"اللجوء لفرنسا".. أول قطرات الغيث لنساء أفغانستان بعد ثلاثية سوداء

عقب 3 سنوات على حكم طالبان

"اللجوء لفرنسا".. أول قطرات الغيث لنساء أفغانستان بعد ثلاثية سوداء

كأول قطرة للغيث في صحراء قاحلة، منحت محكمة فرنسية حق اللجوء للنساء الأفغانيات، استنادا إلى تقارير حقوقية دولية بشأن تدهور أوضاع المرأة تحت حكم حركة طالبان المتشددة منذ 3 سنوات. 

وفي أغسطس 2021، استولت طالبان على الحكم في أفغانستان في أعقاب انسحاب القوات الأمريكية من البلاد، ومنذ ذلك الوقت تعيش النساء -اللاتي يسجلن نحو نصف تعداد السكان البالغ حوالي 42 مليونا- بلا غطاء حقوقي أو إنساني في ظل انتهاكات وقيود مجحفة بلغت حد المنع من التعليم والعمل ودخول الحدائق وحرية التنقل.

وأفادت المحكمة الفرنسية لحق اللجوء المختصة بمراجعة قرارات لجوء وحماية اللاجئين في البلاد، بأن نساء أفغانستان معرضات للتهديد والعنف في ظل استمرار حكم طالبان، وبالتالي يعتبرن مؤهلات لتقديم طلب اللجوء في فرنسا.

وبحسب قرار المحكمة، فإن جميع النساء الأفغانيات اللاتي فررن من البلاد بسبب "الإجراءات التمييزية" التي تطبقها حركة طالبان ضدهن، من المرجح أن يحصلن على اللجوء بسبب ظروفهن.

ويعد هذا القرار هو الأول من نوعه الذي يمس جميع النساء الأفغانيات المضطهدات تحت سلاح حكم طالبان، وذلك بالتزامن مع وقوف الأفغان في طليعة طالبي اللجوء إلى باريس في عام 2023 بطلبات يتجاوز عددها أكثر من 17 ألفا و500 طلب لجوء.

وفي يناير 2024، سجلت طلبات اللجوء في فرنسا زيادة مطردة، لتصل إلى مستويات غير مسبوقة بلغت 142 ألفا و500 طلب في عام 2023، وهو أعلى مستوى مسجّل في البلد الأوروبي، بحسب تقديرات المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين (أوفبرا/ رسمي). 

وللعام الخامس على التوالي، تشير تقديرات المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين إلى أن دولة أفغانستان تقف في صدارة الدول التي يطلب سكانها اللجوء بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية واستبداد حركة طالبان.

عدائية حقوقية

وتقود طالبان ما يشبه الحرب على النساء منذ أن تولت مقاليد السلطة في أفغانستان، إذ أصدرت أكثر من 16 قرارا بعضها كان تم تعميمه شفهيا مثل منع النساء من الصلاة في المساجد، فضلا عن منع الفتيات من التعليم الثانوي، وإلغاء وزارة شؤون المرأة، وإلزام الموظفات بالبقاء في منازلهن. 

وبحسب تقرير لليونسكو في مارس 2023، ترتب على عدم عودة الفتيات الأفغانيات إلى المدارس حرمان أكثر من مليون فتاة من الانتفاع بالتعليم النظامي، حيث تتخلف حوالي 80 بالمئة من الفتيات الأفغانيات من الذهاب للمدارس، أي ما يعادل 2.5 مليون نسمة، إلى جانب أن 30 بالمئة من الفتيات الأفغانيات لم تطأ أقدامهن المدارس الابتدائية على الإطلاق.

وفي ديسمبر 2021، أمرت وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بوجوب مرافقة المحرم للمرأة خلال السفر إذا كانت المسافة التي ستقطعها أطول من 72 كيلومتراً.

كما قمعت طالبان مظاهرات قادتها نساء في شوارع المدن الأفغانية، مطالبات بالحق في العمل والدراسة، في يناير 2022، واعتقلت ناشطات لأسابيع طويلة وتعرضن للضرب والجلد خلال احتجازهن.

وفي مايو 2022، أعلنت سلطة الأمر الواقع في طالبان صدور مرسوم يفرض لباساً على المرأة يغطي جسدها من الرأس حتى أخمص القدمين، متوعدة بعقاب أفراد العائلة من الذكور الذين لا يجبرن النساء والفتيات على هذا المرسوم. 

وبين أكتوبر وديسمبر 2022، تم منع النساء من ارتياد الجامعة والأماكن العامة والحدائق العامة والعمل في المنظمات غير الحكومية الإغاثية، كما تم منعهن أيضا من دخول الصالات الرياضية وحمامات السباحة والحمامات العمومية.

وبحسب تقرير "اليونسكو"، فإن منع الفتيات من التعليم الجامعي أثر على أكثر من 100 ألف طالبة ترتاد مؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة.

كما قررت وكالات أممية وقتها تعليق بعض البرامج في أفغانستان مؤقتاً في أعقاب الحظر الذي فرضته طالبان على النساء العاملات في المنظمات غير الحكومية، في إطار الضغوط والإدانات الدولية لتلك الخطوة. 

وفي يوليو 2023، تم فرض حظر على صالونات التجميل، مع تقديرات تفيد بأن حوالي 60 ألف امرأة كانت تعمل كموظفة في الصالونات، وهو مصدر دخلها الوحيد.

وفي يناير 2024، أعلنت حركة طالبان، أنها اعتقلت نساء في مدن مختلفة بأنحاء البلاد، بسبب ارتداء الحجاب بـ"شكل غير لائق"، وقال المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد، آنذاك إن "هذه الاعتقالات جاءت لمعاقبة بعض الجماعات التي كانت تحاول الترويج لانتهاك الحجاب في بعض المدن". 

وقال المتحدث باسم وزارة الأمر بالمعروف عبدالغفار فاروق، إن "الاعتقالات تمت بحق فئة قليلة يرتدين الحجاب بشكل غير لائق، وقد انتهكن بذلك مبادئ الشريعة الإسلامية، وحاولن تحريض أخريات محترمات على اقتراف الفعل نفسه".

استغاثات دون استجابة

وإزاء تواصل الانتهاكات وتواتر التقارير الدولية المنددة بما يحدث تجاه الأفغانيات، حذرت اليونسكو من "ضياع جيل كامل"، داعية سلطة طالبان إلى السماح بعودة الفتيات للتعليم فوراً ومن دون مساومة، وحثت مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي للتدوين تحت وسم "#دعوا_الفتيات_الأفغانيات_يتعلمن".

وفي اليوم العالمي للمرأة الموافق 8 مارس 2023، أكدت 22 دولة والاتحاد الأوروبي في بيان مشترك أن أفغانستان تشهد أحد أكبر التراجعات على مستوى العالم في ما يتعلق باحترام حقوق الإنسان الخاصة بالنساء والفتيات، مطالبين حركة طالبان بـ"التراجع عن ذلك فورا".

وفي ديسمبر 2022 قالت منظمة التعاون الإسلامي إن قرار منع النساء والفتيات من الحصول على التعليم يتعارض مع الشريعة الإسلامية، مؤكدة أن مرسوم طالبان الذي يمنع النساء من العمل في المنظمات غير الحكومية يهدد بالفعل جهود المنظمات الإنسانية للوصول إلى أكثر من 28 مليون أفغاني يعتمدون على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة.

وفي مايو 2023، دعت منظمة العفو الدولية ولجنة الحقوقيين الدولية، في تقرير مشترك بعنوان "حرب طالبان على النساء" إلى التحقيق في معاملة طالبان للنساء والفتيات باعتبارها جريمة ضد الإنسانية تتمثل في الاضطهاد القائم على النوع الاجتماعي. 

وقالت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية آنذاك أنياس كالامار: "منذ استيلاء طالبان على السلطة، فرضت قيودًا صارمة على حقوق النساء والفتيات في أفغانستان، حيث يتم منع النساء من العمل وحرية التنقل وممارسة الحياة العامة والحصول على التعليم؛ إلى جانب تعرضهن للسجن والاختفاء القسري والتعذيب، بما في ذلك بسبب معارضة هذه السياسات ومقاومة القمع.

وأضافت كالامار: "من الواضح أن القيود المفروضة على النساء والفتيات مصممة لاستهدافهن على وجه التحديد. انتهكت طالبان حقوقهن واستبعدتهن من المشاركة في المجتمع، إذ تجبَر النساء والفتيات الأفغانيات على العيش كمواطنات من الدرجة الثانية، ويتم إسكاتهن وجعلهن غير مرئيات". 

وفي يونيو 2023، أعلن عدد من خبراء الأمم المتحدة في بيان أن المراسيم التي تصدرها طالبان بلا هوادة منذ توليها السلطة في أفغانستان تقيد بشكل صارم حقوق النساء والفتيات وتخنقهن في جميع جوانب حياتهن.

وأعاد تقرير الخبراء الأمميين التذكير بأن القيود تشمل "حرمان الفتيات والنساء في أفغانستان من التعليم بعد المرحلة الابتدائية، كما يُمنعن من العمل خارج المنزل في معظم القطاعات، ويُحظر عليهن الوصول إلى الحمامات العامة والمتنزهات والصالات الرياضية، والتنقل بحرية في جميع أنحاء البلاد".

كما تشمل القيود أيضا الإلزام بارتداء "الحجاب اللائق"، أي ثوب أسود لا شكل له مزوّد بنقاب، وعدم مغادرة المنزل من دون سبب وجيه، وسياسة المحرم الإلزامية (الوصي الذكر)، ما يضيف المزيد من التحكم بالنساء والفتيات ويصعّب عليهن التنقل بحرية خارج منازلهن.

وسافر خبراء من الأمم المتحدة إلى أفغانستان في أبريل 2023، وأصدروا تقريرا قالوا فيه إن "النساء والفتيات لا يتمتعن بأيّ إمكانية للجوء إلى العدالة، كما أن وصولهن محدود للغاية إلى المحاميات اللاتي لم يحصلن على تراخيص لممارسة المهنة على عكس زملائهن من الرجال".

كما أصغى الخبراء الأمميون إلى شهادات نساء يسعين إلى الطلاق، إلاّ أنه أثناء التقاضي قال لهن القاضي: "ذراعك ليست مكسورة. ساقك ليست مكسورة. فلماذا تطلبين الطلاق؟".

كما ورد في التقرير أيضًا أن الشرطة تجيب النساء اللاتي يبلّغن بتعرضهن للعنف بأنّه "يجب ألا يشتكين"، وأنهن "يستحققن الضرب على الأرجح" وأن "مثل هذه الأمور خاصة ويجب أن تبقى داخل الأسرة".

ومنذ استيلاء طالبان على السلطة وإطلاق تلك المراسيم الأقرب للكوابيس اليومية للأفغانيات، لم تتجاوب تلك الحركة المتشددة مع المطالب الدولية أو الاستغاثات المحلية، بتخفيف الضغوط والقيود المفروضة على النساء، كما لم يحمل عامها الثالث في الحكم أي بوادر لأي تغيير جذري حيال المرأة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية