الإعلام والمؤثرون... والانتخابات
الإعلام والمؤثرون... والانتخابات
بينما تتوالى فصول المنافسة الحادة بين المرشح الجمهوري دونالد ترامب، والمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، للفوز بمنصب رئيس الولايات المتحدة الأميركية، في الانتخابات المقرر إجراؤها في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، يسود اعتقاد بين عدد من المتابعين والمهتمين مفاده أن دعم وسائل الإعلام والمؤثرين والنجوم أحد المرشحين، يمكن أن يكون عاملاً حاسماً في نتيجة السباق.
لا يمكن إنكار التأثير الذي ينجم عن انحياز عدد كبير من وسائل الإعلام «التقليدية» لأحد المرشحين المتنافسين في الانتخابات السياسية في بلد مثل الولايات المتحدة، كما لا يمكن إغفال أثر وسائل «التواصل الاجتماعي»، التي تزيد حصتها في صناعة الرأي العام السياسي باطِّراد، لكنَّ نتائج الانتخابات التي جرت على مدى عقود سابقة أظهرت استجابات متباينة في هذا الصدد.
على سبيل المثال، فإن الانتخابات التي فاز بها ترمب، في عام 2016، ضد منافسته هيلاري كلينتون، كانت ضربة قاسية لوسائل الإعلام «التقليدية» الرئيسية، التي بدا أنها أخفقت في استشراف النتيجة، أو توقع صعوبات المنافسة والتنبؤ بمآلاتها، بعدما انخرطت، غالباً، في دعم واضح وحثيث للمرشحة الديمقراطية.
وفي تاريخ تلك الانتخابات المثيرة والمهمة للعالم بأكمله، وليس لأميركا وحدها، ما يشير إلى وقائع عديدة لم يكن تأثير الإعلام «التقليدي» فيها غائباً، ولكنه لم يكن حاسماً في الوقت نفسه.
الأمر ذاته ينطبق على وسائل «التواصل الاجتماعي»؛ إذ لا يوجد تشكيك في تقاطعها الفعال مع الانتخابات، والصراع السياسي الذي يجري في خلفيتها، لكن في الوقت ذاته، لا يوجد ما يدعو إلى الاعتقاد أنها تدعم طرفاً من المتنافسين أكثر مما تدعم الطرف الآخر؛ إذ ينقسم هذا المجال الحيوي انقساماً واضحاً، كما هو حال المجتمع تماماً.
فما زال المجتمع الأميركي يعاني من بروز درجة واضحة من الاستقطاب السياسي الحاد عشية تلك الانتخابات، وهو استقطاب يقع بين مجموعتين رئيسيتين في البلاد؛ يبدو أن إحداهما تميل إلى تبني قيم شعبوية، أو تستند إلى مخزون سياسي محافظ وتقليدي تمثله قطاعات تتشكل على الأرجح من الناخبين البيض والأكبر سناً، في مقابل مجموعة أخرى تضم في غالبيتها الأقليات والنساء وذوي النزعات الليبرالية، وهو أمر تعكسه التفاعلات على وسائل «التواصل الاجتماعي» بوضوح.
وبموازاة ذلك، يبرز عامل آخر مهم يتجسّد في دعم بعض المؤثرين والنجوم أحد المرشحين المتنافسين، وهو عامل اكتسب أهمية كبيرة منذ أعلنت النجمة تايلور سويفت دعمها لكامالا هاريس، مع نخبة أخرى من النجوم؛ منهم على سبيل المثال: أوبرا وينفري وجينيفر لوبيز وميريل ستريب وجوليا روبرتس وكريس روس.
لقد أفرط كثيرون في تقييم مساندة سويفت لكامالا هاريس، ورأى البعض أن هذه المساندة يمكن أن تكون حاسمة في مسار السباق، وأنها ستجلب ملايين الأصوات من معجبي سويفت -التي توصف بأنها أكثر المشاهير شهرةً- إلى رصيد المرشحة الديمقراطية، بما يؤثر في حظوظها لحسم السباق.
وراح البعض يستدلّ بتقديرات تشير إلى منح الرئيس الأسبق باراك أوباما نحو مليون صوت، في الانتخابات التمهيدية التي خاضها للحصول على ورقة ترشيح الحزب الديمقراطي، في 2008، بسبب إعلان أوبرا وينفري دعمها له، قبل أن يحاولوا تقدير عدد الأصوات التي يمكن أن تحصل عليها هاريس بسبب حصولها على تأييد سويفت.
والواقع أن تلك التقديرات مبالَغ فيها بشدة؛ إذ يبدو أن العوامل التي تحكم دوافع التصويت في الولايات المتحدة الأميركية ما زالت تقف عند عدد من النظريات الأساسية التي تفسر تلك الدوافع.
ووفق ما يقوله الباحث المرموق بول لازرفيلد، فإن النظرية الأولى التي تحكم عمليات التصويت، هي نظرية «الأنموذج الاجتماعي»، حيث تتحكم عوامل اجتماعية في خيارات الجمهور التصويتية؛ مثل الطبقة، والدين، والعرق، واللغة، والوظيفة.
فحينما تكون الأولويات المثارة على المستوى الوطني تتعلق بمخاوف من فقدان العمل، أو تراجع المستوى الاقتصادي والاجتماعي، أو تحديات ذات طابع ديني، أو مخاوف ذات طابع عرقي، فإن الجمهور يبحث عادةً عن مُخلص يعد بمواجهة تلك التحديات، وهو الأمر الذي يبرع فيه ترمب بوضوح.
كما يشير المتخصصون إلى نظرية أخرى تؤدي دوراً مهماً في مسارات التنافس الانتخابي الأميركي، وهي نظرية «الخيار النفسي» للباحث «كامبل»، والتي تركز على أهمية الأبعاد النفسية للمصوّتين؛ مثل هوية الحزب الذي ينتمي إليه المصوّت، والإطار الفكري الذي يحكم خياراته، والتاريخ العائلي للانتماء السياسي له، والعوامل النفسية الأخرى التي تتعلق بالحالة الآنية لقطاعات الجمهور.
لدعم الإعلام، وكبار المؤثرين، والنجوم الأيقونيين، أثر في توجيه بعض الناخبين لمنح أصواتهم لمرشح معين، لكنَّ هذا الأثر يبقى ثانوياً، وغير قادر على الحسم، في ظل وجود دوافع أخرى أكثر تأثيراً وأهمية.