«تحوّل حقوقي».. المحلّفون الأمريكيون يترددون في فرض عقوبة الإعدام
«تحوّل حقوقي».. المحلّفون الأمريكيون يترددون في فرض عقوبة الإعدام
كانت جريمة قتل المراسلة في صحيفة سانت لويس بوست ديسباتش، فيليشيا جايل، في عام 1998 واحدة من الجرائم الصادمة، ففي 11 أغسطس من ذلك العام، عاد زوج جايل إلى منزله من العمل ليجد زوجته ميتة مرتدية قميصاً فقط، وسكين مطبخ يبرز من رقبتها، خمَّن رجال الشرطة أن الجريمة كانت محاولة سطو فاشلة. حيث سرق القاتل محفظة وجهاز كمبيوتر محمولاً، لكنه ترك وراءه العديد من الأشياء الثمينة الأخرى.
مستقبل عقوبة الإعدام
ووفقا لمجلة "الإيكونوميست"، بعد 26 عاما، صدمت جريمة قتل أخرى الناس، لكن هذه لم تكن مفاجأة: فقد تم الإعلان عنها مسبقا، ففي 24 سبتمبر حقن مسؤولو السجن مارسيليس ويليامز، الرجل الذي أدين في عام 2001 بقتل جايل، بسم قاتل.
أثار هذا الإعدام -وهو واحد من سلسلة من عمليات الإعدام التي شهدتها عدة ولايات مؤخرا- تساؤلات حول مستقبل عقوبة الإعدام في أمريكا.
أصر ويليامز دائما على براءته، واعتقد كثيرون أنه كان يقول الحقيقة، فقد غردت الرابطة الوطنية للنهوض بالملونين في منشور على موقع إكس، قائلة: "الليلة، أعدمت ميسوري رجلا أسود بريئا آخر".
وزعمت عضوة الكونجرس الديمقراطية المنتهية ولايتها التي تمثل سانت لويس، كوري بوش، أن ويليامز "رجل بريء"، وكانت أسرة جايل من بين أولئك الذين طلبوا الرحمة، ولكن تجاهلت ولاية ميسوري توسلاتهم.
التحول ضد العقوبة
الواقع أن تنفيذ حكم الإعدام كان على الأقل جزئيا نتيجة لانقسام حزبي متعمق بشأن عقوبة الإعدام، ففي العقدين الماضيين، تحولت أغلبية الديمقراطيين ضد عقوبة الإعدام: فقد أشارت استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسة جالوب في عام 2023 إلى أن 32% فقط يؤيدونها، بانخفاض عن 65% في عام 2002، ولكن الجمهوريين ظلوا حريصين على تنفيذها عمليا كما كانوا دائما، وساستهم حريصون على حمايتها.
وكل ولاية أعدمت شخصا ما هذا العام (هناك 8 ولايات) هي معقل جمهوري، ولا يدعم دونالد ترامب، المرشح الجمهوري للرئاسة، قتل القتلة فحسب، بل يريد توسيع نطاق جرائم الإعدام الفيدرالية لتشمل الاتجار بالمخدرات.
ومع ذلك فإن الواقع هو أن عقوبة الإعدام أصبحت نادرة، والواقع أنه مع مرور الوقت يبدو من المرجح أن تموت هي نفسها.
وحتى وقت قريب بدا الأمر وكأن جهود ويليامز للهروب من محكوميته بالإعدام قد تنجح، وفي يناير، حاول المدعي العام لمقاطعة سانت لويس، وهو المكتب الذي تولى في الأصل المقاضاة ضده، إلغاء إدانته.
ويشغل هذا المنصب الآن ويسلي بيل، الذي هزم السيدة بوش في الانتخابات التمهيدية في وقت سابق من هذا العام، وهو يترشح للكونجرس في نوفمبر، وفي تقرير من 63 صفحة، أوضح المكتب لماذا كان ينبغي اعتبار الإدانة الأصلية غير آمنة، ولم يثبت أن أيًا من الأدلة الجنائية، مثل بصمات الأصابع، التي تم جمعها في مكان الحادث جاءت من ويليامز، واعتمدت إدانته على شهادة شاهدين، صديقة سابقة وزميله في الزنزانة، قالا إن ويليامز اعترف بهما، وعلى استعادة الكمبيوتر المحمول المسروق، الذي باعه ويليامز.
واقترح مكتب بيل، مستشهدًا بشهود جدد، أن الصديقة ربما أعطت ويليامز الكمبيوتر المحمول لبيعه، وكانت تخفي تورطها في القتل، وقال زميل الزنزانة للمحققين إنه تقدم للحصول على مكافأة نقدية، (توفي كلاهما منذ ذلك الحين).
انقسام في المحكمة
ولكن الجهود الرامية إلى رفض القضية فشلت بشكل دراماتيكي عندما تبين أن قطعة رئيسية من الأدلة الجديدة التي كان من المتوقع أن تساعد في تبرئة ويليامز -الحمض النووي الذي عُثر عليه على مقبض أداة القتل التي لم تكن ملكه- كانت من المحققين، الذين أساؤوا التعامل مع السكين على ما يبدو، وليس من مشتبه به بديل.
وفي أعقاب ذلك، عرض ويليامز "إقرار ألفورد"، حيث وافق على الإقرار بالذنب دون الاعتراف بالجريمة، ووافق القاضي على تجنيبه الإعدام، ولكن حاكم ولاية ميسوري والنائب العام الجمهوريين أصرا على المضي قدماً في تنفيذ الإعدام.
وزعما أن ويليامز استنفد عملية الاستئناف، وأن نظام العدالة يطالب بتنفيذ الأحكام، وانقسمت المحكمة العليا إلى ستة قضاة مقابل ثلاثة قضاة -على طول خطوطها الأيديولوجية المعتادة- في رفض وقف تنفيذ الحكم.
يعكس هذا القرار التزاماً جمهورياً جديداً بعقوبة الإعدام، ففي العام الماضي، وقع رون دي سانتيس، حاكم ولاية فلوريدا الجمهوري، على قانون يخفض شرط فرض عقوبة الإعدام من قرار بالإجماع من هيئة محلفين إلى أغلبية ثمانية من أصل 12.
وقد تحركت العديد من الولايات الجمهورية للتوصل إلى بدائل للعقاقير القاتلة، التي أصبح من الصعب الحصول عليها، وفي العام الماضي، حكم قاضٍ في ولاية يوتا بأن الولاية يمكنها استخدام فرق الإعدام كنسخة احتياطية للحقنة القاتلة (وهو خيار أعاده المشرعون في عام 2015).
وفي عام 2021، أقرت ولاية ساوث كارولينا قانوناً يعيد تقديم الكرسي الكهربائي وفرق الإعدام كبديل، وفي 20 سبتمبر أعدمت أول محكوم عليها منذ 13 عاماً (بإبرة)، وفي 26 سبتمبر قتلت ألاباما رجلاً بإجباره على استنشاق النيتروجين النقي حتى اختنق، وهي المرة الثانية فقط التي يتم فيها استخدام هذه الطريقة في أمريكا.
انخفاض الأعداد
ولكن مثل هذا القتل يخالف الاتجاه الوطني، حتى الآن هذا العام، لم يتم إعدام سوى 18 شخصاً، وانخفض العدد السنوي لعمليات الإعدام بمقدار أربعة أخماس منذ أواخر تسعينيات القرن العشرين، حيث تستغرق عمليات الإعدام عقوداً من الزمن حتى يتم جدولتها، وبالتالي فإن عدداً قليلاً جداً من المحكوم عليهم بالإعدام يتم إعدامهم بالفعل، ويموت المزيد من الناس بشكل طبيعي وهم ينتظرون.
ومن بين 2200 شخص أو نحو ذلك ينتظرون الإعدام الآن، يعيش أكثر من ثلثهم في ولايات مثل كاليفورنيا وبنسلفانيا حيث أعلن حكام ديمقراطيون وقف تنفيذ أحكام الإعدام، ونادراً ما تتم إدانة أي شخص جديد، ففي العام الماضي، صدر 21 حكماً جديداً بالإعدام فقط في جميع أنحاء البلاد، وفي تسعينيات القرن العشرين، ارتفع الإجمالي السنوي إلى أكثر من 300 حكم، وهذا يعني أن المزيد من الانهيار في عدد عمليات الإعدام قادم.
يقول روبن ماهر، من مركز معلومات عقوبة الإعدام، وهو منظمة غير حكومية: "إن الأشخاص الذين لا يعارضون عقوبة الإعدام من الناحية الفلسفية يجدون أسباباً لإصدار أحكام بالسجن مدى الحياة، حتى بالنسبة لأولئك المدانين بجرائم فظيعة".
وتقول إن أحد الأسباب هو الخوف الشديد من إعدام الأبرياء، وفقدان الثقة في نظام العدالة، فمنذ عام 1976، تمت تبرئة 200 شخص محكوم عليهم بالإعدام، ومن غير المرجح أن يؤدي قتل مارسيليس ويليامز، الذي لم تثبت براءته ولكن العديد من الناس شككوا في ذنبه، إلى استعادة الثقة.