بعد إيقاف القس دوماديوس حبيب.. "جسور بوست" تنشر أشهر وقائع إيقاف وعزل الرهبان بمصر خلال 3 عقود
بعد إيقاف القس دوماديوس حبيب.. "جسور بوست" تنشر أشهر وقائع إيقاف وعزل الرهبان بمصر خلال 3 عقود
مفكر علماني مسيحي لـ"جسور بوست":
المحاكمات الكنسية يجب أن تكون للتقويم وتصحيح المسار وليس للإدانة أو الانتقام
منصات التواصل الاجتماعي ساهمت في زيادة النقاشات حول تلك القرارات لكنها عمّقت الشروخ بسبب الجهل أحياناً
بقرار إيقاف رجل دين مسيحي بارز، أعادت الكنيسة الأرثوذكسية الأكبر بمصر فتح ملف مثير للجدل طالما وضع المؤسسة الدينية المسيحية في مرمى الانتقادات.
وأصدرت الكنيسة الأرثوذكسية مؤخرا بيانا بإيقاف قس يدعى دوماديوس حبيب إبراهيم وصفته بأنه "مثير للجدل" عن الخدمة الكهنوتية، فيما كشفت وسائل إعلام محلية أن من بين أعماله الجدلية "مشاركته بقناة تروج للمذهب الشيعي، والظهور في فيديو لعمل الكيك".
وتتسع سجلات وقائع الإيقاف المؤقت والعزل الدائم (التجريد/الشلح) أو الاستقالة التي طالت رهبانا، حيث اتهموا تارة بأفكار مخالفة أو الانشقاق، أو لاحقتهم شبهات الانغماس في ترف وملذات الدنيا مبتعدين عن أجواء الزهد.
وعلى مدى 3 عقود مضت، كانت بعض تلك الوقائع بمثابة زلزال داخل أرجاء الكنيسة الأم بمصر، أبرزها وأكثرها شيوعا وقع في عام 2001، بتجريد الراهب برسوم المحرقي، من رتبته الرهبانية والكهنوتية، بسبب "الانحراف عن السلوك السوي والخروج على تقاليد الرهبنة" وذلك ردا على نشر صحيفة مصرية خاصة صورا غير أخلاقية، اندلعت بسببها احتجاجات قبطية واسعة بالبلاد.
والرهبنة حركة شعبية مسيحية تعود جذورها إلى مصر، تهدف إلى مزيد من الترقي الديني داخل مقار الكنيسة أو أسوار أديرتها، ويشترط فيها الالتزام بالطاعة والتبتل والفقر الاختياري.
وكان من أبرز الشخصيات الكهنوتية التي واجهت العزل، هو الأب متى المسكين الذي قام البابا كيرلس السادس بعزله في ستينيات القرن الماضي، إذ اتهم بإطلاق "هرطقات"، وما لبث أن عاد بعد 9 سنوات، للرهبنة بقرار من البابا ذاته في إطار ما سمي آنذاك بـ"المصالحة".
الأب متى المسكين
"جسور بوست" رصدت أشهر وقائع تلك العقوبات الكنسية بين عهدي البابا شنودة الثالث (1971-2012) الذي عرف بالجنوح نحو المحافظة والبابا تواضروس الثاني (2012- حتى الآن) الذي عرف بميوله الإصلاحية.
في عهد البابا شنودة
على مدى نحو 41 عاما منذ اعتلاء شنودة الثالث الكرسي الباباوي رقم (117) في تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية، اتخذ المجمع المقدس (أعلى هيئة بالكنيسة) عقوبات بحق قساوسة ورهبان، ما بين عزل وإيقاف شفهي جراء ما تعتبره مخالفات عقائدية وأخلاقية وخطوات انشقاقية.
عام1991 شلح الأب دانيال البرموسي بقرار من المجمع المقدس موقع عليه من البابا، إثر إدانته بالانتماء لعقائد مخالفة للكنيسة.
الأب دانيال البرموسي
عام 1992 تم إيقاف القس إبراهيم عبدالسيد، المعروف بأنه أحد رموز الإصلاح الكنسي "شفاهة" كما تذكر أسرته وتقارير صحفية وباحثون أقباط، وذلك عقب استدعائه إلى مقر الكاتدرائية وإبلاغه شفاهة بأنه في إجازة مفتوحة دون إبداء أسباب ودون إجراء أية تحقيقات معه.
عام 1996 تم تجريد الراهب برسوم المحرقي، من رتبته الرهبانية والكهنوتية، بسبب "الانحراف عن السلوك السوي والخروج على تقاليد الرهبنة" وذلك في بيان للكنيسة الأرثوذكسية بمصر.
وكانت صحيفة مصرية نشرت صورا غير أخلاقية، لشخص ادعت أنه أحد رهبان الكنيسة، ما أدى لاندلاع احتجاجات قبطية واسعة بالبلاد.
وكانت واقعة الراهب السابق برسوم المحرقي، بداية شفافية أكثر بشأن إعلان نتائج العقوبات داخل الكنيسة، بعد سنوات تحفظ وكتمان وسرية، بحسب ما تذكره تقارير صحفية وقتها.
عام 2002 أعلن البابا شنودة الثالث عزل الراهب القس "صفنيا" وتجريده من رتبته الدينية، وعدد من أبناء الكنيسة يقدرون بـ11 شخصا بينهم سيدات، وذلك بإجماع آراء المجمع المقدس، بعد تحقيق في اتهامات شملت "تكون جماعة دينية منحرفة تدعي أنها الممثلة للكنيسة"، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء المصرية آنذاك.
عام 2003 أعلن البابا شنودة قبول طلب الكاهن السابق زكريا بطرس، بـ"تسوية معاشه من العمل في الكهنوت"، بعد أن قدم تعليمًا لا يتوافق مع العقيدة الأرثوذكسية جرى على إثره إيقافه عدة مرات.
الكاهن السابق زكريا بطرس
عام 2005 أعلن البابا شنودة الثالث عدم اعتراف الكنيسة بشخص يدعى بماكس ميشيل، والذي يعرف باسم مار مكسيموس يوحنا، مؤكدا أنه متزوج ولا يجوز له ممارسة أية شعائر من عمل الكهنوت بأي كنيسة.
وجاء ذلك كأول إعلان رسمي عن علاقة ميشيل بالكنيسة الأرثوذكسية، بعد سنوات من الاستغناء عن خدماته الكنيسة في عام 1976.
وفي عام 2006 نشرت مجلة الكرازة الناطقة باسم الكنيسة، قرارا بتجريد القمص مينا هابيل والقس بسادة زكي من الكهنوت، محذرة من التعامل المالي معهما.
وفي عام 2007 قرر المجمع المقدس عزل جورج حبيب بباوي، الذي كان لسنوات مقربا من البابا شنودة، عقب اتهامات بانضمامه لكنائس أخرى وانتقادات للكنيسة.
وفي عام 2010 قرر البابا شنودة الثالث، تجريد القس أثناسيوس حنين، راعى كنيسة العذراء ومارمرقس باليونان، إثر إدانته بالقيام بـ"مخالفات عقائدية خطيرة"، رغم نفيه ذلك.
القس أثناسيوس حنين
في عهد البابا تواضروس
شهدت السنوات الـ12 التي قضاها البابا تواضروس على رأس الكنيسة، إصدار عقوبات من لجنة الرهبنة وشؤون الأديرة في المجمع المقدس.
عام 2014 قدم القس أنداروس إسكندر استقالته وتم قبولها، بعد نحو 9 أشهر من صدور قرار بإيقافه بناء على شكوى ضد تتهمه بنشره تعاليم مخالفة للكنيسة الأرثوذكسية.
وفي العام نفسه، قرر البابا تواضروس تجريد راهبين هما داود ويعقوبا الرياني، والتبرؤ منهما إثر أزمة مشاركتهما في رفض قرار الدولة بهدم سور دير بالفيوم وسط مصر لشق طريق جديد.
عام 2016 أصدر البابا قرارا بإيقاف القس شنودة منصور مؤقتا عن العمل وإحالته للتحقيق بعد تصريحات إعلامية بشأن نساء الكنيسة أثارت ضجة واسعة آنذاك.
عام 2018 قرر البابا إيقاف القس بيشوي وليم عن الخدمة الكهنوتية وإحالة للتحقيق نظرا لمخالفات قانونية وإدارية وملاحظات عقيدية.
وفي حادث ملأ المجتمع المصري ضجيجا عام 2018، أصدر البابا تواضروس قرارا بتجريد الراهب أشعياء المقاري، جراء اتهامه بمقتل أحد كبار أساقفة الكنيسة وهو الأنبا إبيفانيوس، أسقف ورئيس أحد الأديرية شمالي مصر، والذي نال عقوبة الإعدام بناء عليه.
الراهب أشعياء المقاري
عام 2018، قررت لجنة الرهبنة بالمجمع المقدس تجريد الراهب يعقوب المقاري، إثر ما وصفته بأنها "تجاوزات عديدة"، بعد ما اتهم المقارب بإصدار بيان انشقاق عن البابا ودعا لعزله.
كما أعلنت اللجنة وقتها إيقاف الراهب القس يوئيل المقارى من ممارسة الخدمة الكهنوتية لمدة عام بعد كسره قرار عدم الظهور الإعلامى للرهبان، بعد تصريحات أطلقها لاقت هجومًا من قبل محبي البابا شنودة.
عام 2022 وافق البابا على تجريد القمص انطونيوس كونور، الكاهن بكنيسة أرثوذكسية بأمريكا الشمالية بسبب مخالفات منها عدم الاعتداد بسلطة البابا.
عام 2023 قرر البابا، إيقاف القس دوماديوس حبيب إبراهيم عن الخدمة الكهنوتية، لمدة عام بسبب تصرفات وصفها بـ"المثيرة للجدل".
القس دوماديوس حبيب إبراهيم
عام 2024 قرر البابا استمرار إيقاف القس دوماديوس عن الخدمة الكهنوتية، ومنعه من التعامل بشكل كامل مع وسائل الإعلام أو التواصل الاجتماعي بكل صورها، وقضائه فترة خلوة روحية (إجبارية) في أحد الأديرة القبطية لمنحه فرصة لمراجعة نفسه وتصرفاته.
وعرف عن الأب دوماديوس، ظهوره لشرح طريقة عمل الكيك، وزيارة ضريح السيد البدوي شمالي مصر والمشاركة في ذبح الأضاحي، والمشاركة في قناة تروج للمذهب الشيعي، ولقي القرار الكنسي إشادات في منصات التواصل بمصر.
تحليل لمسار العقوبات الكنسية
بدوره، قال الكاتب القبطي العلماني البارز كمال زاخر، إن الكنيسة الأرثوذكسية تحتاج إلى تحرير لمصطلح المحاكمات، لا سيما أنه تعبير لا يرتبط بالكنيسة الشرقية وإنما بتاريخ أوروبا والعصور الوسطى، وما يحدث في الكنيسة حاليا أقرب لـ"مستشفى للعلاج من مرض الخطيئة".
وأضاف زاخر، والذي يعد أحد أبرز كتاب مجلة مدارس الأحد بين عامي 1992 و1994 والتي تناولت قضية محاكمات الرهبان، أن "التيار العلماني قدم بحثا عريقا لأحد الرهبان عن مفهوم المحاكمات، يرتكز على أساس أن السيد المسيح لم يأتِ ليدين العالم، إنما جاء ليخلص العالم بالمفهوم المسيحي".
كمال زاخر
وأوضح زاخر في تصريح لـ"جسور بوست" أن من حق الكنيسة استخدام تلك القرارات (العقوبات) باعتبارها أداة للانضباط، لكن المشكلة تكمن في الهدف بحيث يكون استخدامها للتقويم وتصحيح المسار وليس للإدانة أو الانتقام، لا سيما أن أكبر من دفع ثمن تلك العقوبات من كانوا يحملون توجهات إصلاحية داخل الكنيسة الأرثوذكسية.
وعادة ما يلتزم المجتمع المسيحي بالقرارات الكنسية (العقوبات) ويلتف حولها جراء دوافع سيكولوجية تتعلق بسلوك الأقليات العددية في المجتمعات المحافظة، والتي لا تميل إلى المجازفة أو الدخول في معارك صدامية، بحسب كمال زاخر.
وتابع قائلا: "ساهمت منصات التواصل الاجتماعي في زيادة النقاشات حول تلك القرارات لكنها عمقت الشروخ بسبب الجهل أحيانا"، داعيا إلى وجود منابر علنية لدعم مسار الحوار الفاعل.
وعوقب المفكر كمال زاخر من البابا شنودة الثالث بالمنع من الخدمة، مع عدد من محرري وكتَّاب مجلة مدارس الأحد في تسعينيات القرن الماضي.