«الموساد والجيش».. «سي إن إن»: جهتان إسرائيليتان خططتا لتفجيرات لبنان
«الموساد والجيش».. «سي إن إن»: جهتان إسرائيليتان خططتا لتفجيرات لبنان
تمثل الهجمات التي استهدفت آلافًا من أجهزة الاتصال (البيجر) التابعة لحزب الله في لبنان، والتي أسفرت عن مقتل 9 أشخاص وإصابة نحو 2800 آخرين، نقطة تحول خطيرة في المشهد الأمني والسياسي بالمنطقة.
وفقًا لتقارير شبكة "سي إن إن" الأمريكية، تأتي هذه العملية نتيجة لتنسيق بين الموساد والجيش الإسرائيلي، رغم أن إسرائيل لم تعلق رسميًا على الاتهامات الموجهة إليها حتى الآن، لكن الصمت الإسرائيلي المعتاد في مثل هذه الحالات يعزز التكهنات بأنها قد تكون وراء العملية، في إطار استراتيجيات استخباراتية تعمل على تقويض قدرات حزب الله.
ويعتمد حزب الله منذ زمن طويل، على وسائل اتصال مؤمنة نسبيًا مثل أجهزة "البيجر" للتواصل السري بين مقاتليه وقياداته الميدانية الموجودة على الأرض.
ومع ذلك، يُعتقد أن هذه الأجهزة قد أصبحت هدفًا للتجسس الإسرائيلي في إطار التصعيد المتبادل بين إسرائيل وحزب الله اللبناني.
"نيويورك تايمز" نقلت عن مسؤولين أمريكيين أن إسرائيل عبثت بهذه الأجهزة قبل وصولها إلى لبنان، وزرعت كميات صغيرة من المتفجرات داخل كل جهاز، ما أدى إلى تفجيرها لاحقًا.
الأجهزة المستخدمة في العملية، بحسب ما ورد في التقارير، تضمنت نحو 3000 جهاز، معظمها من طراز "إيه بي 924"، بينما نفت الشركة التايوانية "غولد أبوللو" أن تكون مسؤولة عن تصنيع هذه الأجهزة، مؤكدة أنها من إنتاج شركة أخرى تُدعى "بي إيه سي"، تملك ترخيصًا لاستخدام علامتها التجارية. هذا التداخل في الشركات المصنعة يزيد من الغموض حول كيفية حصول حزب الله على هذه الأجهزة، وما إذا كانت قد تم العبث بها قبل شحنها إلى لبنان.
الردود اللبنانية والدولية
أصابت الانفجارات المتزامنة العديد من عناصر حزب الله في بيروت ومدن لبنانية أخرى، وسببت إصابات بليغة، بما في ذلك حالات خطيرة في الوجه والبطن والعيون.
وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال، فراس الأبيض، أشار إلى أن الإصابات تجاوزت الأرقام الأولية التي تحدثت عن 200 حالة حرجة، مشيرًا إلى أن المستشفيات تعمل بطاقتها القصوى، حيث تجرى عمليات جراحية متواصلة لعلاج الإصابات.
ويعاني لبنان بالفعل أزمات اقتصادية واجتماعية وصحية عميقة، وكان لتفجيرات "البيجر" وقع صادم في ظل هذا الوضع الهش، وقد جاءت هذه التفجيرات في وقت حساس للغاية بالنسبة للبنان، حيث تستمر التوترات الداخلية والإقليمية.
أثارت هذه التفجيرات تساؤلات واسعة حول ما إذا كانت إسرائيل تهدف إلى تقويض حزب الله عبر هذه العملية، وربما تفكيك بنيته الأمنية والاستخباراتية بشكل تدريجي.
الأهداف الخفية
بعض المحللين يرون أن الهجمات على أجهزة "البيجر" قد تكون جزءًا من استراتيجية أوسع تتبعها إسرائيل لتقويض حزب الله بطرق غير تقليدية، بعيدًا عن المواجهات العسكرية المباشرة.
بدلاً من استهداف البنية العسكرية التقليدية لحزب الله، فإن إسرائيل قد تكون اختارت استهداف وسائل الاتصال السرية التي يعتمد عليها الحزب لضمان تواصل سلس وفعال بين قياداته الميدانية.
هذا النوع من الهجمات يحمل عدة رسائل، منها تقويض الاتصالات، حيث إن الأجهزة التي تعتمد عليها عناصر حزب الله تعتبر شريان حياة للعمليات الميدانية، واستهدافها يعني فقدان التواصل والتنظيم الفوري في صفوف الحزب.
وتتمثل الرسالة الثانية في إظهار قدرة استخباراتية متقدمة، فالاختراق الإسرائيلي المحتمل لهذه الأجهزة يشير إلى تطور في القدرات الاستخباراتية والتكنولوجية لإسرائيل، خاصة إذا ثبت أن هذه العملية تمت عبر اختراق مباشر لأنظمة حزب الله الأمنية.
السياق الإقليمي والدولي
تأتي الهجمات في ظل وضع إقليمي معقد، إذ يعكس الصراع الإسرائيلي-الإيراني وتورط حزب الله في النزاعات الإقليمية، خاصة في سوريا، ديناميكية أمنية متوترة.
وتعتبر إسرائيل حزب الله تهديدًا وجوديًا نظرًا لترسانته الضخمة من الصواريخ وموقعه الاستراتيجي بالقرب من حدودها الشمالية.
هذه العملية، رغم أنها أقل دموية من الهجمات العسكرية التقليدية، فإنها قد تكون مقدمة لتصعيد أكبر، إذ يسعى الجانبان، إسرائيل وحزب الله، لتوسيع نطاق نفوذهما وتعزيز مواقعهما.
على المستوى الدولي، لم تصدر أي تصريحات رسمية تدين الهجمات، لكن الولايات المتحدة ودول أخرى تراقب الوضع عن كثب، خاصةً في ظل حساسية الأوضاع في لبنان الذي يشهد توترات داخلية مرتبطة بالصراع السياسي والاقتصادي.
تداعيات داخلية في لبنان
يعاني لبنان أزمة سياسية معقدة، حيث لم يتمكن الفرقاء السياسيون من التوصل إلى توافق حول تشكيل حكومة جديدة.
ومع وجود حزب الله كقوة سياسية وعسكرية مؤثرة، فإن هذه التفجيرات قد تعمّق الانقسامات داخل المجتمع اللبناني، ويمكن لهذه العملية أن تزيد من الضغط على حزب الله من قبل خصومه الداخليين الذين يرون في الحزب عاملاً في زعزعة استقرار البلاد، خاصةً مع تورطه في حروب خارجية ومواجهة مستمرة مع إسرائيل.
وتحمل تفجيرات "البيجر" أبعادًا استراتيجية تتجاوز حدود العملية نفسها، فهي ليست مجرد هجوم على وسائل اتصال، بل قد تكون خطوة ضمن خطة أوسع لإضعاف حزب الله وتعطيل بنيته التحتية الحساسة.
من جهة أخرى، فإن العملية تُظهر مدى تعقيد وتطور الصراع الاستخباراتي بين إسرائيل وحزب الله، في وقت تسعى فيه الأطراف المختلفة في المنطقة إلى تعزيز مواقعها في مواجهة تحديات سياسية وأمنية متزايدة.
على الرغم من الغموض الذي لا يزال يحيط بالكثير من تفاصيل هذه العملية، فإن ما هو مؤكد هو أن هذا الحدث سيترك آثارًا عميقة على مستقبل حزب الله وتوجهات الصراع في لبنان والمنطقة بأسرها.