غياب القادة.. أزمة عالمية
غياب القادة.. أزمة عالمية
لا يمكن أن نعزو الفوضى التي نشهدها في العالم اليوم إلا لشيء واحد، وهو "غياب القادة الحقيقيين" في العالم.. القادة أصحاب الرؤية والقدرة على مواجهة التحديات الكبرى.
هذا الغياب يظهر جلياً في العديد من الأزمات العالمية، سواء كانت الحروب في الشرق الأوسط أو في أوكرانيا أو الصراعات في آسيا وإفريقيا، وكذلك يظهر في الأزمات الاقتصادية والبيئية.
وفي ما نشهده من أحداث في منطقة الشرق الأوسط، من الواضح أنه لدينا الكثير من السياسيين في العالم، وليس من القياديين، ففي فلسطين ليست هناك قيادة، وإسرائيل تفتقد للقائد، وليس هناك قائد في الولايات المتحدة ولا في أوروبا يستطيع أن يحسم الأوضاع كما كان في السابق، كما أنه ليست هناك قيادة موحدة في العالم العربي!
ومن أسباب هذا الغياب المقلق، ما يبدو واضحاً من أن قادة العالم الحاليين يركزون على المكاسب السياسية والاقتصادية قصيرة المدى، مثل الانتخابات المقبلة أو الحفاظ على الشعبية اللحظية، بدلاً من وضع إستراتيجيات طويلة الأمد تضمن الاستقرار والازدهار في المستقبل.. هذا التركيز على الأهداف الفورية يؤدي إلى تجاهل التحديات الكبرى مثل الصراعات الجيوسياسية والاستقرار العالمي والتغير المناخي وغيرها، فالرؤية طويلة المدى أصبحت غائبة!
ومن الأسباب كذلك الشعبوية وسيطرة المصالح الضيقة.. فصعود الحركات الشعبوية في عدة مناطق من العالم تسبب في تصاعد الانقسامات الداخلية والخارجية.. فالقادة الشعبويون غالباً ما يستغلون مشاعر الغضب والخوف لدى الجماهير من أجل تحقيق مكاسب سياسية، ما يؤدي إلى تعميق الأزمات بدلاً من حلها، وبالضرورة فإن هذه السياسة تقود إلى تأجيج الصراعات بدلاً من تعزيز الحوار والتفاهم.
ومن الأسباب التي ظهرت مؤخراً فقدان الثقة في المؤسسات، فقد لاحظنا أن الكثير من الشعوب حول العالم فقدوا الثقة في قادتهم والمؤسسات التي يفترض أن تمثلهم، وذلك إما بسبب الفساد أو سوء الإدارة أو عدم الاستجابة الفعالة للتحديات الكبرى مثل جائحة كوفيد-19.
ومن الأسباب التي لا يمكن تجاهلها ازدياد التحديات العالمية المعقدة، فالعالم اليوم يواجه تحديات معقدة ومتشابكة، مثل تغير المناخ، والتفاوت الاقتصادي المتزايد، والأزمات الصحية، والصراعات المسلحة، وكل هذه التحديات تتطلب قادة يمتلكون رؤية شاملة وحلولاً مبتكرة للتعامل معها، ولكن في غياب هؤلاء القادة، تستمر هذه الأزمات في التفاقم، وخصوصاً مع ظهور بوادر تفكك النظام العالمي.. فالعالم تهيمن عليه قوى اقتصادية وعسكرية وسياسية متعددة، ما يجعل النظام العالمي أكثر تعقيداً وتفككاً، الأمر الذي يخلق فراغات في القيادة، ويخلق الفوضى العالمية الحالية التي تعكس غياب القيادة الحقيقية على مستوى العالم.
كما يبدو واضحاً أن هناك فجوة بين القادة السابقين والقادة الحاليين، وتغيراً في منطلقات اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية التي أصبحت أكثر تمحوراً حول المكاسب الشخصية أو السياسية قصيرة المدى، بدلاً من التفكير العميق في مصلحة الشعوب على المدى الطويل، والأخطر من ذلك الانتشار الواسع لليمين وللشعبوية وتأثيرها على القرارات السياسية.
وفي اعتقادي أن القادة الحقيقيين هم الذين "يكونون مستعدين لاتخاذ قرارات صعبة في جميع الأوقات والظروف"، وأمثال هؤلاء القادة أصبحوا موجودين في دول الخليج وفي البعض القليل جداً من الدول العربية، ويستطيعون أن يؤثروا في محيطنا، والأحداث في السنوات الأخيرة أثبتت ذلك، ولكن ما يبدو على المستوى العالمي أن الكثير من القادة يتجنبون اتخاذ تلك القرارات الشجاعة خوفاً من فقدان الدعم الشعبي وخسارة الانتخابات أو مواجهة المعارضة السياسية، وهذا يجعلهم مترددين في اتخاذ الخطوات الجريئة والحاسمة لحل الأزمات، الأمر الذي يؤدي إلى انتشار الفوضى ومد أمد الصراعات والحروب، وغياب سلطة القانون الدولي.