«أطباء بلا حدود»: الصحة العقلية أزمة صامتة في جنوب السودان

«أطباء بلا حدود»: الصحة العقلية أزمة صامتة في جنوب السودان

يعاني العديد من الأفراد في جنوب السودان من مشكلات الصحة العقلية في صمت، في ظل تردي الأوضاع الصحية.

ووفقا لبيان نشرته منظمة “أطباء بلا حدود”، اليوم الثلاثاء، تتجلى هذه المعاناة في قصص مأساوية مثل قصة ماري نيانهال كيل، التي اضطرت للفرار من قريتها في باغير نتيجة هجمات الجماعات المسلحة.

فقدت ماري والدها وأخيها الأكبر خلال هجوم همجي، عندما كانت في الثانية عشرة، ورغم محاولاتها العيش، تظل آثار فقدان عائلتها مؤلمة، حيث فقدت زوجها أيضًا، وأصبحت المعيلة الوحيدة لستة أطفال.

يعيش العديد مثل ماري ونيابنغ بول لام، التي فقدت شقيقها وزوجها، في ظروف مأساوية تؤثر على صحتهم النفسية، والتي تقول: "لقد فقدت كل أمل، وأنا يائسة"، يؤثر هذا الفقدان والافتقار للاستقرار بعمق على الصحة النفسية للأفراد، مما يجعل الحياة اليومية أكثر صعوبة.

أزمة الصحة النفسية

وتعتبر أزمة الصحة النفسية في جنوب السودان مقلقة، إذ تعاني البلاد من نقص حاد في خدمات الرعاية الصحية الأولية، في حين تُعتبر خدمات الصحة العقلية نادرة للغاية.

يواجه الأشخاص مثل ماري ونيابنغ صعوبات كبيرة في الحصول على الرعاية الصحية المناسبة، ومع استمرار النزاعات المسلحة والفقر المدقع وانعدام الأمن الغذائي، تتزايد الضغوط النفسية، والوصمة المرتبطة بالصحة النفسية تظل قوية، مما يدفع العديد للصمت عن معاناتهم.

وتعد منظمة أطباء بلا حدود واحدة من الجهات القليلة التي تقدم خدمات الصحة النفسية في جنوب السودان، حيث تسجل العديد من الحالات مثل اضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب، خاصة بين الأمهات الجدد.

تحديات هائلة

ورغم تقديم أكثر من 9600 استشارة في مجال الصحة النفسية، فإن هذه الجهود تمثل جزءًا ضئيلًا من الاحتياجات الملحة، حيث تشير الدراسات إلى أن ثلاثة من كل أربعة مرضى يسعون للدعم النفسي قد تعرضوا للعنف المجتمعي أو العنف القائم على النوع الاجتماعي، لكن، تبقى هذه المشاكل دون معالجة بسبب الوصمة الاجتماعية، حيث تقول ماري: “أتحدث عن ذلك فقط خلال جلسات الصحة النفسية، لأن الجميع هنا يمرون بنفس الشيء".

ويواجه مقدمو الرعاية في جنوب السودان تحديات هائلة، حيث يُضطر الكثيرون إلى اتخاذ قرارات صعبة بشأن أقاربهم الذين يعانون من مشاكل الصحة العقلية. 

ويفضل العديد منهم الصمت خوفًا من العواقب الاجتماعية، مما يؤدي إلى تقييدهم أو حتى سجنهم، والظروف القاسية والموارد المحدودة تؤدي إلى تفاقم معاناة هؤلاء الأفراد، حيث تُرك الكثير منهم لمواجهة مصيرهم بمفردهم.

غالبًا ما تستغرق الرحلة إلى المستشفى أيامًا، مما يجعل العديد من المرضى غير قادرين على الحصول على الرعاية اللازمة، كما أن المرضى الذين يصلون إلى المستشفى غالبًا لا يعودون للمتابعة، مما يزيد من تدهور حالتهم.

اضطرابات نفسية غير معالجة

وتشير الأبحاث إلى أن الاضطرابات النفسية غير المعالجة يمكن أن تؤدي إلى عواقب وخيمة، بما في ذلك تدهور الصحة البدنية وزيادة الفقر وتدهور نوعية الحياة، لذلك، من الضروري دمج رعاية الصحة العقلية في النظام الصحي الأوسع في جنوب السودان، يتطلب ذلك تغييرًا حقيقيًا لضمان أن المجتمعات تستطيع الشفاء من آثار النزاع والفقر.

وفي غياب هذا التغيير، ستستمر معاناة الأفراد مثل ماري ونيابنغ، وسيظل الأمل في التعافي بعيد المنال، وهو ما يتطلب التزامًا جماعيًا لإحداث فرق حقيقي في حياة هؤلاء الأشخاص وفتح الطريق نحو مستقبل أكثر إشراقًا وصحة للجميع.



 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية