التنوع البيولوجي.. ضحية مغدور بها على طاولة 4 حروب طاحنة بالمنطقة العربية
وسط مطالب بإدراج "الإبادة البيئية" كجريمة دولية
لم يدفع البشر وحدهم ضريبة 4 حروب طاحنة في المنطقة العربية، بل شاركهم في الثمن الباهظ الحيوانات والغابات والنباتات وجميع الكائنات الحية، والتي نالت حظها من القصف والتخريب والتدمير.
ويعد التنوع البيولوجي، أحد أبرز الضحايا لتلك المواجهات العسكرية المدمرة في سوريا وليبيا واليمن ومؤخرا في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وتحمل تلك البلدان التي عرفت صوت القصف والمدافع والنيران، وقائع وقصصا عن فقدان التنوع البيولوجي، إذ يعد أحدثها تحول محمية طبيعة في غزة مع حرب 7 أكتوبر الماضي إلى مقبرة جماعية لكل أشكال الحياة من بشر ونبات وحيوان، ما أدى إلى تدمير أحد أهم مسارات هجرة ملايين من الطيور العالمية في أوقات محددة من العام، والتي كانت تتخذ من هذه المحمية ترانزيت للراحة والغذاء وأحيانا التكاثر.
ووفق التقديرات الأممية، يستمد التنوع البيولوجي حيويته من استمرار النظام البيئي الذي يقوم على مجموعة متنوعة من النباتات والحيوانات والكائنات الحية الأخرى في منطقة جغرافية ما، ويعتمد كل جزء في النظام البيئي على الآخر، ما يجعل اختفاء نوع واحد قادرا على التأثير السلبي على النظام البيئي بأكمله.
سوريا
واندلعت الحرب في سوريا عام 2011 عقب انتفاضة شعبية، انخفضت وتيرتها خلال السنوات الأخيرة، ما أدى إلى تضرر بيئي خطير، من شأنه أن يخلف تأثيرات سلبية طويلة الأجل على الصحة العامة والاقتصاد وعملية السلام نفسها.
وأدى النزاع إلى فقدان التنوع البيولوجي في سوريا، حيث تم القضاء على مجموعات الحياة البرية بسبب الصيد وتدمير الموائل، كما ازدهر الاتجار غير المشروع بالأحياء البرية خلال النزاع، ما زاد من تعريض الأنواع المهددة بالفعل للخطر.
ويرى خبراء وباحثون أن ترميم الأضرار البيئية يجب أن يكون عنصراً محورياً في أي جهود ترمي إلى الإغاثة أو إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد النزاع خلال المرحلة الانتقالية.
ودعت دراسة بحثية نشرت أواخر عام 2023، بعنوان "آثار النزاع المسلح في سوريا على النظم البيئية"، إلى ضرورة العمل على البيئة كضحية للحرب الدائرة، كما أوضحت أن النزاع المسلح يؤثر بشكل مباشر على الأجيال السورية الحالية، لكن الضرر البيئي الناجم عنه سيؤثر على مستقبل ورفاهية الأجيال الجديدة.
وفي عام 2019، صادرت الشرطة التركية 2000 طائر من فصيلة "الحسون" المهرّبة من سوريا، وصار لبنان سوقاً للطيور المهربة من سوريا، فيما اتخذ الأردن كمعبر لتهريب الكائنات النادرة من سوريا إلى أسواق الدول الثرية، كما يقع العديد من فصائل الحيوانات البرية والأصناف المحمية فريسة للاتجار، بما في ذلك الحرابي، بحسب الدراسة ذاتها.
وكان لسوريا في عام 2010 ما يقرب من 116 ألف هكتار من الغطاء الحراجي، أي ما يزيد على 0.6 بالمئة من مساحة أراضيها، في عام 2021 كان هناك فقدان للغطاء الحرجي بمقدار 2.86 كيلو هكتار.
وتضع الدراسة حلولا محتملة لمعالجة الضرر البيئي تتمثل في دعم المراقبة البيئة، وتعزيز الوعي البيئي، والدعم الدولي المالي والتقني، وإجراء تقييم بيئي شامل لمعرفة الواقع البيئي في سوريا بعد كل سنوات الصراع الطويلة، ودمج القضايا البيئية ضمن خطط الإعمار، وتنشيط المجتمع المدني لدعم خطط التعافي الأخضر، وحكومة الإدارة البيئية، وتعزيز التعاون الإقليمي.
اليمن
صادق اليمن في عام 1995 على الاتفاقية الدولية للتنوع البيولوجي، بخلاف اتفاقيات دولية أخرى متعلقة بالتنوع البيولوجي مثل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، واتفاقية تغير المناخ، واتفاقية التجارة الدولية في الأنواع المهددة بالانقراض من الحيوانات والنباتات (CITES).
ورغم ذلك تأثر التنوع الحيوي بالحرب المستمرة في البلاد منذ عام 2015، إذ يعتبر اليمن من أكثر دول الجزيرة العربية ثراءً ووفرة في عدد الأنواع النباتية والحيوانية.
وتعرض التنوع البيولوجي خلال الحرب اليمنية للتدمير، إذ تم قتل وصيد والاتجار بالحيوانات البرية والبحرية المهددة بالانقراض، والتعدي على مناطق المحميات الطبيعية، وما يرافقها من قطع جائر للأشجار، والرعي الجائر واستخدام المبيدات الحشرية المحرمة دولياً، وردم السواحل والجزر، وإقامة مشاريع استثمارية وسياحية في المناطق الحساسة بيئياً كمناطق تعشيش السلاحف البحرية المهددة بالانقراض، ومناطق تواجد الشعاب المرجانية، وأماكن تواجد آخر الغابات الاستوائية في الجزيرة العربية، دون القيام بدراسة الأثر البيئي لها لا سيما في ظل الحرب وضعف الرقابة البيئية.
ويبلغ عدد الأنواع النباتية في اليمن ما يفوق 3 آلاف نوع، وأكثر من 400 نوع من الطيور المهاجرة والمستوطنة، و77 نوعا من الثدييات البرية والتي من أشهرها النمر العربي، إضافة إلى 29 نوعاً من الثعابين السامة وغير السامة، و71 نوعاً من السحالي، و7 أنواع من السلاحف البحرية والبرية، وأكثر من 300 نوع من القشريات، وأكثر من 3000 نوع من الحشرات، وما يزيد على 600 نوعا من الأسماك العظمية والغضروفية، وغيرها من الكائنات الحية البرية والبحرية.
وبحسب المراقبين تتعرض أغلب الحيوانات البرية في اليمن مثل النمر العربي والغزلان والوعول والطيور بكافة أنواعها إلى مجازر وإبادات جماعية في الوقت الراهن، بسبب ضعف سلطة للدولة على هذه المناطق، وعدم تنفيذ العقوبات والجزاءات، مع استمرار الحرب ونقص الوعي البيئي في المجتمعات المحلية.
كما يمثل تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للسكان المحليين عاملا مساعدا يساهم في تدهور التنوع الحيوي، حيث أصبح صيد تلك الكائنات مطلبا ملحا لمواجهة ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في البلاد.
ليبيا
وتسير ليبيا أيضا على درب تهديد التنوع البيولوجي من عام 2011، غير أن الاستقرار النسبي الحالي قد يحمل بوادر أمل في تعزيز دعم البيئة في البلاد.
ومع اندلاع الحرب وانتشار السلاح المنفلت في ليبيا، تأثر التنوع البيولوجي بشكل شديد، حيث تم الصيد الجائر للحيوانات البرية بالكلاشنكوف والأسلحة النارية الأخرى.
ولم تسلم البيئة البحرية من تأثيرات التهديد للتنوع البيولوجي، حيث تم استخدام المتفجرات في عملية الصيد، ما أدى إلى القضاء على الكائنات الحية في البقعة التي تتعرض للتفجير، وشيوع مصطلح تصحر البيئة البحرية، وتحول بقع كانت مليئة بالنباتات والكائنات الحية إلى صخور.
وامتد التهديد والإبادة البيئية أيضا إلى الأشجار والنباتات العملاقة والمعمرة التي يصل عمرها إلى 80 و100 عام، وذلك رغم تكثيف الجهود الحالية من المنظمات البيئية للحفاظ على التنوع البيولوجي منها حملات إعادة تشجير وغيرها.
غزة بفلسطين
وتحول التنوع البيولوجي في قطاع غزة إلى سراب، إذ أسفر العدوان الإسرائيلي الذي وقع في 7 أكتوبر الماضي عن تدمير كامل لجميع النبات والكائنات الحية الدقيقة جراء استخدام المتفجرات والأسلحة، بحسب بيان سابق لسلطة جودة البيئة الفلسطينية مطلع العام الجاري.
وقال البيان آنذاك ‘ن العمليات العسكرية الإسرائيلية أدت إلى تدمير موائل الحيوانات البرية وقتلها وحرق كل أشكال الحياة النباتية، بما في ذلك الأشجار والشجيرات والأعشاب، الأمر الذي أدى إلى انقراض العديد من الأنواع.
وأوضح أن "العدوان من خلال تدمير الحجر والشجر والبنية التحتية، أدى إلى تلويث الماء والهواء والتربة، وحرق الأرض بكل تضاريسها، محولاً المكان إلى جبال تتكون من ملايين الأطنان من النفايات الإنشائية المختلطة بالنفايات الطبية والمنزلية ومياه الصرف الصحي ومياه الأمطار، ليصل جزء كبير منها إلى البحر مروراً بمحمية وادي غزة".
وتحولت محمية وادي غزة بفعل الأسلحة المحرمة دوليا إلى مقبرة جماعية لكل أشكال الحياة من بشر ونبات وحيوان، ما أدى إلى تدمير أحد أهم مسارات هجرة ملايين من الطيور العالمية في فصول مختلفة من السنة.
وتسببت آلة الحرب الإسرائيلية بإزعاج وترهيب الحيوانات التي كانت قد دخلت في طور البيات الشتوي، ومنها الأفاعي والعديد من أنواع الزواحف، وأدى هذا الأمر إلى خروج تلك الأنواع من جحورها مذعورة لتلقى حتفها تحت أنقاض المباني المدمرة، أو لتموت متأثرة بالتلوث الناجم عن هذه الإبادة الجماعية لجميع أشكال الحياة.
وبحسب البيان ذاته، فإن الآثار الآنية للعدوان أظهرت تغيراً في سلوك الكثير من الحيوانات البرية الناجية من الموت، حيث هاجمت بعض الحيوانات جثث الشهداء بسبب شدة جوعها وعطشها، وهذا يشكل تحولاً خطيرا في السلوك.
وحذر من أن "الآثار السلبية قد تطال أشكال التنوع الحيوي ممثلا في النبات والحيوان والكائنات الدقيقة، وهو الأمر الذي قد يحول مستقبلا دون قدرتها على التكاثر أو إصابتها بطفرات وتشوهات نتيجة للتلوث بكل أشكاله".
وأهابت سلطة جودة البيئة الفلسطينية بالمجتمع الدولي والمؤسسات البيئية العالمية الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني لوضع حد لهذا العدوان المستمر على الإنسان والبيئة الفلسطينية الحية بأشكال التنوع الحيوي وغير الحية مثل التربة والماء والهواء وغيرها.
وفي 4 يوليو الماضي، كشف مدير دائرة الرقابة والتفتيش في سلطة جودة البيئة، بهجت جبارين، أن العدوان الإسرائيلي طال التنوع البيولوجي في غزة، ما بين 150-200 نوع من الطيور، وحوالي 20 نوعًا من الثدييات، و20 نوعاً من الزواحف النادرة باتت مهددة بالانقراض.
نداءات دولية
وتتعالى المطالب الدولية بدعم الدول النامية وبذل تحركات لإنقاذ الكوكب، وسط مطالب بإدراج أممي لـ"الإبادة البيئة" كجريمة حرب.
وفي سبتمبر 2023، دعا مرفق البيئة العالمية، المعني بدعم إجراءات البلدان النامية في مواجهة التحديات البيئية، إلى تأسيس صندوق عالمي لحماية 30% من الأراضي والمحيطات بحلول عام 2030.
وتستهدف الرؤية الأممية العيش في وئام مع الطبيعة بحلول عام 2050، لكنها تخشى التدهور الخطير في الطبيعة الذي يهدد بقاء مليون نوع ويؤثر على حياة البلايين من البشر.
وتقول الأمم المتحدة إنه يلزم توفير 700 مليار دولار من التمويل السنوي للحفاظ على التنوع الحيوي على مدار العقد القادم لتحقيق الأهداف العالمية للتنوع الحيوي، حيث ينفق العالم في الوقت الحالي 120-140 مليار دولار سنويا.
وبحسب برنامج الأمم المتحدة في مايو الماضي، فإن "التنوع البيولوجي في العالم في تراجع حاد، وتواجه آلاف الأنواع تهديدات وجودية، وتتضاءل مساحات الغابات، وتموت الشعاب المرجانية، وهذه الأمور تعرض الإنسانية لخطر حقيقي، خاصة أن نحو 1.2 مليار شخص يعتمد على الطبيعة لتلبية احتياجاتهم الأساسية، في حين يعتمد أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي في العالم على الطبيعة".