«قلق أممي وتحذيرات دولية».. الحروب والصراعات تزيد أحكام الإعدام بالشرق الأوسط
«قلق أممي وتحذيرات دولية».. الحروب والصراعات تزيد أحكام الإعدام بالشرق الأوسط
بزيادة مفزعة، استحوذت قضية تطبيق عقوبة الإعدام في الشرق الأوسط على نصيب كبير من المخاوف والتحذيرات الأممية والدولية.
وسجلت دول الشرق الأوسط ارتفاعا غير مسبوق في معدل تطبيق عقوبة الإعدام، إذ جاءت إيران في المقدمة، وسط مخاوف دولية من ارتفاع المعدلات في العراق.
وناقش المجلس الأممي لحقوق الإنسان، في دورته الـ57 المنعقدة في جنيف، استئناف فرض عقوبة الإعدام والتوسع في تطبيقها إلى حد كبير في دول الشرق الأوسط.
وفي عام 2022، استؤنفت عمليات الإعدام في دولة فلسطين، للمرة الأولى منذ عام 2017، وفي عام 2023 ازداد عدد المحكوم عليهم بالإعدام إلى حد كبير في باكستان، حيث أفادت تقارير بأن 6039 فرداً ينتظرون تنفيذ الحكم، أي نحو ضعف العدد المبلغ عنه في عام 2022.
وبلغت عمليات الإعدام في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ما قدره 93 بالمئة من عمليات الإعدام المعروفة على الصعيد العالمي في عام 2022، ونفذ 70 بالمئة منها في جمهورية إيران الإسلامية.
ويظل من الصعب الحصول على أرقام دقيقة عن تطبيق عقوبة الإعدام على الصعيد العالمي، حيث تصنف بعض الدول منها الصين وفيتنام البيانات الخاصة بأحكام الإعدام باعتبارها سرا من أسرار الدولة.
تزايد مقلق
وقالت منظمة العفو الدولية (غير حكومية، مقرها لندن) إن عمليات الإعدام ارتفعت إلى أعلى معدل لها منذ ما يقرب من عقد من الزمن بين عامي 2022 و2023، بزيادة قدرها 59 بالمئة مقارنة بعام 2021.
وعزت المنظمة الدولية أسباب هذا الارتفاع الحاد في جميع أنحاء الشرق الأوسط إلى تنامي نشوب الحروب والنزاعات والتوترات السياسية في العديد من دول المنطقة.
وقالت إن ما تم تنفيذه من عملية الإعدام يصل إلى 1153 خلال عام 2023، ما يمثل زيادة بأكثر من 30 بالمئة مقارنة بعام 2022، وهو يعد أعلى رقم سجلته منظمة العفو الدولية منذ عام 2015.
من جانبها، قالت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، أنياس كالامار: "يرجع الارتفاع الكبير في عمليات الإعدام المسجلة إلى دولة إيران في المقام الأول، لقد أظهرت طهران استخفافًا تامًا بالحياة البشرية، وكثفت عمليات الإعدام على خلفية جرائم تتعلق بالمخدرات، ما يسلط الضوء بشكل أكبر على الأثر التمييزي لعقوبة الإعدام على الأشخاص الأشد تهميشًا وفقرًا في إيران".
وبحسب التقرير الدولي، فإن من أكبر البلدان التي شهدت عددا متزايدا من عمليات الإعدام في عام 2023 هي إيران والصومال والصين والولايات المتحدة الأمريكية.
ونفذت إيران وحدها 74 بالمئة من جميع عمليات الإعدام المسجلة، ونفذت الصومال والولايات المتحدة الأمريكية عددًا متزايدًا من عمليات الإعدام في عام 2023.
إيران في الصدارة
في إيران، يرصد التقرير الدولي أن "السلطات كثفت استخدامها لعقوبة الإعدام لبث الخوف في نفوس السكان، وتشديد قبضتها على السلطة، ونفذت عمليات إعدام في جميع أنحاء البلاد، حيث أُعدم ما لا يقل عن 853 شخصًا، وهو ما يمثل ارتفاعًا بنسبة 48 بالمئة بالمقارنة مع التقديرات في عام 2022".
وأثرت عمليات الإعدام بشكل غير متناسب على الأقلية العرقية البلوشية في إيران، والتي كان نصيبها نسبته 20 بالمئة من عمليات الإعدام المسجلة رغم أنها تشكل نحو 5 بالمئة فحسب من إجمالي تعداد سكان إيران.
وأفاد التقرير الدولي بإعدام ما لا يقل عن 24 امرأة، وما لا يقل عن 5 أشخاص ممن كانوا أطفالًا وقت وقوع الجريمة، كما تم تنفيذ ما لا يقل عن 545 بشكل غير قانوني على خلفية أفعال لا ينبغي أن تؤدي إلى عقوبة الإعدام بموجب القانون الدولي، بما في ذلك الجرائم المتعلقة بالمخدرات والسطو والتجسس.
وتصاعدت معدلات الإعدام على خلفية جرائم تتعلق بالمخدرات وشكلت 56 بالمئة من عمليات الإعدام المسجلة في عام 2023، بزيادة قدرها 89 بالمئة على 255 عملية إعدام مسجلة في عام 2022.
وفي سبتمبر الجاري، قال خبراء من الأمم المتحدة، إن إيران أعدمت أكثر من 400 شخص، بينهم 15 امرأة، هذا العام وأعربوا عن قلقهم إزاء ارتفاع عمليات الإعدام، لا سيما أن عددا منها يتعلق بجرائم مرتبطة بالمخدرات.
ويتهم ناشطون في مجال حقوق الإنسان إيران بـ"استخدام عقوبة الإعدام كوسيلة للترهيب في مواجهة حركة الاحتجاج التي أشعلتها وفاة الشابة مهسا أميني (22 عاماً) إثر احتجازها لدى شرطة الأخلاق بسبب عدم التزامها بقواعد اللباس الصارمة قبل عامين".
وفي أغسطس الماضي، ذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش (غير حكومية مقرها نيويورك) أن السلطات الإيرانية أعدمت 87 شخصا على الأقل في غضون شهر بعد الانتخابات الرئاسية التي جرت أواخر يونيو 2024.
وقالت المنظمة الدولية إنها وثّقت على مدى سنوات عديدة انتهاكات خطيرة للإجراءات القانونية الواجبة ومحاكمات غير عادلة في المحاكم الإيرانية.
ومن جانبها قالت باحثة إيران بالإنابة في هيومن رايتس ووتش ناهيد نقشبندي: "تنفّذ طهران موجة إعدامات فظيعة. يتعيّن على الرئيس الإيراني الجديد مسعود بيزشكيان التدخل فورا لإلغاء أحكام الإعدام الحالية ووقف عقوبة الإعدام واتخاذ خطوات لإصلاح القضاء".
وأضافت نقشبندي: "استخدام إيران عقوبة الإعدام كأداة للترهيب بعد محاكمات جائرة، وخاصة ضد الذين يسعون إلى الإصلاح الحكومي، يكشف عن إساءة استخدام مروعة للسلطة، ينبغي للدول الأخرى وخاصة التي تتعامل مع إيران، أن تدين هذه الممارسة غير الإنسانية وتدعو إلى وقف فوري للإعدامات".
وتستخدم الحكومة الإيرانية منذ فترة طويلة عقوبة الإعدام على نطاق واسع ضد النشطاء والمعارضين والمطالبين بحرية التعبير والتجمع السلمي، وفق تقارير دولية.
العراق يلحق بالمأساة
ولا يبتعد العراق عن هذا المسار المأساوي، حيث يواجه 150 سجينا على الأقل في سجن الناصرية (جنوب شرق بغداد) الإعدام الوشيك بدون إنذار في حال موافقة الرئيس عبد اللطيف رشيد على الأحكام بحقهم.
وذكرت منظمة هيومن رايتس أنه تم إعدام 13 رجلا في سجن الناصرية أواخر ديسمبر 2023، وهو الإعدام الجماعي الأول منذ إعدام 21 رجلا في نوفمبر 2020.
وقالت باحثة العراق في هيومن رايتس ووتش سارة صنبر: "استئناف الإعدامات الجماعية في العراق تطور مريع، وينبغي للحكومة العراقية أن تعلن فورا عن وقف تنفيذ عقوبة الإعدام".
وأضافت: "إعدامات الجماعية التي جرت في ديسمبر 2023 نُفذت بدون مراعاة الحقوق الإنسانية للمحكومين. هذا الظلم الهائل تفاقمه الشوائب القضائية الموثقة جيدا، التي تحرم المتهمين من المحاكمات العادلة".
وبحسب تسريبات من داخل سجن الناصرية، فإن السلطات جمعت الذين أعدموا في زنزانة واحدة ليلة تنفيذ الحكم وأعدمتهم في الصباح، ولم يُسمح لهم بالاتصال بعائلاتهم أو محاميهم قبل إعدامهم.
ونُفذت العديد من الإعدامات الجماعية في سجن الناصرية، السجن العراقي الوحيد الذي ينفذ عمليات إعدام والملقب بـ"الحوت" لأنه يبتلع المتهمين، ويعتقد أن 8 آلاف سجين تقريبا، معظمهم متهمون بجرائم متعلقة بالإرهاب، ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام في العراق.
وحذرت تقارير حقوقية دولية من أن التطبيق الواسع لعقوبة الإعدام يثير القلق بشكل خاص بسبب الشوائب الخطيرة في القضاء العراقي، لا سيما في محاكمات الإرهاب، التي تحرم المتهمين من الحق في محاكمة عادلة.
وعادةً ما تستند المحاكم العراقية إلى اعترافات لا سند لها وتتجاهل مزاعم انتزاع هذه الاعترافات تحت التعذيب، كما يتم إصدار أحكام بالإعدام على أساس الانتماء لمنظمة "إرهابية"، وهي تهمة فضفاضة، بدون الإشارة إلى أي أفعال عنيفة.
الإعدام عالميا
وبحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية، سُجِل في العديد من الدول ارتفاع في تطبيق أحكام الإعدام أبرزها سنغافورة والصين وأفغانستان وبيلاروسيا وجنوب السودان وميانمار واليابان.
واستخدمت بعض الدول الأساليب التالية في تنفيذ عقوبة الإعدام في عام 2023، وهي: قطع الرأس، والشنق، والحقن المميت، والرمي بالرصاص.
وعلى الصعيد العالمي، صدر ما لا يقل عن 2428 حكمًا جديدًا بالإعدام في 52 بلدًا خلال عام 2023، مقارنة بما لا يقل عن 2016 في 52 بلدًا خلال عام 2022.
وسجلت منظمة العفو الدولية حالات تخفيف عقوبة الإعدام أو العفو عن أشخاص محكوم عليهم بها في 27 بلدًا، فيما فرضت خمسة بلدان أحكاما بالإعدام بعد فترة توقف، وهي: بيلاروسيا، وزيمبابوي، والكاميرون، والمغرب/الصحراء الغربية، واليابان.
على الصعيد العالمي، كان ما لا يقل عن 27 ألفا و687 شخصًا تحت حكم الإعدام في نهاية عام 2023.
وعقوبة الإعدام هي أقصى أشكال العقوبة القاسية واللاإنسانية والمهينة، وتعارض العديد من المنظمات الحقوقية العالمية هذه العقوبة في جميع الحالات بدون استثناء بغض النظر عن طبيعة الجريمة أو ظروفها، أو الشعور بالذنب أو البراءة أو الخصائص الأخرى للفرد؛ أو طريقة تنفيذ الإعدام.
البيئة المواتية
بدوره، قال الخبير والأكاديمي المتخصص في علم الاجتماع السياسي بمصر الدكتور سعيد صادق، إن التوسع في تطبيق عقوبة الإعدام بالشرق الأوسط يرجع لعدة عوامل مختلفة، أبرزها المعايير الثقافية، والمعتقدات الدينية، والأنظمة القانونية التي قد تتضمن الشريعة الإسلامية، والتي تبيح جميعها تطبيق هذه العقوبة.
وأوضح صادق، في تصريح لـ"جسور بوست" أن معظم دول منطقة الشرق الأوسط لديها مخاوف جمة من عدم الاستقرار السياسي، بسبب غياب الديمقراطية ووجود جماعات معارضة مسلحة، ما يدفع بتلك الأنظمة إلى التوسع في استخدام عقوبة الإعدام لتحقيق الردع العنيف.
وأضاف: "ساهم في التوسع غير المسبوق لأحكام الإعدام طبيعة بعض الأنظمة السياسية، والتي تميل إلى الديكتاتورية والفاشية، ومن ثم تعمل على تضييق الخناق على المعارضة السلمية، فتظهر بالتبعية المعارضة غير السلمية والفصائل المسلحة".
وأشار صادق إلى أن عدم الاستقرار السياسي وانتشار بؤر الصراعات والحروب في العديد من دول المنطقة يؤدي أيضا بالضرورة إلى وجود مليشيات مسلحة مثلما حدث في مصر وسوريا وليبيا واليمن والسودان، ما يترتب عليه اتساع نطاق تطبيق عقوبة الإعدام.
ومضى سعيد صادق، موضحا: "التوترات السياسية والصراعات والحروب الأهلية عادة ما تشجع الأنظمة الديكتاتورية على استخدام القمع وتطبيق عقوبة الإعدام بشكل رسمي وغير رسمي أحيانا من خلال القتل والتصفية خارج إطار القانون".
وعزا أستاذ علم الاجتماع السياسي، أسباب التوسع في تطبيق هذه العقوبة التي تعد حرمانا تعسفيا من الحياة، إلى تخفيف قبضة المجتمع الدولي في مطالبة دول الشرق الأوسط بوقف الانتهاكات والتجاوزات وإجراء إصلاحات حقوقية جدية، وذلك على وقع انشغالها بقضايا المهاجرين وتنظيم داعش والحرب الروسية الأوكرانية وغيرها من الانشغالات الدولية التي أدت بالتبعية إلى تراجع ملف حقوق الإنسان عالميا.
ومن جانبه، عزا الخبير والأكاديمي السياسي العراقي علي الكاتب، أسباب تزايد أحكام الإعدام لمستويات غير مسبوقة إلى أن بعض دول الشرق الأوسط تحكمها أنظمة سلطوية وديكتاتورية تلجأ في كثير من الأحيان إلى الحفاظ على بقائها بتصفية معارضيها والمطالبين بإسقاطها عبر القتل المباشر.
وأوضح الكاتب في تصريحه لـ"جسور بوست" أن عددا من دول الشرق الأوسط لديها مشروع ثقافي مؤيد لعقوبة الإعدام أو مشروع إسلامي يتخذ من نصوص الشريعة الإسلامية ركيزة للتوسع في تطبيق هذه العقوبة لأغراض انتقامية من المناوئين.
وأضاف: "في حالات أخرى من البلدان التي سيطر عليها التنظيمات الإرهابية المسلحة لعدة سنوات كما هي الحال في العراق على سبيل المثال، فإن تطبيق عقوبة الإعدام بحق الإرهابيين هو حق المجتمع الذي عانى ويلات إجرام تنظيم داعش، وهو أمر ضروري وبالغ الأهمية لإشاعة الردع وخفض معدلات الجريمة".
ويحظر القانون الدولي لحقوق الإنسان استخدام عقوبة الإعدام ضد الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم وهم دون سن 18 عاماً، ومع ذلك تظل بعض البلدان تلجأ إلى استخدام عقوبة الإعدام في هذه الحالات.