«178 قتيلاً».. إسرائيل تسجل رقماً قياسياً في استهداف الصحفيين
خلال عام من الحرب على غزة
في ذروة تحديات غير مسبوقة، كان الصحفيون والإعلاميون عرضة للاستهداف الممنهج لآلة القتل الإسرائيلية في العديد من الدول العربية، ليتحولوا من نافذة للعالم على الأحداث إلى قصص دامية ومؤلمة تتناقلها يوميا وسائل الإعلام.
وعلى مدى يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين، اغتالت قوات الجيش الإسرائيلي، الإعلاميتين الفلسطينية وفاء العديني في قطاع غزة، والسورية صفاء أحمد إثر غارة إسرائيلية على محيط دمشق.
وبحسب نقابة الصحفيين الفلسطينية، فإن حصيلة القتلى على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي من الصحفيين والإعلاميين والمصورين الفلسطينيين بلغت 178 شخصا منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023.
ووفق بيان مشترك لهيئة شؤون الأسرى الفلسطينية (حكومية) ونادي الأسير (غير حكومي) في سبتمبر الماضي، فقد بلغ عدد حالات الاعتقال بين صفوف الصحفيين 108 منذ بدء الحرب بالقطاع، بينهم 59 رهن الاعتقال حتى الآن على الأقل.
قتلى في لبنان
وأشارت تقارير إعلامية لبنانية، إلى مقتل نحو 6 صحفيين ومصورين لبنانيين، بينهم امرأة، وذلك منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة أواخر العام الماضي.
ونعت وسائل إعلام دولية، مقتل عصام عبدالله (رويترز) وكامل كركي (فضائية المنار)، وهادي السيد (الميادين أونلاين) وفرح عمر وحسين عقيل والمصور ربيع المعماري (فضائية الميادين)، وذلك إثر هجمات إسرائيلية على الأراضي اللبنانية.
ومنذ 8 أكتوبر 2023، تتبادل فصائل لبنانية وفلسطينية في لبنان، أبرزها "حزب الله"، مع الجيش الإسرائيلي قصفا يوميا عبر "الخط الأزرق" الفاصل، ما أسفر عن مئات القتلى والجرحى معظمهم بالجانب اللبناني.
بدورها أفادت منظمة مراسلون بلا حدود (غير حكومية، مقرها باريس) بتعمد القوات الإسرائيلية استهداف الصحفيين والمصورين، رغم وضعهم إشارة "صحافة" على ملابسهم.
مهنة شبه مستحيلة
وقالت المنظمة، في بيان صدر يوم 4 سبتمبر الماضي، إن الصحافة أصبحت مهنة شبه مستحيلة في ظل تفاقم أعداد الصحفيين القتلى الذين يلقون حتفهم على يد الجيش الإسرائيلي في غزة وجنوب لبنان منذ نحو عام، بينما لا يزال دخول القطاع المحاصر محظوراً على الصحفيين الأجانب.
وأعلنت المنظمة تخصيص أكثر من 100 ألف يورو لتقديم مساعدات طارئة للصحافة في غزة، بهدف مساعدة الصحفيين العاملين في وسائل إعلام دولية ومحلية بالقطاع من الحصول على معدات مهنية ومساعدات إنسانية، وإعداد وإصلاح وبناء مساحات مخصصة للصحفيين من أجل العمل والتلاقي في ما بينهم.
ورفعت منظمة “مراسلون بلا حدود”، ثلاث شكاوى إلى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في جرائم الحرب المرتكبة ضد الصحفيين بشتى أرجاء القطاع، الذي لا يزال معزولاً تماماً عن العالم الخارجي، بينما لحق ضرر كبير بالبنية التحتية للاتصالات، وطال الدمار معظم مباني المؤسسات الإعلامية، وذلك مع استمرار عدم السماح بدخول الصحفيين إلى الأراضي المحاصرة تماماً.
ويواصل الجيش الإسرائيلي، استهداف المدنيين والصحفيين في قطاع غزة، رغم اعتبار الاستهداف المتعمد للصحفيين والمدنيين جريمة حرب بموجب القانون الإنساني الدولي.
ووفق تقارير دولية، تتعمد إسرائيل استهداف الصحفيين مع بدء هجماتها على قطاع غزة ولبنان في 7 أكتوبر 2023، كما تعرض الصحفيون لحالات كالاعتقال والرقابة وقتل أفراد عائلاتهم على يد إسرائيل خلال الفترة نفسها.
أرقام قياسية للضحايا
وبلغ عدد قتلى الصحفيين جراء الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة وجنوب لبنان أرقاما قياسية، حيث تجاور حصيلة الضحايا من الصحفيين خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945) والتي راح ضحيتها عشرات الملايين وتوصف بالحرب الأكثر دموية في التاريخ الحديث، كما تجاوزت أيضا حصيلة الصحفيين القتلى في الحرب الأمريكية على فيتنام.
وبحسب تقديرات مؤسسة منتدى الحرية (غير حكومية، مقرها واشنطن) قتل 69 صحفيا خلال 6 سنوات في الحرب العالمية الثانية، فيما فقد 63 صحفيا حياتهم في الحرب خلال الاحتلال الأمريكي لفيتنام، الذي استمر قرابة 20 عاما.
ووفق إحصاءات الاتحاد الدولي للصحفيين (مقره باريس) تضاعف عدد القتلى من الصحفيين خلال عام من الحرب على قطاع غزة، بالمقارنة بالضحايا من الصحفيين خلال عامي 2022 و2023.
وأفاد الاتحاد الدولي، بمقتل 94 صحفيًا وعاملا إعلاميًا، بينهم 9 صحفيات، في عام 2023، فيما أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو" مقتل 88 صحفيا في عام 2022.
مطالبات بحماية الصحفيين
وفي سبتمبر الماضي، نظمت "مراسلون بلا حدود" عدة احتجاجات في العاصمة الفرنسية باريس وعدة بلدان أخرى، للمطالبة بحماية الصحفيين الفلسطينيين واللبنانيين وإحياء ذكرى من قتل منهم.
وحمل المشاركون في الاحتجاجات بإحدى الفعاليات التي أقيمت في ساحة حقوق الإنسان بالقرب من برج إيفل في باريس، لافتة مدون عليها عبارة: "بالنظر إلى معدل قتل الصحفيين في غزة، قريبا لن يبقى أحد ليبقيكم على اطلاع".
من جانبها، قالت لجنة حماية الصحفيين الدولية (غير حكومية، مقرها نيويورك)، إن حرب إسرائيل على غزة أدت إلى خسائر غير مسبوقة في صفوف الوسط الإعلامي، فقد قُتل عشرات الصحفيين وأفراد عائلاتهم منذ بدء القتال في 7 أكتوبر 2023، وذلك ما يفوق أي عدد للصحفيين القتلى في بلد واحد على امتداد سنة بأكملها.
وفي فبراير الماضي، أكد عدد من خبراء الأمم المتحدة أن العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة، أصبحت أكثر النزاعات دموية وخطورة على الصحفيين في التاريخ الحديث.
وقال الخبراء الأممين في بيان مشترك: "نعرب عن قلقنا البالغ حيال الارتفاع غير المسبوق في أعداد الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام، الذين تعرضوا للقتل والاعتداء والجرح والاحتجاز في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، في تجاهل صارخ للقانون الدولي".
وبموجب القانون الدولي الإنساني، يحق للصحفيين والعاملين بمجال الإعلام، التمتع بالحماية كمدنيين أثناء الحروب والنزاعات، وبالتالي فإن الهجمات المستهدفة وقتل الصحفيين تعد ضمن جرائم الحرب.
وتنص المادة 48 من اتفاقية جنيف على "التمييز بين المدنيين والمقاتلين بغية ضمان احترام وحماية السكان المدنيين والممتلكات المدنية، ويجب على أطراف النزاع أن تميز في كل الأوقات بين السكان المدنيين والمقاتلين وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، وأن توجه عملياتها ضد الأهداف العسكرية فقط".
جرائم بدون إعلام
قال نائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين، الدكتور تحسين الأسطل، إن الاحتلال الإسرائيلي يستهدف الصحفيين بشكل متعمد، حيث قتل أكثر من 178 صحفيا وصحفية في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس، وكذلك تدمير أكثر من 88 مؤسسة إعلامية خلال عام الحرب.
وأوضح الأسطل في تصريح لـ"جسور بوست"، أن القوات الإسرائيلية دأبت على ممارسة سياسات ممنهجة بإغلاق المؤسسات والتضييق على وسائل الإعلام ومحاصرة الصحفيين، لا سيما الأجانب، إضافة إلى قطع الاتصالات والإنترنت بشكل مستمر ومتواصل، وذلك بهدف ارتكاب الجرائم بحق المدنيين بعيدا عن عيون الإعلام.
وأضاف: "إسرائيل تروج للعالم أنها دولة ديمقراطية وسط ديكتاتوريات الشرق الأوسط، ولا تريد بث وإذاعة جرائمها بحق الإنسانية باستخدام السلاح الأمريكي لقتل الأطفال والنساء، ولذلك كانت تستهدف قتل الصحفيين وأسرهم وتدمير منازلهم لتشريد الأحياء منهم، في مشاهد وحشية وبربرية لم يشهد العالم مثيلا لها، ولذلك ارتفع عدد القتلى من الصحفيين بشكل غير مسبوق، بسبب هذا الاستهداف المتعمد والمدروس من قبل الاحتلال الإسرائيلي".
ومضى الأسطل، قائلا: "من المفارقة أن الخارجية الأمريكية تصدر تقريرا عن حالة حقوق الإنسان حول العالم، رغم أن الولايات المتحدة من أكثر الداعمين لقتلة الصحفيين الفلسطينيين، كما أنها تمنع المحكمة الجنائية الدولية من التحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل، وتمنع مجلس الأمن الدولي من التحقيق في هذه الجرائم، لأنها تعلم أنها ستتورط في عملية القتل لأن الاحتلال الإسرائيلي يستخدم السلاح الأمريكي، وبالتالي هي شريكة في الجرائم بحق الإنسانية وجرائم الحرب بحق الفلسطينيين".
الحرب الأكثر وحشية
ومن جانبه، أوضح نضال منصور، الرئيس التنفيذي لمركز حماية وحرية الصحفيين بالأردن، أن ما يحدث في قطاع غزة هو استهداف متعمد وممنهج من الاحتلال الإسرائيلي ضد الصحفيين وعائلاتهم، ما يعد أكبر جريمة حرب حدثت في التاريخ حتى الآن.
وأكد منصور، في تصريح لـ"جسور بوست"، أن الصحفيين الفلسطينيين تعرضوا للقتل والاعتقال وتدمير منازلهم وتشريد وقتل أسرهم وتدمير المؤسسات الإعلامية التي يعملون بها، إضافة إلى منع دخول الصحفيين الأجانب إلى القطاع، بغرض منع فضح الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في غزة.
وأضاف: "شجاعة الصحفيين في فلسطين استطاعت أن تفضح كل الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل طوال عام الحرب على غزة، رغم التهديدات العلنية التي كان يرسلها قادة الاحتلال بشأن استهداف الصحفيين سواء بالقتل أو تلفيق الاتهامات المزيفة والباطلة بحقهم".
وقال منصور، إنه بالنظر إلى الإحصاءات الخاصة باستهداف الصحفيين في الحروب العالمية السابقة، فإن الحرب الإسرائيلية على غزة تعد هي الأكثر وحشية ضد الصحفيين، لا سيما أن قوات الاحتلال لا تقيم وزنا لحماية المدنيين، ومن بينهم الصحفيون، ويصل الإجرام إلى استهداف أصحاب الشارات الدولية من الأطباء والعاملين بهيئات الصليب الأحمر والهلال الأحمر الذين يقومون بالمهام الإغاثية والإنسانية.
ووفق نضال منصور، فإن المساندة الوحيدة للصحفيين الفلسطينيين يجب أن تتمثل في ضغوط المجتمع الدولي على عدم إفلات قادة الاحتلال الإسرائيلي من المحاكمة والمساءلة لتحقيق العدالة ووقف استمرار آلة القتل المستمرة بحق المدنيين والصحفيين في غزة.
ويلعب العاملون بالصحافة دورًا جوهريًا في نقل الحقيقة، حيث تعد وسائل الإعلام في غزة السبيل الوحيد لكشف الحقائق وتوثيق الجرائم الإسرائيلية بحق المدنيين، ما يؤثر على الرأي العام الدولي ويكسب القضية الفلسطينية مزيداً من التعاطف العالمي.