«12 مليوناً».. الفتيات يدفعن فاتورة التغيرات المناخية بالحرمان من التعليم

«12 مليوناً».. الفتيات يدفعن فاتورة التغيرات المناخية بالحرمان من التعليم

بزيادة رقم إضافي إلى معادلة معاناة الفتيات والنساء، تُضاعف ظاهرة التغير المناخي الضغوط على إتاحة فرص التعليم في المجتمعات المحلية الهشة والأقل نموا بالعالم.

يتسبب تغير المناخ في عدد من التأثيرات أبرزها موجات الحرارة الأكثر تواتراً وشدة، والتغيرات في أنماط هطول الأمطار، والكوارث الطبيعية المتصاعدة مثل الأعاصير والفيضانات وحرائق الغابات، كما يؤثِّر في النُّظم البيئية والتنوع البيولوجي والزراعة وصحة الإنسان.

 ومؤخرا، استعرض مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، تقريرا حول تأثير تغير المناخ على تمتع الفتيات بالحق في التعليم تمتعا قائما على المساواة، أمام الدورة الـ57 للمجلس الأممي لحقوق الإنسان والمنعقد في جنيف.

وقال تورك إن عددا كبيرا من التحديات يواجه تمتع الفتيات بالحق في التعليم في إطار ظاهرة تغير المناخ، أبرزها النزوح الناجم عن المناخ وزواج الأطفال والزواج المبكر والقسري والعنف القائم على النوع الاجتماعي، بما في ذلك العنف الجنسي.

وأضاف تورك أن ثمة المعلومات النوعية المتاحة تشير إلى أن تغير المناخ يمكن أن يؤدي إلى تفاقم التحديات القائمة أمام الحق في التعليم وخاصة للفتيات، إذ يواجهن صعوبات في ما يتعلق بالوصول المادي إلى التعليم، بما في ذلك نتيجة لتضرر البنية التحتية، في المدارس ومرافق المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية.

كما أن الفتيات النازحات والمهاجرات أكثر عرضة لخطر فقدان إمكانية حصولهن على التعليم ولخطر التسرب من المدارس، وكذلك أكثر عرضة لخطر العنف والاستغلال الجنسيين والقائمين على نوع الجنس، وتشير المعلومات المتاحة إلى أن الفتيات يواجهن خطر انخفاض الأداء الأكاديمي بسبب التغيب المتكرر في سياق الأزمات المناخية.

وحذّر المفوض السامي من أنه إذا استمرت الاتجاهات الحالية، فإنه بحلول عام 2025 قد تمنع التأثيرات السلبية لتغير المناخ أكثر من 12 مليون فتاة في جميع أنحاء العالم من إكمال تعليمهن كل عام. 

وتتنامي تداعيات هذه الأزمة بسبب أن تعليم الفتيات يتيح لهن تحديد مخاطر وعواقب تغير المناخ، وتعزيز قدراتهن وفهمهن للتدابير المطلوبة للحد من هذه المخاطر والتخفيف من حدتها ومواجهتها.

ويمكن للتعليم أيضا أن يساعد الفتيات على معالجة أسباب تغير المناخ والتردي البيئي، وهو ما يمكن أن يشمل بناء المهارات والمعارف والكفاءات والسلوكيات اللازمة، للحد من تركيزات وانبعاثات غازات الدفيئة وللحفاظ على الطبيعة وحماية الكوكب.

وللتعليم دور أساسي في حماية حقوق الطفل، وزيادة وعي الأطفال بتغير المناخ وتأهيلهم له، غير أن الحق في التعليم يظل شديد الحساسية لتأثيرات الضرر البيئي الناجم عن تغير المناخ، والذي يمكن أن يؤدي إلى إغلاق المدارس وتعطيل الدراسة، وإلى التسرب من المدارس، وتدمير المدارس وأماكن الترفيه للأطفال.

ووفق التقديرات الأممية، يتضاعف تأثير الفتيات بالظواهر الناجمة عن تغير المناخ، إضافة إلى ما يواجهونه من تمييز بنيوي قائم على النوع الاجتماعي، ما قد يؤدي إلى تقويض فرص تعليمهن.

وحتى الآن لا يوجد سوى 55 بلدا لديها تدابير محددة للتكيف مع المناخ تشير إلى المساواة بين الجنسين، ولا يعترف سوى 23 بلدا بالمرأة كعامل تغيير في تسريع التقدم بشأن الالتزامات المناخية.

تقديرات عالمية

وبحسب دراسة بعنوان "حتى التغير المناخي يظلم النساء" أصدرتها منظمة "نساء من أجل عدالة مناخية دولية" في عام 2022، فإن نسبة تأثر الفتيات والنساء بالكوارث الطبيعية الناجمة عن التغير المناخي تزيد بمقدار 14 ضعفًا على تأثر الذكور.

وتشير تقديرات منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) إلى أن 158 مليون امرأة وفتاة يقعن في براثن الفقر نتيجة مباشرة لتغير المناخ، ما يعوق فرص تعليمهن وتطويرهن.

وتتأثر الحقوق الأساسية للإنسان بالآثار السلبية الكبيرة التي يخلّفها تغير المناخ، بما في ذلك حق الحصول على الغذاء والمياه والتعليم والسكن اللائق والرعاية الصحية. 

وفي حين أن تغير المناخ يشكل تهديداً للجميع، فإنه لا يؤثّر في الجميع بالتساوي، وتتفاقم قابلية التأثر بتغير المناخ بسبب عدم المساواة والتهميش المرتبط بالجنس، والانتماء العرقي، وانخفاض الدخل، وغيرها من العوامل الاجتماعية والاقتصادية.

وبسبب ذلك، تعاني النساء والفتيات، بوصفهن إحدى الفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة وضعفاً في المجتمعات الفقيرة والنامية، بشكل غير متناسب من هذه الآثار، إذ تتفاقم معاناتهن مع نقص الموارد المالية وعدم تكافؤ فرص العمل والتعليم والأوضاع الهشّة التي تعيشها النساء والفتيات في هذه المجتمعات.

وﻳﺘﺴﺒﺐ ﺗﻐﻴﺮ ﺍﻟﻤﻨﺎﺥ ﻓﻲ ﺇﻏﻼﻕ ﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺱ ﻭﺗﺸﺮﻳﺪ ﺍﻟﻄﻼﺏ، وهو ما ﻳﺆﺛّﺮ ﺃﻛﺜﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﺘﻴﺎﺕ، حيث ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺠﻌﻞ ﺍﻟﺠﻔﺎﻑ ﺍﻟﻔﺘﻴﺎﺕ ﺃﻛﺜﺮ ﻋﺮﺿﺔ ﻟﻠﺘﻐﻴﺐ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﻓﺘﺮﺓ ﺍﻟﺪﻭﺭﺓ ﺍﻟﺸﻬﺮﻳﺔ، كما ﺗﺆﺩﻱ ﺍﻷﻣﺮﺍﺽ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﺴﺒﺐ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺘﺪﻫﻮﺭ ﺍﻟﺒﻴﺌﻲ، ﺇﻟﻰ ﺍﻧﺨﻔﺎﺽ ﻣﻌﺪﻻﺕ ﺍﻻﻟﺘﺤﺎﻕ ﺑﺎﻟﻤﺪﺍﺭﺱ ﻭﺯﻳﺎﺩﺓ ﻣﻌﺪﻻﺕ ﻫﺠﺮ ﺍﻟﻔﺘﻴﺎﺕ ﻟﻬﺎ ﺗﺤﺪﻳﺪﺍ.

ويمكن للكوارث المناخية المتطرفة أن تسبب أضرارا جسيمة للمباني المدرسية والأحياء المحيطة بها، ما يؤدي إلى إغلاق المدارس لفترات طويلة وإجراء إصلاحات مكلفة، لا سيما في الدول الفقيرة والنامية.

وفي هذا الصدد، أثَّرت الأحداث المتكررة المتعلقة بالمناخ في جودة التعليم بالعديد من المجتمعات بسبب تدمير بعض المؤسسات التعليمية والمدارس، وغالبا ما يصعُب إعادة بناء هذه المنشآت في وقت قصير خاصة في البلدان منخفضة الدخل.

كما أن نقص أو غياب الأماكن المخصصة للإيواء أثناء الكوارث البيئية والطبيعية، قد يدفع السلطات إلى استخدام المدارس كملاجئ مؤقتة، ومن ثم زيادة فترة إغلاق المنشآت التعليمية، وزيادة تأخير وصول الطلاب إلى التعليم.

وبحسب تقديرات شبكة كامفيد (إفريقية تنموية) لا تستكمل 92 بالمئة من الفتيات في القارة الإفريقية تعليمهن الثانوي مطلقا وهن محاصرات في دائرة الفقر، وفي حين أن الفتيات غالبا ما يبدأن المدرسة الابتدائية على قدم المساواة مع الأولاد، تميل الفتيات أكثر من الذكور إلى الانقطاع عن التعليم مع تقدم السنوات.

وفي نوفمبر 2023، دعا صندوق "التعليم لا ينتظر" (التابع للأمم المتحدة) أثناء محادثات المناخ خلال مؤتمر الأطراف (COP28) في دبي، الجهات المانحة إلى تعبئة المزيد من الموارد بشكل عاجل لتوسيع نطاق الوصول المُنقِذ للأرواح ليشمل توفير تعليم جيد للأطفال المُتضرِرين من الأزمات.

المجتمعات الهشة

بدورها، قالت الخبيرة المغربية في قضايا المناخ ورئيسة منتدى المرأة العربية، الدكتورة مليكة شكير، إن تأثير التغيرات المناخية تأثيرها على الفتيات أكتر من الذكور، لا سيما مع تردي الأوضاع الاقتصادية التي تؤدي إلى مغادرة الفتيات مقاعد الدراسة وفقدان فرص العمل، وخاصة في المجتمعات التي تعاني من الهشاشة.

ودللت شكير في تصريح لـ"جسور بوست" على ذلك بقولها: "المجتمعات التي تعاني ندرة توافر المياه تحتم على الأسر أن تمنع الفتيات من الذهاب إلى المدارس ليذهبن إلى الآبار لجلب المياه، كذلك الحال في المجتمعات التي تعاني من الجفاف حيث تلجأ الأسر إلى النزوح والترحال وبالتالي تغادر الفتيات المدارس مقابل تشغيلهن لجلب المال".

وأضافت: "بتردي الأوضاع الاقتصادية الناجمة عن التغيرات المناخية تزداد ظاهرة الزواج المبكر حيث إن الأسر في المناطق الفقيرة في بعض الدول الإفريقية والعربية تتلخص من عبء تكاليف تعليم الفتيات بزواجهن وهو الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى تسرب الفتيات من التعليم".

ظاهرة غير محايدة

ومن جانبها، أوضحت خبيرة البيئة والتنمية المستدامة بمصر الدكتورة منال خيري أن ظاهرة تغير المناخ ليست محايدة في ما يتعلق بالنوع الاجتماعي، بل تعزز أوجه عدم المساواة بين الجنسين، حيث تتعرض المجتمعات الأكثر تهميشا للتأثير الأكبر على الفتيات والنساء.

وقالت خيري في تصريح لـ"جسور بوست": "تشكل المسؤوليات المنزلية للفتيات والمسافة التي يتوجب عليهن قطعها ذهابا إلى المدرسة في ظل الظروف أكثر قسوة، تحديًا يقف في وجه حصولهن على التعليم، كما يؤثر الافتقار لخدمات المياه والصرف الصحي على الصحة تأثيرا سلبيا وخصوصا على الفتيات ويمنعهن من الذهاب للمدرسة".

وأضافت: "في بعض السياقات، تؤدي المخاطر المرتبطة بالتغير المناخي إلى تفاقم احتمال وقوع حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي، بما في ذلك زواج أطفال قاصرات ومنعهن من الحصول على الفرص التعليمية الملائمة، إذ يشير مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن إلى انتشار العنف القائم على النوع الاجتماعي في المناطق التي تعاني من النزاعات وخطر التعرض للظروف الجوية القاسية، كاليمن على سبيل المثال".

ومضت خبيرة البيئة والتنمية المستدامة قائلة: "قد يؤدي تغير المناخ أيضا إلى زيادة انعدام أمن الغذائي وفي ظل النزعة الذكورية، ما يسهم في ارتفاع معدلات فقر الدم وأمراض سوء التغذية لدى الفتيات ويعوق قدرتهن على مواصلة التعليم".

وأشارت إلى أن العادات الاجتماعية والموروثات الثقافية تفرض على المرأة قيودًا تحد من قدرتها على التعامل مع الأزمات، ما يجعلها أكثر تأثرًا بالكوارث البيئية، وعلى رأسها التغيرات المناخية، كما أن المرأة في بعض المجتمعات لا تستطيع تملك الأراضي الزراعية رغم أن مشاركتها في الأعمال الزراعية ضعف مشاركة الرجل، وهو الأمر الذي يعوق قدرة المرأة على تطوير تقنيات الزراعة للتكيف مع التغيرات المناخية، فضلًا عن صعوبة حصول النساء على التمويل اللازم لتحمل الصدمات المناخية والاستفادة من ابتكارات الزراعة الذكية مناخيًّا، إضافة إلى تمتع النساء في العديد من المناطق بفرص محدودة للحصول على خدمات الإرشاد الزراعي والمعلومات المناخية، ما يعوق استقلالهن المادي وفرصة حصولهن على مزيد من الخدمات التعليمية.

واقترحت الدكتورة منال خيري حماية الفتيات من آثار التغيرات المناخية، من خلال العمل على توفير الرعاية الصحية الكافية وخاصة في فترات الأزمات والكوارث، وضمان توفير الدعم النفسي والاجتماعي، فضلا عن توجيه جزء ملائم من تمويلات العمل المناخي لخدمة قضايا النساء والفتيات على الأصعدة كافة.

وأضافت: "لا بد من سن التشريعات الرادعة التي تحول دون استغلال القاصرات وتعرضهن لأي أذى نفسي أو بدني وتحميل ولي الأمر المسؤولية، إلى جانب توفير خدمات الدعم التعليمي وخصوصا في المناطق الأكثر فقرا وتهميشا من توافر فصول لمحو الأمية ونشر الوعي البيئي وخدمات الدعم المالي، فضلا عن ضمان اكتساب الفتيات للمهارات اللازمة للوظائف الخضراء ومنصات المناخ من خلال تقديم التعليم المناسب الذي يشمل التعليم المقاوم للمناخ الذي يدمج المعرفة الأصلية والثقافية في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات وغيرها".

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية