بتحركات بارزة.. الدول العربية تنجح في تضييق الخناق على «سيناريو التهجير»

بتحركات بارزة.. الدول العربية تنجح في تضييق الخناق على «سيناريو التهجير»
فلسطينيون في غزة - أرشيف

تمكنت الدول العربية بتحركات بارزة من تضييق الخناق على سيناريو تهجير الفلسطينيين من سكان غزة إلى مصر والأردن والسعودية، إذ تواترت البيانات الرافضة واللقاءات والاتصالات مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فضلا عن الدعوة لقمة عربية طارئة وأخرى مصغرة بالرياض، وإعداد خطة بديلة ومؤتمر لإعمار غزة، والضغط لإدخال مساعدات ومنازل جاهزة للقطاع.

وبحسب خبراء من مصر والأردن وفلسطين، تواصلت معهم "جسور بوست"، فإن تلك التحركات الحثيثة كانت سببا في خفوت سيناريو التهجير بعد ضجة الطرح الأول من الرئيس الأمريكي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وتوقع الخبراء أنه حال التوافق على خطة مصر البديلة لإعمار غزة دون تهجير سكانها، أن تجد صدى لدى الإدارة الأمريكية، وتحبط الدعوة الأمريكية الجديدة، كما أحبطت صفقة القرن التي طرحها ترامب بولايته الأولى لأسباب وجود طرح بديل يحظى بدعم عربي ودولي.

من التوهج إلى الخفوت 

على مدار نحو شهر، مرّ سيناريو التهجير بمراحل توهج وخفوت، وكان الضربة الأولى في 25 يناير الماضي عندما ألقى ترامب قنبلة دخان بعد 5 أيام من توليه منصبه بشأن مستقبل غزة، داعيا لتهجير سكان غزة لمصر والأردن، مؤكدا الانفتاح على أن تكون هذه خطة طويلة الأجل.

وجدد ترامب المقترح ذاته معاندا الرفض العربي في أيام 27 و30 و31 يناير، متوقعا موافقة مصر والأردن عليها، وفي 4 فبراير أعلن الرئيس الأمريكي في مؤتمر صحفي مع نتنياهو، بالبيت الأبيض اعتزامه سيطرة الولايات المتحدة على غزة وتملكها، ملوحا بإرسال قوات أمريكية للقطاع.

قبل أن تتراجع في اليوم التالي إدارة ترامب خطوة للخلف، إذ قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت إن الفلسطينيين يجب أن "ينقلوا مؤقتا" إلى حين إعادة إعمار غزة، نافية أن يكون ترامب تعهد بنشر قوات على الأرض، وكرر ذلك وزير الخارجية ماركو روبيو بالقول إن الفلسطينيين سيغادرون غزة لفترة مؤقتة.

وفي 6 فبراير الجاري، تراجع ترامب علنا عن فكرة إرسال قوات لغزة، قبل أن يعود بـ4 أيام متحدثا لقناة فوكس نيوز قائلا إن الفلسطينيين ليس لديهم حق العودة، وفي 11 فبراير جدد الرئيس الأمريكي خلال لقاء مع ملك الأردن عبد الله الثاني تمسكه بتهجير غزة، بينما كشف الملك لأول مرة بوجود خطة مصرية عربية تعد بديلة وستعرض وقال الأول إنه ينتظرها. 

وخرج ترامب في اليوم التالي مشيدا بملك الأردن في فيديو خاص رغم أن الأخير جدد رفض التهجير، وخفت حديث الرئيس الأمريكي وبعد أقل من شهر، تحدث المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، في 20 فبراير الجاري خلال مؤتمر بميامي قائلا إن خطة رئيس الولايات المتحدة لغزة لا تهدف لتهجير الفلسطينيين، وإن الحديث عن مستقبل غزة يتحول نحو كيفية إيجاد مستقبل أفضل للفلسطينيين.

وأوضح ويتكوف أنه "عندما يتحدّث الرئيس عن هذا، فهذا يعني أنه يريد أن يدفع الجميع للتفكير في ما هو مُقنع، وما هو الحل الأفضل للشعب الفلسطيني".

تحركات عربية

ومنذ إعلان ترامب وصولا لتوضيحات مبعوثه سيتف ويتكوف، رصدت "جسور بوست" 8 تحركات عربية بارزة لعبت دورا لافتا في رفض سيناريو التهجير بصورة أشد مما كان عليه الموقف العربي الرسمي الرافض لصفقة القرن التي طرحت بأواخر الفترة الأولى للرئيس الأمريكي.

وعقب طرح ترامب الأول لسيناريو التهجير، توالت بيانات من وزارة خارجية كل من مصر والأردن والسعودية والإمارات وقطر والبحرين وسلطنة عمان والعراق، إذ قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي: "ثوابتنا حل القضية الفلسطينية في فلسطين؛ الأردن للأردنيين، وفلسطين للفلسطينيين، وتثبيت الفلسطينيين على أرضهم من ثوابت الأردن ولم يتغير ولن يتغير، ورفضنا للتهجير ثابت لا يتغير".

وأعلنت وزارة الخارجية المصرية في بيان "رفض مصر لأي مساس بتلك الحقوق غير القابلة للتصرف، سواء من خلال الاستيطان أو ضم الأرض، أو عن طريق إخلاء تلك الأرض من أصحابها من خلال التهجير أو تشجيع نقل أو اقتلاع الفلسطينيين من أراضيهم، سواء كان بشكل مؤقت أو طويل الأجل"، محذرة من أن ذلك "يهدد الاستقرار وينذر بمزيد من امتداد الصراع إلى المنطقة، ويقوض فرص السلام والتعايش بين شعوبها".

وأكد أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، في بيان، أن "الموقف العربي لا يساوم في موضوع تهجير الفلسطينيين من أرضهم سواء في غزة أو الضفة، والاصطفاف العربي المساند لموقف كل من مصر والأردن واضح ولا لبس فيه، والأطروحات القديمة المتجددة بتهجير أصحاب الأرض من أراضيهم هي أطروحات مرفوضة ولا طائل من مناقشتها". 

وأكدت منظمة التعاون الإسلامي، في بيان، رفضها وإدانتها أي مخططات لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، واعتبرت أن ذلك يشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.

وفلسطينياً، شدد الرئيس محمود عباس على أن "الشعب الفلسطيني وقيادته لن يقبلا بتاتاً بأي سياسة تمس وحدة الأرض الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية" مطالبا ترامب بـ"مواصلة جهوده لدعم المساعي لتثبيت وقف إطلاق النار واستدامته (في قطاع غزة) وانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي بالكامل".

شهدت التحركات العربية أيضا لقاءً عقد بين ملك الأردن وترامب بالبيت الأبيض، والذي أكد الأول خلاله أن هناك خطة مصرية تُعد بالتنسيق مع السعودية والدول العربية، كما استقبل رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد، في 19 فبراير الجاري، وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو.

وأكد الشيخ محمد بن زايد موقف دولة الإمارات الثابت الرافض لأي محاولات تهدف إلى تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، مشدداً على ضرورة أن ترتبط عملية إعمار غزة بمسار يؤدي إلى السلام الشامل والدائم الذي يقوم على أساس "حل الدولتين" كونه السبيل لتحقيق الاستقرار في المنطقة.

حشد عربي ودولي

وأعرب قادة الدول العربية اتصالات عديدة، وأعرب الرئيس الفلسطيني محمود عباس مبكرا عن إدانته ورفضه الشديد لأي مشروع يهدف إلى "تهجير أبناء شعبنا من قطاع غزة"، لافتا إلى أنه "يجري اتصالات عاجلة مع قادة الدول العربية، والأوروبية، والولايات المتحدة بهذا الخصوص"، مؤكداً أن الشعب الفلسطيني لن يتخلى عن أرضه ومقدساته ولن نسمح بتكرار النكبات التي حلت بشعبنا عامي 1948 و1967.

وأجرى وزير الخارجية المصري أكثر من 8 اتصالات عربية بخلاف اتصالات مع دول أوروبية ومنظمات أممية لرفض مخطط التهجير، كما أعلنت القاهرة عن قمة عربية طارئة ستكون في 27 فبراير الجاري بشأن تطورات فلسطين قبل أن تؤجلها إلى 4 مارس لمزيد من ضمان حضور أكبر عدد من القادة، بخلاف لقاء تستضيفه الرياض بحضور قادة مصر والأردن وقادة دول مجلس التعاون الخليجي الجمعة. 

وكانت وكالة "رويترز" للأنباء قد ذكرت نقلا عن مصدرين أمنيين مصريين أن السيسي سيناقش خلال زيارته للرياض خطة عربية لإعادة إعمار غزة ربما تشمل مساهمات مالية من دول المنطقة بما يصل إلى 20 مليار دولار.

وكشفت مصر عبر بيانات رسمية عن بلورة تصور شامل لإعادة الإعمار في غزة في وجود الفلسطينيين على أرضهم، مشددا على ضرورة خلق أفق سياسي يفضي إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية وفقًا لقرارات الشرعية الدولية، وبما يكفل قيام الدولة الفلسطينية على كامل التراب الوطني الفلسطيني بالضفة الغربية وقطاع غزة، وعاصمتها القدس الشرقية.

بدوره، قال رئيس الوزراء المصري، الدكتور مصطفى مدبولي، الخميس، إن بلاده تضع الإطار العام لإعادة إعمار غزة والرؤية من الناحية الفنية أن إعادة الإعمار للقطاع تصل لـ3 سنوات، بعد أحاديث متكررة من وزير الخارجية بدر عبدالعاطي عن اعتزام استضافة القاهرة مؤتمرا دوليا لإعادة الإعمار بالشراكة مع فلسطين والأمم المتحدة. 

وأفاد تقرير حديث للأمم المتحدة، بأن إعادة إعمار غزة تتطلب أكثر من 53 مليار دولار، بينها أكثر من 20 ملياراً خلال الأعوام الثلاثة الأولى.

حشود وهاشتاغات غاضبة 

بعد ساعات قليلة من إصرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على استقبال مصر والأردن للفلسطينيين، احتشد آلاف المصريين أمام معبر رفح للتعبير عن رفض خطة ترامب.

وتدفق مئات الآلاف من النازحين إلى مدينة غزة وشمال القطاع عبر شارع الرشيد الساحلي سيرا على الأقدام تنفيذ لاتفاق هدنة غزة بما يشبه السيل البشري في مشهد مهيب، قال مراقبون إنه تأكيد على رفض التهجير. 

وأسفرت ضغوط الوسيطين مصر وقطر على بدء دخول أول دفعة من المنازل المتنقلة، الخميس، محملة على شاحنات من بوابة معبر رفح إلى معبر كرم أبو سالم الحدودي في طريقها إلى قطاع غزة، للوقاية من برد الشتاء وهطول الأمطار، وقالت مصادر إن تلك الدفعة الأولى تضم 15منزلا متنقلا حيث يضم الكرفان غرفتين وصالة وحماماً ومطبخاً يكفي 6 أشخاص.

ومن المنتظر أن يكون هناك 60 ألف من الكرفانات أو المنازل الجاهزة إضافة إلى 200 ألف من الخيام وفقًا لاتفاق وقف إطلاق النار على مدار المراحل الثلاثة للاتفاق استعدادا للمرحلة الأخيرة وهي إعادة إعمار قطاع غزة.

وقد سبق إدخال عدد من المعدات الثقيلة على دفعتين للعمل على إزالة الركام ورفع الأنقاض، حيث تم تجهيز مكان بخان يونس لوصول البيوت الجاهزة لإقامة الأسر الفلسطينية التي فقدت منازلها أثناء الحرب على قطاع غزة. 

خطوات عربية واضحة

من جانبه، قال المحلل السياسي الفلسطيني منذر الحوارات، في تصريح لـ"جسور بوست"، إن "خطة ترامب لإعادة إعمار غزة وتحويله ريفيرا لقيت غضباً عربياً فلسطينياً أردنياً والعرب استهجنوا هذا التفكير بتحركات واضحة وردود لا تزال متوالية، منها حديث الملك عبد الله الثاني عن الخطة البديلة لصيغة الرئيس الأمريكي".

وأوضح الحوارات أهمية وجود خطة عربية مكتوبة لتدعيم مسار الرفض العربي الذي لا يزال مستمراً تجاه صيغة ترامب، لافتا إلى أن اللقاءات العربية المستمرة سواء في الرياض، أو في القمة العربية الطارئة ستجعلنا نقترب أكثر من إيجاد مواجهة عربية شاملة لسيناريو التهجير. 

وأشار إلى أن حدوث سيناريو التهجير كما يريد ترامب، يعني أن المنطقة ستدخل في اضطرابات وحروب، وبالتالي فإن الخطة العربية البديلة تحمل أهمية لا سيما بما ستطرحه من آليات ومطالب بتأمين مالي ليس سهلا، في ظل أزمات عدة بالمنطقة في سوريا ولبنان وغزة.

ويرى المحلل الفلسطيني أن ما يحدث عربيا يمثل ضغطاً لمنع سيناريو التهجير، لافتا إلى أن الأيام المقبلة، ستحدد مستقبل تأثيرات تلك التحركات ومدى تجاوب الجانب الأمريكي معها، خاصة أن المستقبل لا يزال غامضا حتى الآن في ظل الاشتراطات الأمريكية بشأن حماس وسلاحها وكيفية الإعمار.

تأثير منتظر 

ومن جانبه، أوضح أمين عام مركز الفارابي للدراسات السياسية الدكتور مختار غباشي، في تصريح لـ"جسور بوست"، أن تلك التحركات العربية أرسلت رسائل واضحة لواشنطن، والدليل أن العرب يتحركون صوب مشروع مصري بديل ومدعوم فلسطينا بمشروع آخر، لافتا إلى أن المشروع البديل المطروح أمام القمة العربية المصغرة بالرياض الجمعة والأخرى بالقاهرة في 4 مارس تعزز الموقف العربي وتدعمه أمام خطة ترامب.

وحول استجابة إدارة ترامب، قال غباشي: "أمريكا إزاء توالي التحركات العربية ضمنيا صامتة وأتصور أنها ليست لديها تصميم وإصرار على هذا المشروع وأتصور أن الدول العميقة الأمريكية ليست متفقة مع هذا المشروع وأبلغت ترامب بذلك لأنه مستحيل عمليا تطبيقه من حيث المبدأ لأن الأمر يمس نحو 4 ملايين بغزة والضفة".

ويرى أن "المسألة الآن ليست في القبول والرفض الأمريكي، لكن في أن الضغط العربي المطلق سترضخ له أمريكا لأن لها مصالح متباينة مع العالم العربي ولا تريد خسارتها ولكن ستكون حريصة على مواءمات سياسية تدعم أمن حليفتها إسرائيل".

ويتوقع أن يستمر التراجع والصمت الأميركي طالما استمر التركيز العربي على الرفض المطلق كما حدث في صفقة القرن التي طرحت في نهاية ولاية ترامب الأولى ولم تستكمل مع رفض عربي وقتها. 

ويرى سفير فلسطين السابق بركات الفرا، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن "التحركات العربية لا سيما المصرية أوصلت رسائل واضحة بكل تأكيد للإدارة الأمريكية وعلى كل الصُعُد بأنها ترفض تهجير الفلسطينيين"، متوقعا أن يكون لها تأثيرات طيّبة على توجهات الإدارة الأمريكية وخاصة ترامب الذي يقدم طرحا غير معقول بشراء غزة. 

ويرجح أن تجد التحركات العربية صدى لدى إدارة ترامب خاصة أن مستشاريه أدركوا حجم الرفض والغضب والموقف العربي الحاد، الذي يقدم بطريقة دبلوماسية قائمة على الإقناع عبر خطة بديلة دون تهجير. 

ويعتقد أنه بعد 4 مارس وعقد القمة العربية الطارئة ستتضح الأمور أكثر خاصة حال صدرت خطة مصرية عربية وقرار واضح وصريح برفض التهجير، لافتا إلى أن مصالح واشنطن مع دول عربية كبيرة ولا يمكن أن تخاطر بها لا سيما مع مصر والسعودية.

ويرى أن صفقة القرن طرحها سابقا ترامب أيضا، وتم إفشالها من جانب الدول العربية، وغير مستبعد مع التحركات العربية أن يحدث تراجع أمريكي عن سيناريو التهجير، والقبول بخطة العرب.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية