لمحاربة الجفاف.. مشروع مائي يسهم في إحياء مزارع تونس العطشى
لمحاربة الجفاف.. مشروع مائي يسهم في إحياء مزارع تونس العطشى
تنساب المياه في شمال غرب تونس من خلال ساقية تفصل بين حقول جافة وصفراء وأخرى خضراء ومزدهرة، بفضل جهد فردي قاده مزارعون محليون، وعلى رأسهم سعيدة الزواوي، التي لم تثنها قلة التمويل في بلادها عن تحقيق حلمها ببناء سد صغير يحفظ المياه ويواجه التغيرات المناخية.
سعيدة، وهي مزارعة تونسية تبلغ من العمر 44 عامًا، نجحت في بناء سد صغير بفضل تمويلات من منظمات دولية، يتجمع فيه مياه الينابيع المتدفقة من بين جبال مغطاة بالغابات، بحسب وكالة فرانس برس.
شريان حياة
يمثل هذا السد شريان حياة لأكثر من أربعين مزارعًا، حيث يغذي حقولهم بالمياه وسط تراجع حاد في نسبة الأمطار، حيث تعيش تونس حاليًا السنة السادسة من الجفاف، ولم تتجاوز نسبة امتلاء السدود ربع طاقتها الاستيعابية.
بينما كانت سعيدة تقف وسط المياه وهي تعمل على إزالة ما علق في القناة من أغصان، قالت بحزم: "علينا أن نتعايش مع التغير المناخي، نحن نعرف هذه الأرض ونعرف مشكلات الماء، وسنجد الحلول ولن نيأس".
الحلم العائلي
مشروع السد كان حلمًا قديمًا لسعيدة، امتدادًا لما بدأه جدها ووالدها بطرق تقليدية في منطقة غار الدماء. كانا يستخدمان أكياس الرمل لخلق حوض مائي يستفيد منه المزارعون لري محاصيلهم، أما السد الذي شيدته سعيدة، فهو يمتد لـ70 مترًا بارتفاع ثلاثة أمتار، ونفذته منظمة العمل الدولية بتمويل من الاتحاد الأوروبي.
ويمثل المشروع نموذجًا لكيفية الاستفادة من تمويلات المؤسسات الدولية والدول المتقدمة لمساعدة البلدان التي تعاني من آثار تغير المناخ.
مواجهة التغير المناخي
سيكون السد التونسي مثالًا حيًا في الدورة الـ29 لمؤتمر الأطراف للمناخ (كوب29) المقرر عقده في نوفمبر في أذربيجان.
وسيركز المؤتمر على كيفية دعم الدول الغنية للبلدان الأفقر في التعامل مع التغير المناخي.
"مشروع العمر"
وأسهم التكوين الجيولوجي للجبال في جعلها مصافي طبيعية للمياه، حيث تمتص مياه الأمطار والثلوج وتخرجها في صورة ينابيع تغذي السد، ومع تكرار سنوات الجفاف وانجراف التربة، نضب النبع وأصبح الحلم مهددًا بالتلاشي، لكن مع دعم من الاتحاد الأوروبي ومنظمة العمل الدولية، بدأت الفكرة بالتحقق في عام 2019.
يقول منعم الخميسي، المنسق الوطني لمنظمة العمل الدولية: “المشروع يعتبر نموذجًا للتنمية المحلية المتكاملة”، بلغت تكلفة المشروع نحو 90 ألف يورو، وأسهم المزارعون المحليون بنسبة 10% من التكلفة من خلال توفير المعدات والعمل بأيديهم لإتمام المشروع.
"مشروع غيّر حياتنا"
أسهم المشروع في تغيير حياة المزارعين في المنطقة، الذين كانوا قد بدؤوا بالنزوح أو تغيير نشاطهم الاقتصادي بسبب تراجع مردودية الزراعة.
بفضل المشروع، استعادت 45 مزرعة إمكانية الري المستدام لمحاصيلها بحسب عبدالله القضقاضي، مزارع وأب لخمسة أولاد والذي قال "تراجعت مساحة الزرع في حقلي إلى الثلث، ولكن بعد وصول المياه بفضل المشروع تمكنت من إعادة توسيع المساحة".
ويعد المشروع واحدًا من عدة مبادرات يمولها الاتحاد الأوروبي، حيث خصص نحو 220 مليون يورو منذ عام 2023 لدعم مشاريع زراعية ومائية في تونس.
استعادة الأمل
أصبحت الساقية التي تمتد عبر الحقول رمزًا للأمل المتجدد في المنطقة، إذ تمكن المزارعون من ري حقولهم والعودة للعمل الزراعي بعد سنوات من المعاناة.
ويختم منعم الخميسي بقوله: "المنظمة لا تحل مكان الدولة، بل تدعم جهودها في تنفيذ بعض المشاريع النموذجية التي تسهم في مقاومة التغير المناخي وإحداث فرص عمل في المناطق المهمشة".