسان ليست مجرد واجب قانوني، بل هي التزام أخلاقي يعزز من كرامة الإنسان وجودة حياته.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية