الخبير التربوي حسن البيلاوي لـ«جسور بوست»: حماية الأطفال من مخاطر «السوشيال ميديا» ترتكز على التوعية والرقابة
الخبير التربوي حسن البيلاوي لـ«جسور بوست»: حماية الأطفال من مخاطر «السوشيال ميديا» ترتكز على التوعية والرقابة
في ظل التطور التكنولوجي والتسارع الرقمي الذي يحيط بنا، تبدو مهمة حماية الطفل في العالم العربي أشبه بتحدٍّ متجدد، حيث تضع الوسائط الاجتماعية وعالم الإنترنت، الأطفال في قلب موجة ضخمة من المعلومات والتجارب، بعضها مفيد، وبعضها يحمل مخاطر جمة.
وتعمل العديد من المؤسسات الدولية والمحلية على توعية الأسر ومساعدة الأطفال لمواجهة المخاطر الناتجة عن التعامل مع أدوات التكنولوجيا الحديثة في ظل عصر التطور الرقمي الذي نعيشه، عبر العديد من الخطوات والإرشادات والفعاليات التوعوية، من أجل تحفيز الأطفال على استخدام التكنولوجيا الحديثة بطريقة إيجابية ووقايتهم من مخاطرها.
والتقى «جسور بوست»، الخبير في شؤون التعليم وتنشئة الطفل، الدكتور حسن البيلاوي، الأمين العام للمجلس العربي للطفولة والتنمية، وأستاذ علم الاجتماع التربوي بإحدى الجامعات المصرية، للحديث حول مخاطر التكنولوجيا الحديثة على الأطفال وسبل حمايتهم منها.
وتحدث د. البيلاوي، في هذا الحوار، عن سبل تحقيق فضاء رقمي آمن للأطفال، ورؤيته حول الأدوار المتعددة للأسرة والمجتمع والمؤسسات التعليمية وكذلك الإعلام في تعزيز الوعي والممارسات الآمنة عبر وسائل التواصل المختلفة، وسبل استخدام التكنولوجيا الحديثة دون التعرض لمخاطرها على الأطفال والأسرة بشكل عام.
فإلى نص الحوار:
بداية.. كيف يمكن تعزيز وعي الأطفال بمخاطر العالم الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي؟
على كل شخص يقوم على تنشئة الطفل خاصة الأسرة أن تعي وتدرك جيدا، أن الأطفال في حاجة للتوعية والرقابة جنبا إلى جنب، لمواجهة المخاطر المحيطة بهم، وأقول لكل قائم على تربية وتنشئة الأطفال: مَكّن الطفل من الحصول على المعرفة عبر الوسائل التكنولوجية الحديثة باعتبارها وسيلة معززة ومثرية لعمليات التعليم والتعلم، وعزز من فرصه في التعامل الأمثل لها، وشاركه فيما يشاهده أو يستخدمه من ألعاب أو برامج أو تطبيقات الكترونية هادفة ومفيدة.
وأقول أيضا لكل من يقوم على تنشئة الطفل، استبعد ما هو غير مناسب، واشرح له أنه لا يجب عليه مطلقًا إعطاء بيانات شخصية للغرباء على الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، ولا تجعله عرضة للتنمر أو ممارسته على الآخرين، وأخيرا اشرح له أهمية التعبير عن نفسه بشكل جيد ولائق عبر الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وأقول إنه يجب أن نعيش مع أطفالنا ونوفر لهم كل سبل التمكين والمشاركة.
البعض يقول إن المؤسسات التعليمية لها دور مهم في تنشئة الطفل.. كيف تقيمون دور تلك المؤسسات في التصدي للتحديات التي يفرضها الفضاء الرقمي على الأطفال؟
من المهم أن نركز على التعليم، ولكنه يعاني من أزمة التخلف الثقافي؛ فالتعليم يرزح تحت هيمنة التخلف الثقافي، ولم يشهد من داخله عملية تنمية لثقافة التقدم، وهنا التعليم سوف يعطيك ما لا نهدف إليه، سوف يعطي شيء آخر تماماً، سوف يعيد إنتاج قيم وسلوكيات ماضوية موروثة، لأنه يعيد إنتاج نفسه.
لذا من الضروري أن نقوم أولا على إحداث التغيير في البنية المفاهيمية للعقل والسمات والشخصية، وذلك من خلال تعبئة كل قدرات الدولة: التعليم النظامي وغير النظامي، وسائل الاعلام، مؤسسات الثقافة، منظمات المجتمع المدني الأهلي المعنية بالتغيير.
تقصد أننا بحاجة لإصلاح التعليم أولا؟
بالطبع، فإصلاح التعليم لا يعتمد على كونه قضية تقنية وأساليب تربوية فنية، بل إن إصلاح التعليم عملية سياسة تنموية قائمة تستلزم رسم رؤية مستقبلية، ترتكز على أن تكون مدارسنا وكل مؤسسات الثقافة والتعليم والإعلام والوعظ والإرشاد قلاعا للتنوير ومساندة لجهود التنمية.
وإذا كان هذا حال التعليم فإن الأمر سيرتبط بالمجال التكنولوجي، فالتكنولوجيا مهمة جداً في تسريع حياتنا، ولكن التكنولوجيا بلا تشابك إنساني لها أضرار كثيرة، وهذا ما نشهده في الواقع اليومي على المنصات الرقمية من تهديدات خطيرة، وعلينا أن نسعى إلى نكسب التكنولوجيا في مجالات التعليم والتعلم، وكل ميادين التنمية.
وهل تعتقد أن هناك قصورًا تشريعيًا في سبيل حماية الأطفال من التهديدات المتزايدة في العالم الرقمي؟
قد يكون سن التشريعات سبيلا للتدخل، ولكنه ليس الوسيلة الفاعلة في مواجهة تلك التهديدات، خاصة وإننا نتعامل مع فضاء عالمي لا يخضع لقانون دولة بعينها، بل يحتاج إلى تقنين دولي تتدخل فيه شركات عملاقة تهيمن على هذا المجال بالتعاون مع منظمات أممية وحكومات ومؤسسات مجتمع مدني.
ونحن ندرك أن السبيل الأهم هو تمكين أطفالنا وكل أفراد مجتمعاتنا العربية من التعامل الرشيد والآمن مع هذه الأدوات التي تمثل عصر جديد ونمط جديد للحياة، لن يستغنى عنه الطفل مهما كانت المحاولات لإبعاده لسبب بسيط إنها تمثل أدوات عصره ويمكن الاستفادة من مزاياها وتجنب مخاطرها، هذا التمكين يعتمد على فواعل التنشئة على مستوى الأسرة والمدرسة، والإعلام والمجتمع المدني وخلافه.
لذا نحتاج إلى تقنين دولي وتفعيل معايير ومبادئ مهنية في مجال الإعلام، يصاحبها تيار تنويري وتوعوي في هذا المجال، ويكمله تشريعات لحماية أطفالنا من الاستغلال والتنمر والعنف والابتزاز واختراق خصوصياتهم وغيرها من التهديدات التي يتعرض لها عبر هذه المنصات الرقمية.
كيف يؤثر الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي في نفسية الأطفال وفي صحتهم العقلية والنفسية؟
لن نستطيع أن نمنع أبناءنا أو نعزلهم عن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، فقد صارت واقعاً بحكم طبيعة العصر ومتغيراته، ولكننا يجب أن نركز على تمكين وتهيئة أطفالنا لهذا العالم الجديد الذي يخصَّهم، فالتعامل مع منصات التواصل الاجتماعي يمنح فرصا لا محدودة للتعلم، ويكسب الأطفال المهارات المختلفة مثل النقاش والابتكار وحل المشكلات ومواجهة المخاطر والتفكير المرن، ويوجد نوع من التبادل والتواصل بين الأطفال، كما يفتح المجال للاستفادة من خبرات الآخرين والتطلع إلي أفكارهم، وأخيرا إتاحة فرصا أوسع وأكبر لدى الأطفال للحوار والمشاركة.
ولكن لا نستطيع أن نغفل أن المخاطر مع الاستخدام الخطأ والمفرط، مثل فقدان الخصوصية، والتعرض للأذى من خلال العنف والتنمر، وإمكانية الاستغلال الجنسي عبر الانترنت، والتعرض للانحراف، والحصول على معلومات مشوهة ومغلوطة مما قد يسبب له ارباكا معرفيا، وفقدان الثقة بالنفس، وإهدار الوقت بما يشغلهم عن التحصيل الدراسي أو ممارسة أنشطة حياتية أخرى.
وكيف يمكن إحداث التوازن بين حق الأطفال في التعبير الرقمي وبين حمايتهم من مخاطره؟
سيظل الحل هو التمكين ولس المنع، هذا التمكين يحتاج إلى خطط واستراتيجيات تقوم بها الدول والمؤسسات، وعليها أن تبدأ من الآن في تمكين أطفالنا وتهيئتهم لمستقبل نأمل أن يكون أفضل.
وهل تعتقد أن الفضاء الرقمي يحتاج إلى اتفاقيات ومعاهدات دولية جديدة تراعي التحولات السريعة التي تشكل عالم الأطفال في ظل المستجدات الراهنة؟
يجب أن نؤكد على أهمية اتفاقية حقوق الطفل التي صدرت في نوفمبر من العام 1989، والتي تمثل مرجعية أساسية في العمل مع الأطفال وهي أكثر اتفاقيات حقوق الإنسان تصديقًا من الدول، كما إنها وثيقة تجمع معًا الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية وتعطي لهما نفس الوزن والأهمية وفق مبدأ التكامل والاتِّساق بين مختلف الحقوق.
هذا الأمر هو الذي جعل النهج الحقوقي المتكامل هو احد ركائز العمل في نموذج المجلس للتنشئة، وقام المجلس بجهد علمي لوضع آليات كفالة ضمان الحقوق، ولكننا بحاجة إلى مراجعة عالمية للاتفاقية في ضوء المستجدات الراهنة، فالاتفاقية لم تتطرق إلى حقوق تتعلق بالرقمنة، بل مبدأ المشاركة ذاته يحتاج إلى إعادة تعريف بعد ما اتاحت المنصات الرقمية المجال للأطفال للتعبير عن آرائهم دون قيود في كثير من الأحيان.