رمضان الحرب في أوكرانيا.. فتاوى استثنائية ومساجد خالية وصيام تحت القصف
رمضان الحرب في أوكرانيا.. فتاوى استثنائية ومساجد خالية وصيام تحت القصف
مجلس مسلمي أوكرانيا يُنظم مشروع إفطار صائم طوال رمضان ويركّز جهوده على دعم الأسر النازحة
صلاة التراويح تُؤدَّى في البيوت نظرًا لفرض حالة الطوارئ وحظر التجوال مساءً
في ظل ما تتعامل معه أوكرانيا من تأثيرات جائحة كوفيد-19 والمصاعب الاقتصادية، والارتفاع غير المسبوق في تكلفة المعيشة، يصوم المسلمون فيها رمضان هذا العام "2022"، في أجواء صعبة نتيجة الحرب والنزوح، وهو ما تسبب في غياب عادات تصاحب الشهر الكريم، وإصدار فتاوى تبيح تسهيلات في أداء العبادات خلال شهر الصوم.
وحسب تصريحات سيران عريفوف، رئيس مجلس مسلمي أوكرانيا، على موقعهم الرسمي، فإن 90% من مُسلمي البلاد تركوا منازلهم لأنهم يتركّزون في المناطق الأكثر اشتعالًا، وتدور فيها جبهات القتال، أي في شمال وشرق وجنوب أوكرانيا.
ومن الفتاوى التي ظهرت لتسهيل أداء العبادات خلال رمضان، ما أعلنه المجلس الأوكراني للإفتاء والبحوث أنّ صلاة التراويح تُؤدَّى في البيوت نظرًا لفرض حالة الطوارئ وحظر التجوال مساءً.
مبادرات رمضانية للصائمين
تخفيفًا للأعباء، لجأ مجلس مسلمي أوكرانيا إلى تنظيم مشروع إفطار صائم طوال رمضان، ويركّز جهوده على دعم الأسر النازحة، وفق سيران عريفوف، رئيس المجلس، الذي دعا المؤسسات الإسلامية لتقديم العون لهؤلاء الأسر، من خلال إفطار الصائمين وعمل الخير.
لافتًا إلى أنّه رغم الظروف الصعبة فإنّ مُسلمي البلاد يصرون على تأدية فريضة الصوم، داعيًا المؤسسات الإسلامية لتقديم العون لهؤلاء الأسر، من خلال إفطار الصائمين وعمل الخير.
وصرح عضو مجلس مسلمي أوكرانيا، حمزة عيسى، بأن "مسلمي مدينة خيرسون هم الأكثر تضررًا بسبب رضوخ المدينة في الوقت الحالي لسيطرة القوات الروسية، لكننا لا نتركهم وحدهم، بل نرسل لهم المساعدات واللحوم الحلال لتوزيعها، حيث إن أكثر من بقي في المدينة من كبار السن الذين لم يستطيعوا الخروج منها".
مساجد خالية وغياب عادات الشهر الكريم
الضرورات تبيح المحظورات، وفي المعارك تُصدر الفتاوى لتيسير أمور العباد، لذا تغيّرت بعض العادات المصاحبة للشهر الكريم، وقال رئيس مجلس مسلمي أوكرانيا، إن المساجد أصبحت شبه فارغة بسبب القصف الذي تتعرض له المدن من جانب القوات الروسية.
وفيما يخصّ عادات المسلمين من الأوكرانيين في الشهر المبارك، درج أن تُسند مهمة الطبخ إلى الرجال فترتاح النساء طيلة رمضان من هذه المهمة، وذاك تقليد متوارث لدى مسلمي التتار، الذين يجتمعون أيضًا مع مسلمي الأوزبك على تقليد طهو الطعام في الهواء الطلق، في ما يُشبه الدعوة المفتوحة للجيران والمارة للانضمام إليهم ومشاركتهم وجبة الإفطار.
ويبدو أنه لم يعد أمام المسلمين الأوكرانيين في رمضانهم الحالي سوى استعادة ذكريات رمضان الماضي 2021م الذي حمل شعارات و"توجهات دعوية إيمانية" خاصة، تبنتها معظم المراكز الثقافية الإسلامية والجمعيات الاجتماعية ذات الطابع الإسلامي في أوكرانيا، ومنها ما ذكره مراد سليمانوف إمام المركز الثقافي الإسلامي في مدينة لفيف غرب أوكرانيا، وعضو المجلس الأوكراني للإفتاء والبحوث، ومسؤول الهيئة الأوكرانية لتعليم القرآن، الذي تحدث لوكالة "أوكرانيا برس" حول هذه التوجهات، فقال إنها محصورة بشعاري "القرآن والرسول".
وأضاف سليمانوف: "نريد للقرآن أن يكون بداية حياة جديدة بالنسبة للمسلمين الصائمين في أوكرانيا في شهر القرآن. وعن شعار "الرسول" قال سليمانوف: "رمضان فرصة سنوية عظيمة تقربنا أكثر من رسولنا الكريم وخصاله الطيبة، خاصة تلك التي ارتبطت بخلقه وسلوكياته خلال الشهر الفضيل، وقيمه الثمينة، كالرحمة والإحسان والتكافل، وختم بالقول: "نأمل أن نحقق في نهاية الشهر حبا ملموسا يجمع المسلمين بالقرآن والرسول الكريم، ويسهم بتغيير حياتهم وواقع أمتهم حتما نحو الخير وما هو أفضل".
كذلك فإن الأنشطة الرمضانية التي اعتادها المسلمون الأوكران اختفت مع الحرب، ففي رمضان الماضي احتلت حملات توزيع الطرود الغذائية رأس قائمة النشاطات الرمضانية في أوكرانيا، بحكم الواقع الذي فرضته جائحة كورونا، وأدى إلى إلغاء كثير من الإفطارات الجماعية، التي كانت قبلة الصائمين مع أسرهم قبل الجائحة.
حملات توزيع الطرود جاءت بدعم من قبل سفارات ومنظمات خيرية، إضافة إلى تبرعات جاليات وتجار وطلاب عرب ومسلمين، بعضهم يقيم في أوكرانيا، وبعضهم الآخر تخرج منها قبل أعوام طويلة، وفق القائمين على العمل الإسلامي في البلاد.
لكن العام الحالي تتجاوز الأزمة الأوكرانية حدود المساعدة الرمضانية لإغاثة ملايين النازحين واللاجئين من كل الأديان وليس المسلمين فقط.
الإسلام والمسلمون في أوكرانيا
الإسلام هو الديانة الثانية في أوكرانيا، حيث يقترب فيها عدد المسلمين من المليون شخص، ووفقا لإحصائيات عام 2016، يشكل المسلمون ما يقارب 0.9% فقط من مجموع السكان الكلي. ويعد التتار أكبر جماعة عرقية مسلمة هناك، واعتُرف بهم رسميًّا بوصفهم مجموعة من السكان الأصليين عام 2014.
ينتمي مسلمو البلاد لقوميات عربية وتركية وقوقازية، يسكنون في المناطق الجنوبية والشرقية في المدن الكبرى مثل كييف العاصمة، ومدينة خاركيف ثاني أكبر المدن، والأكثر تعرضًا للقصف والحرب.
يمارس المسلمون في أوكرانيا العادات والفروض الرمضانية، من الصيام والصلاة الجماعية ومساعدة المحتاجين والتهنئة والتزاور.
ويعود وجود الإسلام في أوكرانيا إلى القرن الخامس عشر، وفي بعض الروايات إلى القرن العاشر للميلاد، وينتمي أغلب مسلمي أوكرانيا للمذهب الحنفي السني، ويعد معظم المسلمين الأوكرانيين من تتار القرم.
وتوجد الشعوب التركية الأخرى الأصلية بأوكرانيا في الغالب في جنوب وجنوب شرق أوكرانيا وتمارس طقوسا أخرى من تعاليم الإسلام، وتشمل تتار الفولغا والأذريون وشعوب القوقاز والأوزبك.
وفي حين أن المسلمين في أوكرانيا ليس لديهم هيكل حكومي أساسي، فإن المجتمعات المسلمة المقيمة في المناطق متعددة الأعراق تخدمها مؤسساتها العرقية الإسلامية.
وتوجد المؤسسات الإسلامية الرئيسية التي تدعم المجتمعات في كييف وشبه جزيرة القرم وسيمفيروبول ودونيتسك (اعترفت بها روسيا خلال الأزمة الحالية جمهورية مستقلة كما اعترفت بمقاطعة لوهانسك أيضا كجمهورية مستقلة)، كما توجد المجتمعات السلفية المستقلة في كييف وشبه جزيرة القرم، وكذلك المجتمعات الشيعية في كييف وخاركيف ولوهانسك.