إيران.. إرث ثقيل من الانتهاكات الحقوقية في انتظار رئيس "ذي وجهين"
غداة فوزه بالانتخابات الرئاسية
بموالاة صريحة للمرشد الإيراني علي خامنئي، يقف الرئيس الجديد للدولة الفارسية مسعود بزشكيان متأرجحًا أمام إرث بلاده الثقيل في ملف انتهاكات حقوق الإنسان والحريات.
وفاز الإصلاحي مسعود بزشكيان، في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية، متفوقاً بواقع 16.3 مليون صوت على نظيره الراديكالي سعيد جليلي الحاصل على 13.5 مليون صوت.
وبزشكيان، جراح القلب البالغ من العمر 69 عاما، تعهد بالتواصل مع الغرب، وتخفيف تطبيق قانون الحجاب في البلاد، بعد سنوات من العقوبات والاحتجاجات التي أثرت على الجمهورية الإسلامية.
وتتعرض طهران لانتقادات حقوقية لاذعة جراء اتساع نطاق الانتهاكات والتجاوزات الإنسانية، فيما تتباين الآراء والترجيحات بشأن قدرة الرئيس الإصلاحي الجديد على تحريك المياه الراكدة في هذا الملف المصيري ببلاده.
وقبل نحو عامين، شهدت إيران أكبر احتجاجات شعبية في تاريخها الحديث، إثر وفاة الشابة مهسا أميني، أثناء احتجازها لدى شرطة الأخلاق بدعوى سوء ارتداء الحجاب، ما أسفر عن أكثر من 500 قتيل، بينهم عشرات الأطفال والنساء.
وأجريت الجولة الأولى من رئاسيات إيران في 28 يونيو الماضي؛ لاختيار خلف لإبراهيم رئيسي الذي توفي في حادث مروحيّة في 19 مايو الماضي، فيما أجريت الجولة الثانية في 6 يوليو الجاري، والتي أسفرت عن فوز مسعود بزشكيان.
وجرت الانتخابات الإيرانية، وسط استياء شعبي متصاعد جراء تردي الأوضاع الاقتصادية بسبب العقوبات الدولية المفروضة على طهران، وتنديدات حقوقية بسجل المرشحين الجدد.
وجه إصلاحي
وبزشكيان، ذو أصول أذرية مواليد 29 سبتمبر 1954، ومع بدء الحرب العراقية الإيرانية في عام 1980 كان مسؤولاً عن إرسال الفرق الطبية إلى جبهات القتال، كما نشط في العديد من العمليات مقاتلاً وطبيباً، بحسب الإفادات الرسمية.
في عام 1994 عين بزشيكان رئيساً لجامعة تبريز للعلوم الطبية، واستمرت رئاسته حتى عام 2000، ثم نُقل إلى طهران وتولّى منصب نائب وزير الصحة والعلاج والتعليم الطبي لمدة 6 أشهر.
كما شغل منصب وزير الصحة في عهد الرئيس محمد خاتمي بين عامي 2001 و2005، وسبق أن سجل مرتين للترشح للانتخابات الرئاسية في عامي 2013 و2021، إلا أنه في عام 2013 وقبل إعلان أسماء المؤهلين، انسحب لصالح هاشمي رفسنجاني، بينما في عام 2021 لم يحصل على موافقة مجلس صيانة الدستور لعدم توفر أهليته لذلك، بينما نجح في المرة الثالثة في خوض المنافسة تحت شعار "من أجل إيران".
بزشكيان سياسي موالٍ لخامئني، ومع سباق الرئاسة حظى بتأييد الرئيسَين الأسبقَين الإصلاحي محمد خاتمي وحسن روحاني، وقدم نفسه كوجه إصلاحي بجولاته الانتخابية والتي رافقه في بعضها محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني السابق المنفتح مع إقامة علاقات مع الغرب.
وقدمت وسائل الإعلام الإيرانية بزشكيان باعتباره طوق نجاة لإخراج طهران من عزلتها، ورائد بناء العلاقات المتوازنة مع الغرب، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية التي تعد الخصم الأكبر لإيران.
الاختبار الأهم
ويعد السجل الأسود لحقوق الإنسان والحريات في إيران مثارا للانتقادات الدولية وفرض العقوبات، وهو الأمر الذي تطرق إليه بزشكيان في حملته الانتخابية، قائلا إن "الناس غير راضين عنا، خصوصا بسبب عدم تمثيل المرأة، وكذلك الأقليات الدينية والعرقية في السياسة"، مضيفا أنه حين لا يشارك 60 بالمئة من السكان في الانتخابات، فهذا يعني أن هناك مشكلة مع الحكومة.
وأضاف بزشكيان في تصريحات بموضع آخر بشأن أزمة حجاب المرأة ببلاده أنه "منذ 40 عاما، نعمل على السيطرة على وضع الحجاب، لكننا زدنا الوضع سوءا".
ونفى بزشكيان في خطاب أمام تجمع نسائي ظهر منهن بدون غطاء رأس، أن تكون وعوده بتحسين أوضاع المرأة بهدف الحصول على أصوات انتخابية.
وأضاف: "أنا لست ممن يطلقون الشعارات.. لم أكذب قط لأجل الحصول على الأصوات، ولم أعد وعودا كاذبة في حياتي... أنا أؤمن بمبادئ الحق والعدالة ولن أتخلى عن هذه المعتقدات. الحق واسع جداً ويشمل النساء والقبائل والمناطق والأعراق والقوميات، وسأدافع عن حقوق كل من أرى أنه يتعرض للظلم، بغض النظر عما يحدث".
وارتدى بزشكيان ثوب المعارضة أمام هذا التجمع النسائي قائلا: "قبل الثورة، كان البعض يقولون إنه إذا حصلنا على 10 دقائق يومياً في الراديو والتلفزيون، فإن جميع الناس سيصبحون متدينين، لكن اليوم كل شيء بأيدينا ونحن نبتعد تدريجياً عن الناس"، منتقدا العنف ضد احتجاجات المرأة.
ودعا بزشكيان إلى ضرورة إجراء حوار داخلي بإيران، مؤكدا في بيان أنه عقب الانتهاء من الانتخابات الرئاسية "سيمد يد الصداقة لجميع الإيرانيين".
الوجه الآخر
ورغم التطلعات الإيجابية المتفائلة بتولي الإصلاحي مسعود بزشكيان زمام الحكم في إيران، غير أن الصحفي محسن مهيمني"، تحدث عن الوجه الآخر للرئيس الإيراني الجديد والمعادي لملف الحريات وحقوق الإنسان.
وبحسب مقال لمهيمني على موقع "إيران إنترناشيونال" المعارض الشهر الماضي، ففي يونيو 2010، وافق البرلمان الإيراني على مقترح قدمه بزشكيان مع 102 من النواب، حيث ينص على فرض عقوبة الحبس والغرامات المالية حال مقاومة أو مواجهة تدخل رجال الأمن في طريقة لباس المرأة وظهورها في المجتمع، وهو السبب الرئيسي لحرب الشوارع ضد النساء في إيران.
ويعتقد مهيمني أن سجل تمثيل بزشكيان في البرلمان الإيراني، معيار أفضل للحكم على أدائه في موقع السلطة، متوقعا أن يستمر على الوضع نفسه مع فوزه برئاسة البلاد.
ويرى الصحفي الإيراني أن ظهور مسعود بزشكيان في ثوب المناصر للمرأة وضد فرض الحجاب، هو محاولة لاستقطاب المحتجين من خلال اختيار عبارات تبدو أنها ضد شرطة الأخلاق ودورها، لكن مضمون عباراته يحمل إنكار حرية المرأة وحقها في حرية الملبس.
ويؤكد مهيمني أن "بزشكيان يسير يدًا بيد مع النظام في هذا الاتجاه، بأن عدم ارتداء الحجاب أمر غير مرغوب فيه، والفرق الوحيد هو أنه يناقش طريقة الفرض".
ويقول: "بزشكيان لعب دورًا في منع توضيح السبب الحقيقي وطريقة قتل المصورة الصحفية زهرة كاظمي، في مركز للاعتقال، وإخفاء حقيقة مقتلها وتعذيبها، من خلال تقديم تقرير كاذب حول السبب الحقيقي لوفاتها وكان أحد أهم من اجتهدوا لتبييض سمعة النظام، خلال فترة توليه وزارة الصحة".
ووفق ما ورد بالمقال، فإن بزشكيان كان رئيسا لجامعة تبريز للعلوم الطبية، وله دور بارز في تنفيذ ما يسمى بـ"الثورة الثقافية"، التي اتسمت بقمع الأساتذة والطلاب الجامعيين واعتقال الآلاف منهم، في إحدى مقابلات الرئيس الإيراني الحالي خلال العقد الأول من الألفية الجديدة، تحدث عن أن الثورة الثقافية بدأت من كلية الطب بجامعة تبريز بعد “طرد اليساريين من الجامعة”.
كما كان بزشيكان غاضبا من الاحتجاجات الشعبية، التي اندلعت على خلفية مقتل الشابة الإيرانية مهسا أميني، على يد شرطة الأخلاق، وهاجم المحتجين آنذاك، قائلًا: "إن ترديدهم شعارات ضد المرشد خامنئي دليل على أنهم أخذوا التعليمات من الخارج وقاموا بهذه الأخطاء".
ووصف هذه الاحتجاجات بأنها "مخطط لها مسبقًا"، و"من عمل العدو"، وحمّل الولايات المتحدة وأوروبا مسؤولية وصول بلاده إلى "مثل هذا الوضع"، وتلك عبارات عادة ما يرددها التيار المحافظ المتشدد وليس الإصلاحي.
إرث انتهاكات ثقيل
والرئيس الإيراني الجديد ذو الوجهين أحدهما الإصلاحي والآخر المتشدد، سيواجه إرثا حقوقيا ثقيلا خلفه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي والذي قتل في حادث طائرة مايو الماضي.
وعادة ما تتهم منظمات محلية ودولية، السلطات الإيرانية باستخدام القوة المفرطة والقاتلة والتعذيب والاعتداء الجنسي ضد المعارضين والنشطاء السياسيين والحقوقيين، لا سيما أثناء قمع قوات الأمن للاحتجاجات الواسعة التي اندلعت في أنحاء البلاد في سبتمبر 2022.
وبخلاف ذلك القمع، لا تزال إيران، وفق التقارير الأممية، واحدة من أكثر الدول تطبيقا لعقوبة الإعدام في العالم، وتطبقها أحيانا بموجب تهم غامضة تتعلق بالأمن القومي، حيث نُفّذ أكثر من 700 عملية إعدام على الأقل في إيران بين يناير ونوفمبر 2023.
وتفرض السلطات الإيرانية قيودا شديدة على حرية التجمع والتعبير، وتعتقل مئات النشطاء والمحامين والصحفيين والطلاب والفنانين، وتستهدف أيضا الأفراد الذين تحدثوا علنا من عائلات القتلى أو عائلات المتظاهرين الذين أُعدموا بعد محاكمات جائرة، وفق التقارير ذاتها.
وتمتد حملات القمع في إيران إلى أحرم الجامعات، إذ فُصل من العمل 29 أستاذا جامعيا على الأقل ممن انتقدوا سياسات الحكومة، أو أوقفوا عن العمل، أو أجبروا على التقاعد، أو لم تُجدد عقودهم خلال العام الماضي.
ولا يزال عشرات المدافعين عن حقوق الإنسان وحقوق العمال ونشطاء المجتمع المدني في إيران قيد الاحتجاز، أبرزهم الناشطة والمدافعة عن حقوق الإنسان نرجس محمدي الحاصلة على جائزة نوبل.
بخلاف ذلك تواجه إيران انتقادات مستمرة حيال تدهور أوضاع النساء والفتيات والتمييز ضدهن في مسائل الأحوال الشخصية، فالزوج يمكنه منع زوجته من ممارسة مهن معينة إذا اعتبرها ضد "القيم الأسرية"، كما لا يمكن للمرأة المتزوجة الحصول على جواز سفر أو السفر خارج البلد دون إذن خطي من زوجها، الذي يمكنه سحب هذا الإذن في أي وقت.
ويحرم القانون الإيراني البهائيين من حرية ممارسة عقائدهم وشعائرهم، وتواصل السلطات اعتقال ومحاكمة أعضاء الطائفة البهائية بتهم غامضة تتعلق بالأمن القومي وإغلاق الشركات التي يمتلكونها، بحسب رصد التقارير الدولية.