الأمم المتحدة: التمييز في نظم العدالة يعمق العنصرية البنيوية ويقوض المساواة العالمية

خلال الدورة الـ59 لمجلس حقوق الإنسان

الأمم المتحدة: التمييز في نظم العدالة يعمق العنصرية البنيوية ويقوض المساواة العالمية
مجلس حقوق الإنسان الأممي - أرشيف

كشفت المقررة الخاصة المعنية بالأشكال المعاصرة من العنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب، أشويني ك. ب، عن استمرار الأنماط البنيوية للتمييز العنصري في مختلف أنحاء العالم، مؤكدة أن «العدالة العرقية لا تزال بعيدة المنال» رغم الجهود الدولية المتزايدة. وأكدت أن العنصرية النُظمية لا تزال متجذرة في القوانين والسياسات والممارسات التي تحكم نظم العدالة، والتعليم، والتوظيف، والحق في المشاركة السياسية.

جاء ذلك في تقرير قدمته المقررة الخاصة إلى الدورة الـ59 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، المنعقدة بجنيف حتى 9 يوليو الجاري، واطلع «جسور بوست» على نسخة منه، حيث تناول التقرير أوجه التقاطع بين التمييز العنصري والتمييز القائم على عوامل أخرى مثل النوع الاجتماعي، والفقر، والأصل الإثني، والمعتقد الديني.

وسلط التقرير الضوء على الطابع الهيكلي للتمييز العنصري، مشيراً إلى أن العنصرية المعاصرة أصبحت ترتبط بشكل متزايد بأنماط من التمييز المتقاطع، تتجلى في تهميش مزدوج أو مركب تتعرض له جماعات بأكملها، لا سيما المنحدرين من أصل إفريقي، والسكان الأصليين، والمهاجرين، وأفراد المجتمعات المسلمة أو اليهودية أو الرومانيش.

وأشار التقرير إلى أن الفشل المستمر في معالجة هذه الأنماط من التمييز المتداخل يشكل انتهاكاً خطِراً لمبدأ المساواة، ويقوض قدرة الدول على تنفيذ التزاماتها الحقوقية، مؤكداً أن الجهود الأممية ينبغي أن تتبنى «نهجاً متقاطعاً» يراعي هذه التعقيدات، وأن يتم تضمينه في جميع السياسات والمؤسسات على المستويين الوطني والدولي.

وأوضحت المقررة الأممية أن العديد من الأطر القانونية لا تزال غير قادرة على الاستجابة لانتهاكات التمييز المتقاطع، بسبب غياب الاعتراف التشريعي به، وضعف آليات الرصد والتحقيق. ولفت التقرير إلى ضرورة تطوير تعريفات قانونية واضحة، وتوفير سبل انتصاف فعالة تراعي تقاطع الهويات والانتماءات.

وأكدت أن الخطاب العام في العديد من الدول يغذي الكراهية العرقية، ويبرر السياسات التمييزية، مشيرة إلى أن الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي أصبحت مسرحاً لترويج الصور النمطية والمعاداة الثقافية والدينية. وأشارت إلى أن خطاب «التفوق العرقي» بدأ يشق طريقه إلى المجال السياسي والمؤسسي في بعض الدول، ما يشكل تهديداً مباشراً على السلم الأهلي والتماسك المجتمعي.

وانتقدت المقررة الخاصة ما وصفته بـ«الاستجابات الرمزية» التي تتبناها بعض الدول، دون إجراءات عملية ملموسة لمعالجة مظاهر التمييز المتفشي، لافتة إلى أن العدالة الانتقالية يجب أن تتضمن آليات للتعويض التاريخي، والاعتراف بانتهاكات الماضي، وتبني إصلاحات هيكلية في نظم الحكم والعدالة.

وعدّ التقرير العدالة العرقية تتطلب تفكيك الهياكل التي تكرس الامتيازات، وتعيد إنتاج التفاوتات، مشدداً على أن المساءلة، والمشاركة الفعالة للضحايا، وجمع البيانات المصنفة حسب العرق والانتماء، هي خطوات ضرورية لتحقيق تقدم فعلي في هذا المجال.

ودعت المقررة الخاصة إلى تعميم منظور العدالة العرقية من خلال جميع كيانات الأمم المتحدة، وتطوير نهج متقاطع في إطار القانون الدولي، يمكنه تحديد أوجه التمييز المركب والتعامل معها بفعالية. كما حثت على إشراك المجتمعات المتأثرة في رسم السياسات، وضمان تمثيلهم في هيئات صنع القرار.

وفي ختام التقرير، أوصت المقررة الخاصة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة باتخاذ سلسلة من الإجراءات العاجلة، من بينها اعتماد تعريفات قانونية واضحة للتمييز المتقاطع، وتوفير حماية قانونية شاملة للضحايا، وتوسيع نطاق جمع البيانات المصنفة لتشمل مختلف أوجه التمييز، وتعزيز الشفافية والمساءلة في عمل المؤسسات الأمنية والقضائية.

كما أوصت بتوفير تمويل مستدام لبرامج العدالة العرقية، وتدريب المسؤولين العموميين على مبادئ حقوق الإنسان، وتطوير نظم تعليمية تعزز التنوع الثقافي والاحترام المتبادل.

وشدد التقرير على أن التمييز العنصري لا يمكن معالجته عبر سياسات جزئية أو مرحلية، بل يستوجب تحولاً جذرياً في النماذج السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تغذي عدم المساواة وتعيد إنتاجها.

وطالبت المقررة الخاصة، بأن تكون العدالة العرقية جوهر أي مشروع حقوقي عالمي، وأن تحظى بالأولوية في أجندات التنمية المستدامة والتمويل الدولي.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية