كارثة غير مسبوقة.. 77 مليون طفل بالشرق الأوسط يعانون سوء التغذية
في ظل الأزمات المستمرة
يونيسيف تحذر من تفشي أزمة سوء التغذية بين 77 مليون طفل بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا
55 مليون طفل في المنطقة يعانون السمنة وزيادة الوزن
24 مليون طفل في الشرق الأوسط يعانون التقزم والهزال رغم الجهود المبذولة
حقوقية: سوء التغذية بالمنطقة انتهاك صارخ لحقوق الأطفال ويعكس فشلاً في الالتزامات الدولية
خبير اقتصادي: الفجوات الاقتصادية والاجتماعية تعمق أزمة الغذاء بالمنطقة وتستدعي تدخلات عاجلة
في تقرير صادم يعكس حجم المأساة الإنسانية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) من أن 77 مليون طفل ويافع يعانون أشكالا مختلفة من سوء التغذية، نتيجة الأزمات المتفاقمة في المنطقة.
هذه الإحصائية تمثل واحدًا من كل ثلاثة أطفال ويافعين، تعكس أبعادًا غير مسبوقة للأزمة الغذائية التي تواجهها شعوب المنطقة، وتبرز التحديات الهائلة التي تعترض طريق التنمية والاستقرار.
تشير تقارير يونيسيف إلى أن 55 مليون طفل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يعانون زيادة الوزن أو السمنة، وهي مشكلة تتفاقم بشكل مقلق بين الأطفال في سن المدرسة في جميع البلدان العشرين التي تشملها الإحصائيات.
هذه الظاهرة لا تقتصر فقط على الأطفال الذين يعانون من نقص الغذاء، بل تمتد أيضًا إلى أولئك الذين يعانون من سوء التغذية المرتبط بالأنظمة الغذائية غير الصحية والفقيرة بالمغذيات الأساسية، ما يعكس عمق الأزمة الغذائية وأبعادها المتعددة.
وفي الوقت نفسه، يعاني 24 مليون طفل آخر من أشكال أخرى من سوء التغذية، مثل التقزم والهزال والنحافة.
ورغم التقدم الذي أحرزته بعض الدول في الحد من انتشار التقزم خلال العقدين الماضيين، فإن هذه المشكلة لا تزال قائمة على نطاق واسع، حيث تؤثر على 10 ملايين طفل دون سن الخامسة، يشير هذا إلى أن الجهود المبذولة لمعالجة سوء التغذية في المنطقة لم تكن كافية للتصدي لجميع أشكال هذا التحدي المعقد.
وتتفاقم مشكلة سوء التغذية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في ظل ظروف معقدة تتداخل فيها الأزمات السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والصدمات المناخية.
أدى عدم الاستقرار السياسي والحروب المستمرة في دول مثل اليمن وسوريا والسودان إلى تدمير البنية التحتية الأساسية، بما في ذلك أنظمة الصحة والتعليم، ما أثر بشكل مباشر على قدرة الأسر على توفير الغذاء الكافي والمغذي لأطفالهم.

في اليمن، أدت الحرب المستمرة منذ سنوات إلى أزمة إنسانية غير مسبوقة، حيث يعاني الملايين من الجوع وسوء التغذية، ويقدر أن نحو نصف الأطفال اليمنيين دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد، مما يعرض حياتهم للخطر ويؤثر على نموهم وتطورهم بشكل دائم.
وفي السودان، تضاعفت معاناة الأطفال بسبب الصراع الداخلي المستمر والانهيار الاقتصادي، ما جعلهم عرضة لأزمات غذائية وصحية خطيرة.
وفي مصر وليبيا، يواجه الأطفال تحديًا مزدوجًا يتمثل في انتشار كل من التقزم وزيادة الوزن، وهذه الأعباء المزدوجة تعكس مشكلات بنيوية في أنظمة التغذية والصحة العامة، حيث يتعرض الأطفال في هذه الدول لأنظمة غذائية غير متوازنة تفتقر إلى العناصر الغذائية الأساسية وتحتوي على نسب عالية من السعرات الحرارية غير المفيدة.
هذا التحدي يعكس حاجة ملحة لإعادة النظر في السياسات الغذائية والتعليمية، وإدراج التغذية السليمة كجزء أساسي من خطط التنمية الوطنية.
وتؤكد المديرة الإقليمية ليونيسيف في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أديل خضر، أن الوضع الحالي لا يمكن القبول به في عام 2024، وأن استمرار النزاعات والأزمات المختلفة في المنطقة يزيد من خطورة هذه الإحصائيات.
وتقول خضر: "ثلث الأطفال الصغار فقط يتلقون الأطعمة المغذية التي يحتاجون إليها للنمو والتطور والازدهار، هذه إحصائية صادمة في عام 2024 وتخاطر بأن تصبح أسوأ مع استمرار النزاعات والأزمات والتحديات الأخرى في منطقتنا".
ودعت يونيسيف الحكومات في المنطقة إلى إعطاء الأولوية للتغذية في خططها وسياساتها وميزانياتها التنموية الوطنية، مؤكدة أن تحسين التغذية لا يتطلب فقط توجيه المزيد من الموارد، بل يتطلب أيضًا وضع استراتيجيات شاملة تعالج الأسباب الجذرية لسوء التغذية، بما في ذلك الفقر، ونقص التعليم، وعدم الوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية.
تأتي هذه التحذيرات في وقت تظهر فيه تقارير أممية أخرى أن الأوضاع الغذائية على مستوى العالم لا تقل خطورة، فوفقًا لتقرير حديث لوكالات تابعة للأمم المتحدة، فقد أعاقت الصراعات والاضطرابات الاقتصادية والمناخية الجهود المبذولة للحد من الجوع في عام 2023، ما أثر على نحو تسعة بالمئة من سكان العالم.
وقدر التقرير أن نحو 733 مليون شخص واجهوا الجوع في العام الماضي، وهو رقم ثابت تقريبًا منذ ثلاث سنوات بعد الارتفاع الحاد الذي شهده العالم في أعقاب جائحة كوفيد-19.
وأدت هذه الأزمات المتعددة إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي، الذي يطول 2.33 مليار شخص حول العالم، ما يعادل تقريبًا 29% من سكان الكرة الأرضية.
ويجبر انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد الناس على تخطي بعض الوجبات في بعض الأحيان أو الاستعانة بأغذية أقل جودة، مما يؤثر بشكل مباشر على صحتهم ونموهم.
وتجسد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا واحدة من أكثر المناطق تأثرًا بهذه الأزمات، حيث تتضافر العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية لتشكل بيئة خصبة لسوء التغذية.
ويعاني الأطفال في هذه المنطقة من مزيج من سوء التغذية الناجم عن الفقر والصراع، بالإضافة إلى سوء التغذية المرتبط بأنماط الحياة الحضرية الحديثة، التي غالبًا ما تتسم بالاستهلاك العالي للأطعمة السريعة والمصنعة.
من أجل مواجهة هذا التحدي الضخم، تحتاج الحكومات والمؤسسات الدولية إلى اتخاذ خطوات عاجلة لتعزيز الأنظمة الغذائية والصحية في المنطقة.
ويتطلب ذلك تدخلات متعددة المستويات تشمل تحسين الوصول إلى الغذاء الصحي، وتعزيز التعليم الغذائي، وتوفير الدعم للأسر الفقيرة، بالإضافة إلى بناء قدرات النظم الصحية لمواجهة احتياجات السكان الغذائية بشكل مستدام.
كما أن الشراكة بين الدول والمنظمات الدولية تلعب دورًا حاسمًا في تعزيز جهود مكافحة سوء التغذية، ويجب أن تستند هذه الشراكات إلى التفاهم العميق للاحتياجات المحلية وتقديم الدعم الفعال الذي يستهدف الفئات الأكثر ضعفًا.
في الوقت نفسه، يجب أن تعمل الحكومات على تطوير سياسات طويلة الأجل تعزز الأمن الغذائي وتدعم التنمية المستدامة.
ويرى خبراء، أن أزمة سوء التغذية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحديًا معقدًا يتطلب استجابة جماعية وشاملة، فالأطفال هم المستقبل، وحمايتهم وضمان نموهم الصحي هو مسؤولية جماعية يجب أن تكون هذه القضية في صدارة اهتمامات الحكومات وصانعي السياسات، ليس فقط من أجل إنقاذ الأرواح، ولكن أيضًا من أجل بناء مستقبل مستدام وآمن للجميع.

انتهاك صارخ لحقوق الأطفال
وحول هذه الأزمة، قالت خبيرة حقوق الإنسان، عزة سليمان، إن حقوق الإنسان، كما وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تكفل لكل فرد الحق في الغذاء الكافي والتغذية السليمة، وهو حق جوهري يرتبط بالحق في الحياة والصحة، ومع ذلك يظهر الواقع الحالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عجزًا كبيرًا في التزام الدول المعنية بهذه الحقوق، حيث تعكس أزمة سوء التغذية تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية في المنطقة.
وأوضحت عزة سليمان، في تصريحاتها لـ"جسور بوست"، أن سوء التغذية، سواء كان في شكل نقص التغذية أو السمنة، ليس مجرد قضية صحية، بل هو انعكاس للتحديات الأوسع التي تواجه المنطقة، بما في ذلك الصراعات المسلحة، وعدم الاستقرار السياسي، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، وهذه العوامل المتشابكة تؤدي إلى تعميق الفجوات الاجتماعية والاقتصادية، وتحرم الأطفال من حقهم في الحصول على تغذية صحية، ما يجعلهم أكثر عرضة للأمراض والضعف البدني والعقلي، وهذا الوضع يمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، ويتطلب اتخاذ تدابير عاجلة لمعالجة الأسباب الجذرية لهذه الأزمة.
وذكرت الخبيرة الحقوقية أن الالتزامات الدولية للدول تفرض عليها واجب ضمان وصول الغذاء إلى جميع الأطفال دون تمييز، ففي ظل الصراعات المستمرة في دول مثل اليمن والسودان تزداد أزمة سوء التغذية تفاقمًا، مما يضع مسؤولية كبيرة على عاتق المجتمع الدولي لضمان تقديم المساعدات الإنسانية بشكل فعال ومستدام، والتقاعس عن مواجهة هذه الأزمة يمثل خرقًا واضحًا للالتزامات الدولية، ويهدد حياة ملايين الأطفال ويقوض إمكانياتهم المستقبلية.
وأكدت أن هذه الأزمة تبرز الحاجة الملحة لتعزيز التعاون الدولي لضمان احترام حقوق الأطفال في التغذية السليمة، وأن دور المنظمات الدولية، وعلى رأسها اليونيسيف، في دعم جهود الحكومات لا يمكن إغفاله، إلا أن ذلك يتطلب التزامًا أقوى من الدول بتخصيص الموارد اللازمة لحل هذه المشكلة، ويجب أن تستند السياسات الوطنية إلى توجيهات دولية، مستلهمة من التجارب الناجحة عالميًا في مكافحة سوء التغذية.
واختتمت عزة سليمان، بقولها، إن الأزمة الراهنة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تعد اختبارًا حقيقيًا لقدرة المجتمع الدولي والحكومات المحلية على حماية حقوق الإنسان، منوهة بأن حقوق الأطفال في التغذية السليمة ليست مسألة رفاهية، بل هي جزء أساسي من حقوقهم الإنسانية.. والاعتراف بهذه الحقوق والعمل على حمايتها يجب أن يكون في صلب السياسات والاستراتيجيات الوطنية والدولية، وأي تأخير في الاستجابة لهذه الأزمة سيؤدي إلى نتائج كارثية على جيل كامل، ما يفاقم من معاناة هؤلاء الأطفال ويحرمهم من حقوقهم الأساسية في الحياة والكرامة.

عزة سليمان
تأثير الفجوات الاقتصادية والاجتماعية على الوصول للغذاء
بدوره، علّق الاقتصادي الدولي والأكاديمي، خالد الشافعي بقوله، إن التمييز الاجتماعي والاقتصادي في الوصول إلى الغذاء يعكس أحد أكثر التحديات إلحاحًا في مجال حقوق الإنسان والتنمية المستدامة، وتتجلى الفجوات الاقتصادية والاجتماعية التي تسهم في عدم المساواة في الحصول على الغذاء الصحي بشكل بارز في مختلف أنحاء العالم، حيث يصبح الفقر والبطالة عاملين رئيسيين يعوقان قدرة الأفراد، خاصة الأطفال، على التمتع بتغذية سليمة، هذه الفجوات تعكس عمق التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية، مما يستدعي تحليلًا دقيقًا واتخاذ إجراءات ملموسة لمعالجتها.
وتابع الشافعي في تصريحاته لـ"جسور بوست"، إن توزيع الموارد ليس متساويًا بين الأفراد والأسر، حيث تسهم الفوارق الاقتصادية في تفاوت القدرة على الوصول إلى الغذاء الصحي، ولهذا تجد الأسر ذات الدخل المنخفض صعوبة في شراء الأغذية الطازجة والمغذية، والتي غالبًا ما تكون باهظة الثمن، وبدلاً من ذلك، تلجأ هذه الأسر إلى خيارات غذائية أقل تكلفة وأقل قيمة غذائية، ما يؤدي إلى تفشي سوء التغذية بين الأطفال، وهذا التمييز في الوصول إلى الغذاء الصحي ليس مجرد مسألة اقتصادية، بل هو انعكاس مباشر لعدم المساواة الاجتماعية التي تعزز الفقر وتعوق التنمية البشرية.
وأوضح، أن الفقر، كأحد الأسباب الرئيسية لعدم المساواة في الوصول إلى الغذاء، يفرض ضغوطًا هائلة على الأسر ويؤدي إلى تدهور الوضع الغذائي للأفراد، لا سيما الأطفال من الأسر الفقيرة الذين يواجهون صعوبات في الحصول على وجبات غذائية متوازنة، ما يؤثر سلبًا على نموهم البدني والعقلي، وتتجاوز المشاكل المرتبطة بالفقر نقص الموارد المادية، فهي تشمل أيضًا محدودية الوصول إلى خدمات الصحة والتعليم، مما يؤدي إلى حلقة مفرغة من الفقر وسوء التغذية.
وأكد الخبير الاقتصادي أن البطالة تلعب دورًا بارزًا في تعميق هذه المشكلة، وأن فقدان الوظيفة أو عدم القدرة على العثور على عمل مستقر يزيد من حدة الفقر ويؤدي إلى انخفاض الدخل الأسري، وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، تجد الأسر صعوبة في تأمين الغذاء الكافي، ما يجعل الأطفال أكثر عرضة للتأثيرات السلبية لسوء التغذية، والبطالة ليست فقط نتيجة للظروف الاقتصادية السيئة، بل هي أيضًا عامل مساهم في تفاقم المشكلة، حيث يرتبط عدم الاستقرار الوظيفي بانخفاض القدرة الشرائية للأسر وزيادة اعتمادها على الإعانات والمساعدات الغذائية.
وأوضح الشافعي أن الحق في الغذاء الصحي يعد جزءًا أساسيًا من حقوق الإنسان، وفقًا للمعاهدات الدولية مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهذا الحق يتجاوز توفير الغذاء فقط، بل يشمل أيضًا الحق في الحصول على غذاء كافٍ ومغذٍ بما يضمن الصحة الجيدة والنمو السليم، لذا فإن عدم المساواة في الوصول إلى الغذاء يمثل انتهاكًا لهذا الحق ويبرز الحاجة إلى سياسات وإجراءات تعالج الفجوات الاقتصادية والاجتماعية التي تؤدي إلى هذه الأوضاع.
وشدد على أن معالجة التمييز الاجتماعي والاقتصادي في الوصول إلى الغذاء تتطلب استجابة شاملة تشمل تحسين الأوضاع الاقتصادية للفئات الضعيفة، مثل زيادة فرص العمل، وتقديم الدعم للأسر ذات الدخل المنخفض، كما يجب تعزيز السياسات التي تضمن الوصول العادل إلى الموارد الغذائية، بما في ذلك تحسين برامج المساعدة الغذائية وتوسيع نطاقها لتلبية احتياجات الأسر الفقيرة، وفي الوقت نفسه يجب على الدول الالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان والعمل على توفير الحماية الاجتماعية اللازمة لضمان حق كل فرد في الغذاء الصحي.

خالد الشافعي
واختتم الخبير الاقتصادي حديثه مؤكداً أنه لا يمكن تجاهل التأثيرات المتراكمة للفقر والبطالة على حقوق الأطفال في الحصول على تغذية مناسبة، وأن الاستجابة الفعالة لهذه القضايا تتطلب تبني نهج شامل يعالج الأسباب الجذرية للتمييز الاجتماعي والاقتصادي ويضمن تحقيق العدالة في توزيع الموارد الغذائية، فقط من خلال تبني سياسات تدعم الفئات الأكثر ضعفًا وتضمن احترام حقوق الإنسان، بما يمكننا من تحقيق تقدم ملموس نحو القضاء على سوء التغذية وضمان مستقبل صحي ومشرق لجميع الأطفال.